تابعنا
تستمر المجازر المفتوحة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الصحفيين الفلسطينيين، وهو ما تؤكده آخر تحديثات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إذ أعلنت ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين داخل القطاع إلى ما لا يقل عن 152 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان، بأن "عدد الشهداء الصحفيين ارتفع إلى 152 صحفياً وصحفية منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد ارتقاء الزميل الصحفي الشهيد سليم الشرفا، مقدم البرامج والإعلامي بقناة الأقصى الفضائية".

وتُعَدّ الحرب الجارية على غزة، النزاع المسلح الأكثر دموية في حق الصحفيين منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وسبق أن حذر المكتب الحكومي المذكور، وعدد من المؤسسات الحقوقية، أكثر من مرة، من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف الصحفيين في غزة لمنع نقل "الجرائم" التي يرتكبها هناك.

وأكّدت تحقيقات صحفية عديدة، واقع الاستهداف الممنهج للصحفيين في غزة، وأحدثها تحقيق منظمة "فوربيدن ستوريز" الصحفية، الذي شارك فيه أكثر من 50 صحفياً و120 شاهداً و25 خبيراً في المقذوفات والأسلحة والصوت، خلصوا إلى وجود صفة التعمُّد في هجمات الاحتلال الإسرائيلي على الصحفيين.

إجرام غير مسبوق في حق الصحفيين!

واستغرق فريق "فوربيدن ستوريز" أربعة أشهر في إنجاز التحقيق، حيث حُلّل ما يزيد على 100 حالة مقتل صحفيين وإعلاميين في غزة، بالإضافة إلى حالات أخرى لعاملين في الصحافة استُهدفوا أو هُدّدوا أو أصيبوا منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وخلص تحقيق المنظمة الصحفية إلى أن قوات الاحتلال تستهدف عمداً الصحفيين الفلسطينيين، بحيث قُتل ما لا يقل عن 40 صحفياً وعاملاً في مجال الإعلام في أثناء وجودهم داخل منازلهم، وغيرهم استشهد 40 صحفياً آخر وصفهم الاحتلال بأنهم "يعملون لصالح وسائل إعلام تابعة لحماس".

وهذا فضلاً عما لا يقلّ عن 18 صحفياً استشهدوا أو جُرحوا أو استُهدفوا بطائرات مسيرة، وستة مبانٍ تضمّ مكاتب إعلامية دُمرت بالكامل أو جزئياً. في المقابل كان ما يزيد على 14 من هؤلاء الصحفيين الذين استشهدوا أو جُرحوا أو استُهدفوا، يرتدون سترات الصحافة.

ومن بين هذه الحالات ما تَعرَّض له أربعة صحفيين فلسطينيين من استهداف بطائرة مسيرة، في أثناء تغطيتهم الإعلامية شمالي القطاع.

وذكر التحقيق أن الصحفيين أنس الشريف ومحمود شلحة وعماد غبون ومحمود صباح، كانوا على تلة صغيرة في تل الزعتر عصر يوم 22 يناير/كانون الثاني، من أجل البحث عن إشارة إنترنت لنقل مقاطع الفيديو إلى محرريهم، عندما استشهدوا بانفجار صاروخ استهدفتهم به مسيرة إسرائيلية.

وكان الصحفي أنس الشريف يرتدي السترة والخوذة المخصصتين للصحفيين، وهو ما يحيل إلى معرفة طيار المسيرة بهوية أهدافه. وحلّل فريق عمل "فوربيدن ستوريز" الصور الملتقَطة في أثناء عملية الاستهداف، وأكد فعلياً وجود مسيرة استطلاع إسرائيلية بسماء الحادثة.

وفي 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استُهدف فريق قناة الجزيرة بطائرة مسيرة إسرائيلية، فيما كان يعمل في تغطية مجريات الحرب في خان يونس، وراح ضحية ذلك المصور سامر أبو دقة، كما تَعرَّض مدير مكتب القناة وائل دحدوح لجروح بليغة.

وكشف تحقيق "فوربيدن ستوريز" نقلاً عن أحد المسعفين، أن جثة سامر أبو دقة ممزقة إلى أشلاء، ما يفيد بأنه أصيب بضربتين على الأقلّ. كما عثروا على السترة الصحفية التي يرتديها أبو دقة متكئة على الحائط، بالتالي "في رأينا، كان هذا دليلاً على أنه كان على قيد الحياة في البداية، وأنه خلع السترة لأنها كانت ثقيلة".

وفي تصريحات للمنظمة قال براندون براينت، الرقيب السابق في القوات الجوية الأمريكية، إن الطائرات المسيرة تحمل متفجرات أصغر من الطائرات المقاتلة، ويمكنها تنفيذ ضربات دقيقة وجراحية "على بعد قدم من أي مكان نسلّط عليه الليزر".

وقال خبير فرنسي في الطائرات المسيرة، طلب عدم الكشف عن هويته: "يمكنك إلقاء نظرة حولك والتحقق من عدم وجود مدنيين في الجوار (...) وتجنب رد الفعل العنيف الذي يأتي مع تفجير عدد كبير جداً من المدنيين".

وتؤكّد مثل هذه الشهادات، صفة التعمد في عملية استهداف الصحفيين الفلسطينيين، وتفنّد كذب الاحتلال بنفيه هذا التعمد. وفي رده على تحقيق "فوربيدن ستوريز" قال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن "الرواية القائلة إن الجيش الإسرائيلي يستهدف الصحفيين عمداً لا أساس لها من الصحة على الإطلاق وكاذبة من الأساس".

من جانبها، استنكرت شروق أسعد، المتحدثة باسم نقابة الصحفيين الفلسطينيين، الصمت العالمي حول هذه الانتهاكات، بقولها: "إذا قُتل 100 أو 140 صحفياً إسرائيلياً أو أوكرانياً، فلا أعتقد أن هذا سيكون رد فعل العالم (...)، لا أتمنى أن يموت أي صحفي، إسرائيلياً كان أو أوكرانياً أو فلسطينياً. على الصحفيين أن يعملوا وأن يحصلوا على الحماية بغضّ النظر عن هُويتهم والبلد الذي يعيشون فيه".

طاقم TRT عربي هدفاً للاحتلال!

وتَعرَّض فريق TRT عربي في غزة أيضاً لاستهداف آلة القتل الإسرائيلية، وكان ذلك يوم الجمعة 12 أبريل/نيسان، أثناء تغطيتهم عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم النصيرات، في منطقة مكشوفة وبعلامات واضحة تدل على طبيعة وهوية طاقم القناة الصحفية.

في حينها بدأ مراسل القناة سامي برهوم ومصورها سامي شحادة ممارسة عملهما، وبعد دقائق فقط عاجلتهم قذيفة إسرائيلية أدّت إلى بتر قدم شحادة وإصابة برهوم إصابة طفيفة.

وفي حديثه لموقع TRT عربي، أوضح سامي برهوم أن "شكل القصف وحجمه أظهرا لنا أننا أمام جولة مختلفة كلياً"، مشيراً إلى أن طاقم القناة سبق أن تعرض في أكثر من مناسبة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لقصف إسرائيلي، كانت المرة الأولى خلال تغطية مجازر الاحتلال في مخيم جباليا نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول التي راح ضحيتها ما يقرب من 400 شهيد.

أما المرة الثانية فكانت خلال عمل سامي قرب مستشفى الشفاء، يقول: "كان عليّ الخروج على البثّ المباشر، لكنَّ حدثاً جرى دفعَنا إلى تأخير البث لمدة خمس دقائق، وقتها كان بجوارنا بائع متجول ذهبتُ لشراء بعض الأغراض منه، وفي لحظة تحولت المنطقة إلى ساحة من الدماء والأشلاء، بعد أن سقط صاروخ بالقرب منّي، وشاءت الأقدار أن أنجو فيما استُشهد الشخص الذي كنت أشتري منه".

وبخصوص استهداف مخيم النصيرات، يضيف برهوم: "اتخذنا جميع الاحتياطات اللازمة، وتحركنا بسيارة عليها علامة واضحة تشير إلى هويتنا، كما ارتدينا الخوذة والدرع الصحفية وتوجهنا إلى النصيرات"، مشيراً إلى أن فريق القناة كان إلى جوار مجموعة من الصحفيين والإعلاميين.

ويقصّ سامي برهوم أطوار تلك اللحظات قائلاً: "بدأنا بالتصوير أنا والمصور سامي شحادة، وفجأة رأيت نفسي طرت لمسافة 5 أمتار، نظرت فوجدت سامي وقد بُترت قدمه، سحبته من المكان، فقد أدركت أن الاحتلال سيعود إلى استهداف هذه المنطقة، وفي هذه اللحظة خرج أب وابنته شاءت الأقدار أن تكون الابنة هي الممرضة التي ساعدتنا على تضميد جراح سامي، وأسرعنا إلى مستشفى دير البلح".

تحركات لمحاسبة إسرائيل

وتطرح هذه الأوضاع أسئلة حول مدى إمكانية محاسبة إسرائيل على جرائمها في حق الصحفيين. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول تقدمت منظمة "مراسلون بلا حدود" بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن "جرائم الحرب المرتكبة ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة".

وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف ديلوار، إن "حجم وخطورة وتكرار الجرائم الدولية التي تستهدف الصحفيين، لا سيّما في غزة، يستدعيان إجراء تحقيق ذي أولوية من المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية الدولية"، لافتاً إلى أن "الأحداث المأساوية الحالية تُظهِر مدى الإلحاح الشديد لتعبئته".

في السياق ذاته، حثّت منظمة "المادة 19" الناشطة في مجال حماية حرية التعبير، المحكمة الجنائية الدولية على إجراء فحص دقيق للانتهاكات الجسيمة والكثيرة ضد حرية التعبير في غزة، على ضوء القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا على إسرائيل بموجب معاهدة محاربة الإبادة.

وقالت المنظمة: "ينبغي لمحكمة العدل الدولية أن تأخذ في الاعتبار الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل قتل الصحفيين، وتدابير الرقابة الصارمة وقطع الاتصالات التي تفرضها إسرائيل، التي عطَّلت كثيراً القدرة على توثيق انتهاكات القانون الدولي (...)، مع آثار مدمرة محتملة على جهود المساءلة المستقبلية".

وفي رسالة وجَّهها المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إلى منظمة "مراسلون بلا حدود" في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، أكد أن "الجرائم المرتكَبة ضد الصحفيين يفحصها مكتب المدّعي العامّ، من بين جرائم أخرى محتملة، باعتبارها جزءاً من التحقيق الجاري في الوضع بفلسطين".

TRT عربي
الأكثر تداولاً