القوات الفرنسية قبل انسحابها من النيجر / صورة: AA (AA)
تابعنا

فبعد انسحاب باريس من مالي والنيجر وبوركينا فاسو غربي إفريقيا قبل أشهر، جدد رئيس السنغال باسيرو ديوماي فاي، دعوته باريس إلى إغلاق قواعدها العسكرية في بلاده.

ونهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن فاي إنهاء الوجود العسكري الفرنسي اعتباراً من عام 2025، بعد أن قال نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الفائت إنه يتعارض مع سيادة بلاده.

كما أُعيدت قاعدة فايا العسكرية الفرنسية في تشاد، يوم 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى الجيش التشادي.

حدث ذلك بعد إعلان إنجامينا، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلغاء اتفاقية مع باريس لتعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والأمن.

وطالبت تشاد الحكومة الفرنسية بسحب جميع قواتها من أراضي الدولة الإفريقية بحلول 31 يناير/كانون الثاني 2025.

الخبير في شؤون دول الساحل والصحراء أحمد نور الدين، عزا تراجع نفوذ فرنسا العسكري إلى عوامل متداخلة ومركبة، منها تراجع نفوذها الاقتصادي وتقهقرها الثقافي أيضاً.

وأضاف أن هذه العوامل منها ما هو مرتبط بتنامي التيار الإفريقي الداعي إلى تصفية الإرث الاستعماري ومناهضة سياسات الهيمنة للدول الغربية عامة والقوى الاستعمارية السابقة خاصة.

وتابع نور الدين: "هذا التيار الإفريقي، وإن كانت دوافعه ذاتية محلية على العموم، إلا أن هناك أيضاً أطرافاً خارجية تغذّيه بشكل ممنهج عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وزاد أن هذه الشبكات "تشهد تصاعداً في الحملات المحرضة على الوجود الفرنسي. ويشير عديد من المصادر المتقاطعة بأصابع الاتهام إلى وقوف روسيا وراءها، وبدرجة أقل الصين".

نور الدين رأى أن من بين أسباب التراجع الفرنسي أيضاً "عوامل ترتبط بفرنسا ذاتها، حيث ركزت اهتمامها خلال السنوات الثلاثين الماضية على تعزيز وجودها في أسواق أوروبا الشرقية وتقوية نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي".

تغيرات تُقصي فرنسا

وتزامن تراجع النفوذ الفرنسي مع تغيرات كثيرة في منطقة الساحل الإفريقي، ومع انقلابات عسكرية في بعض دولها، لا سيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وتوترت العلاقات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والبلدان الثلاثة بعد أن طالب التكتل بالعودة إلى الحكم المدني عقب انقلابات عسكرية في مالي عام 2020، وبوركينا فاسو في 2022، والنيجر 2023.

وفي 17 سبتمبر/أيلول 2023، وقّعت الدول الثلاث "ميثاق ليبتاكو-غورما" لتأسيس تحالف دول الساحل الثلاث، بهدف إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة"‪.

وينص هذا التحالف على أن تعرُّض إحدى الدول الموقِّعة عليه لهجوم يعد مهاجمة لجميع الدول، ويمكن لكل الأطراف الرد بشكل فردي أو جماعي، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة‪.

وفي يوليو/تموز 2024، أعلنت الدول الثلاث "كونفدرالية دول الساحل"، بهدف التنسيق العسكري والسياسي والاقتصادي.

ورأى نور الدين أن "هناك علاقة بين تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا وتغيير بعض الأنظمة في مالي وبوركينافاسو عبر انقلابات حظيت بدعم قَبليٍّ أو بَعديٍّ من روسيا".

وأردف أنه كما حدث "تغيير في التيارات السياسية الحاكمة في دول تعرف تداولاً ديمقراطياً على السلطة، مثل وصول فاي إلى رئاسة السنغال وتبنيه خيارات سيادية مناهضة للهيمنة الفرنسية التي تعد السنغال من أهم معاقلها في إفريقيا".

على الجانب الاقتصادي، قال نور الدين: "إذا أخذنا في الحسبان مشروع إحداث عملة موحدة للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، فإن تنفيذه سيمثل ضربة قاضية للنفوذ المالي والاقتصادي لفرنسا".

وعزا ذلك إلى أن "الفرنك الإفريقي الذي يتحكم فيه البنك المركزي الفرنسي، كان يشكل أداة قوية لتكريس التبعية لفرنسا وتحكمها في مخزون تلك الدول من العملات الصعبة وفي مبادلاتها التجارية الخارجية".

ورأى أن "أكبر مؤشر على التراجع الفرنسي هو تراجع حصة باريس من 12.5 بالمئة إلى نحو 7 بالمئة من واردات القارة السمراء من الخارج، خلال السنوات العشرين الماضية".

استقرار المنطقة

نور الدين قال إنه "إذا كانت هذه البلدان الإفريقية ستحل النفوذ الروسي أو الصيني محل الفرنسي، فلا أظن أن ذلك سيساعد على بناء الاستقرار الحقيقي في المنطقة".

واستدرك: "بل سنكون أمام ازدياد للصراع الدولي فوق أرض إفريقية، ومن سيدفع الثمن هي الشعوب والدول الإفريقية".

وأشاد بالتغيير "إذا كان الأمر يتعلق بتراجع النفوذ الأجنبي بوصفه نتيجة لخيارات استراتيجية تتعلق بتعزيز السيادة الوطنية للدول الإفريقية وبناء اقتصادات قوية".

"أكيد أن هذه الطريق ستؤدي إلى استقرار المنطقة وازدهارها ونهضة شعوبها، إذا تضافرت عوامل أخرى جيوسياسية بينها تعزيز السوق الإفريقية المشتركة، ومنطقة التبادل الحر"، حسب نور الدين.

كما شدد على أهمية "تعزيز الخيار الديمقراطي الذي سيظل أهم ضمانة للاستقرار، وتجنيب تلك الدول مخاطر الانفلات الداخلي والتدخل الأجنبي".

وأضاف أن "التجارب المقارنة عبر العالم تؤكد أن الاستقرار هو نتيجة لمعادلة فيها متغيرات سياسية واقتصادية واستراتيجية".

وبيَّن أن "من أهم تلك المتغيرات وجود نظام ديمقراطي يضمن الكرامة والحرية للمواطن، ويتبنى خيارات اقتصادية وطنية، ويوفر الشغل والاندماج لمختلف فئات المجتمع، وبخاصة الهشة منها".

كذلك "يراعي هذا النظام التوازنات الدولية دون تفريط في السيادة، وينفتح على محيطه الإقليمي لتوفير مناخ للأمن والسلام عبر التعاون والشراكة، بدل تغذية النزاعات التي تتسبب في تدخل القوى الكبرى، كما نشاهد في السودان وليبيا والصومال ومالي"، حسبما ختم نور الدين.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً