السياسة الخارجية التركية 2024.. مبادرات للاستقرار في الملفات الإقليمية / صورة: AA (AA)
تابعنا

حافظت تركيا على سياسة خارجية نشطة، جمعت بين المبادئ السياسية والمرونة اللازمة لحفظ المصالح التركية، وركزت السياسة الخارجية التركية على عنصري الاستقرار والشراكة. فعلى صعيد المنطقة العربية، سعت تركيا إلى نسج علاقات مستقرة مع دول المنطقة بشكل عام.

واستمرت تركيا في موقفها الرافض لحروب الاحتلال الإسرائيلي وجهوده لخلق حالة من عدم الاستقرار في دول المنطقة، كما واصلت أنقرة جهودها في مكافحة التنظيمات الإرهابية والتصدي لها داخل وخارج تركيا.

في مواجهة حروب واعتداءات إسرائيل

استمرت تركيا في موقفها الرافض والمواجه للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي بدأته إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والحرب على لبنان التي أعلنتها دولة الاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وتحركت تركيا في مواجهة العدوان الإسرائيلي عبر أربعة اتجاهات: الأول هو مقاطعة الاحتلال، والثاني الضغط الدبلوماسي، والثالث الضغط القانوني، والرابع رفض نزع الشرعية عن النضال الفلسطيني.

وفي إطار مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي والضغط عليه، أعلنت تركيا في شهر مايو/أيار 2024 قطع جميع العلاقات التجارية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، وبعد دعوات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأت تركيا حملة دولية لفرض حظر على شحنات الأسلحة المتجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاطبت في هذه الحملة عديداً من الدول والمنظمات الدولية.

كما كثفت تركيا حراكها الدبلوماسي على المستويات العالمية والعربية والإسلامية، لحشد أكبر قدر ممكن من الأصوات الدولية في مواجهة إسرائيل، وسعياً لوقف جرائمها في غزة ولبنان.

ونشط في هذا الإطار الدبلوماسيون الأتراك وكوادر وزارة الخارجية، وعلى رأسهم وزير الخارجية هاكان فيدان. وعلى الصعيد القانوني، وفي شهر أغسطس/آب الماضي، انضمت تركيا إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية.

وفي مواجهة محاولات إسرائيل نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية، أكدت تركيا في أكثر من مناسبة رفضها وصف المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بالإرهاب. وجاء هذا التأكيد على لسان الرئيس أردوغان في أكثر من مناسبة، كما التقى وزير الخارجية هاكان فيدان، مع قيادات الحركة في مناسبات مختلفة.

واستمراراً لدورها المساند، لعبت المؤسسات الرسمية التركية والمجتمعية والمدنية دوراً مهماً في إسناد الشعبين الفلسطيني واللبناني، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات العلاجية لعدد كبير من الجرحى والمصابين.

سوريا: التحرر والبناء

لعبت تركيا دوراً محورياً في دعم الشعب السوري، الذي استضافت تركيا الملايين منه بعد أن نزحوا من نيران نظام الأسد المنهار.

وخلال الأعوام الماضية، أطلقت تركيا عدة عمليات عسكرية في شمال سوريا، في مواجهة التنظيمات الإرهابية مثل "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، لمواجهة تنظيمي "داعش" و"PKK" الإرهابيين، مما وفَّر مناطق آمنة للشعب السوري، انطلقت منها لاحقاً المعارضة لإسقاط نظام بشار الأسد.

وبعد سقوط نظام الأسد، كثفت تركيا تواصلها مع الإدارة السورية الجديدة لتعزيز الاستقرار والتعاون الثنائي. في هذا السياق، زار رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، دمشق، حيث ظهر في المسجد الأموي في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد أربعة أيام فقط من سقوط النظام، تلتها زيارة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان.

ومنذ اللحظات الأولى لبدء المعارضة السورية في تحرير المدن، كثفت تركيا من مساعيها لمساعدة الإدارة الجديدة في سوريا. وبتعليمات من الرئيس رجب طيب أردوغان، بدأت تركيا خطة شاملة لإعادة إعمار سوريا، بمشاركة الوزارات المعنية، بعد سقوط نظام البعث.

وجَّهت وزارة الداخلية جهودها لدعم البنية التحتية الإدارية، مع فتح مكاتب لدائرة الهجرة وتسهيل عودة اللاجئين عبر معابر محددة. وعملت وزارة التجارة على تسهيل نقل ممتلكات السوريين العائدين بشكل نهائي وتيسير العمليات الجمركية.

في مجال النقل والبنية التحتية، ستعمل وزارة النقل على ترميم مطار دمشق، والسكك الحديدية، والطرق الرئيسية، بالإضافة إلى دعم قطاع الاتصالات وإحياء المواني.

أما وزارة الثقافة والسياحة، فعبر وكالة "تيكا"، سوف تسهم في ترميم المواقع التاريخية والثقافية، مثل مسجد ابن عربي في دمشق.

في قطاع الصحة والطاقة، تعهدت تركيا بدعم إعادة بناء النظام الصحي عبر الهلال الأحمر التركي وتأهيل البنية التحتية للطاقة لضمان تدفق الكهرباء.

إفريقيا: السلام أولاً

حافظت تركيا على خطها السياسي في التعامل مع القارة الإفريقية، الذي استند إلى مجموعة من المبادئ التي عبرت عنها في أكثر من مناسبة، وعلى رأسها الشراكة المتكافئة، والتعاون في المحافل الدولية، بالإضافة إلى التوسط في الصراعات التي تعيشها القارة والعمل على حلها.

وخلال العام الماضي، قادت تركيا عدداً من المبادرات السياسية والدبلوماسية تجاه القارة الإفريقية. ففي فبراير/شباط 2024، وقّعت تركيا والصومال اتفاقية دفاعية لتعزيز التعاون العسكري والأمني بين البلدين.

تشمل الاتفاقية توفير تركيا التدريب العسكري والمعدات للقوات المسلحة الصومالية، بما في ذلك البحرية، لدعم جهود مكافحة الإرهاب والقرصنة في المنطقة، وبناء قدرات الصومال الدفاعية على مدى عشر سنوات، وتعزيز استقرار منطقة القرن الإفريقي.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت كل من إثيوبيا والصومال، برعاية تركية، "إعلان أنقرة" بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويُركز الإعلان على تعزيز التعاون بين الصومال وإثيوبيا، مع احترام سيادة كل دولة ووحدتها، وتضمَّن الاتفاق توفير وصول آمن ومستدام لإثيوبيا إلى البحر عبر الأراضي الصومالية تحت السيادة الكاملة للصومال. كما شمل الاتفاق ترتيبات تجارية ثنائية تدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي.

وإلى جانب المبادرات السياسية والدبلوماسية التركية، شهد التبادل التجاري بين تركيا وإفريقيا نمواً ملحوظاً. خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المنصرم، بلغ نحو 27 مليار دولار، منها 15.8 مليار دولار صادرات تركية و11.1 مليار دولار واردات من الدول الإفريقية.

هذا التطور يعكس التزام تركيا بتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة الإفريقية، حيث ارتفع حجم التجارة بين الجانبين من 5.4 مليار دولار في عام 2003 إلى 35 مليار دولار في عام 2023. وتهدف تركيا إلى زيادة هذا الرقم إلى 50 مليار دولار في المرحلة الأولى، مما يعكس توجه البلدين نحو شراكة تجارية متوازنة.

بالإضافة إلى ذلك، تجاوزت الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا 7 مليارات دولار، ونفَّذت الشركات التركية أكثر من 1800 مشروع بقيمة إجمالية تقارب 85 مليار دولار، مما يعكس التزام تركيا بتنمية البنية التحتية وخلق فرص العمل في القارة.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً