ويستمر سكان المنطقة اللبنانية الحدودية مع إسرائيل، بالتوافد منذ الثلاثاء الماضي، عقب انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى بلدات منكوبة مسحتها التفجيرات والغارات الإسرائيلية.
وعند النظر إلى البلدات المحاذية للجدار الحدودي الذي شيده الاحتلال الإسرائيلي، يتجلى حجم الدمار الهائل الذي طال المباني والمنازل، بالإضافة إلى الخراب الذي أصاب الأراضي الزراعية وأشجار الزيتون المعمرة التي اقتلعت من جذورها.
وكان من المفترض أن تستكمل إسرائيل انسحابها الكامل من جنوب لبنان بحلول فجر 26 يناير/كانون الثاني الماضي، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، لكنها طلبت تمديد المهلة حتى 18 فبراير/شباط الجاري.
ورغم انقضاء فترة تمديد المهلة، واصلت إسرائيل المماطلة بالإبقاء على وجودها في 5 نقاط رئيسية داخل الأراضي اللبنانية على طول الخط الأزرق، من دون أن تعلن حتى الآن عن موعد رسمي للانسحاب منها.
ركام ممتد
كفركلا المجاورة لمستوطنة "المطلة" الإسرائيلية، تعد واحدة من البلدات التي شهدت دماراً واضحاً مع أكوام الركام والأراضي الزراعية المحرثة، وطرقات اختفت معالمها، حيث دُمّر 70% من منازلها وأُحرق الباقي.
في هذه البلدة، حافظت إسرائيل على موقع عسكري من بين النقاط الخمس التي لم تنسحب منها داخل الأراضي اللبنانية، وهو تلة الحمامص المطلة على مستوطنتي "المطلة" و"كريات شمونة" الإسرائيليتين.
أما بلدة العديسة، التي تقع على كتف تلة بوجود تمركز إسرائيلي في موقع "مسكاف عام"، فمنازلها وطرقاتها ما هي إلا أكوام من الركام، ارتفعت فوقها رايات حركة "أمل" و"حزب الله".
وفي بلدة حولا، لم يختلف المشهد كثيراً عن كفركلا والعديسة، سوى أن الموقع الذي بقيت فيه إسرائيل يفصل بين بلدة حولا ومركبا في تلة العزية، إذ يظهر الجنود الإسرائيليون عن قرب.
وانتشرت قوات الجيش اللبناني ودوريات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "يونيفيل" في جميع البلدات المحاذية لحدود جنوبي لبنان بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها.
وشهدت تلك البلدات عودة الأهالي إليها بعد أكثر من عام من النزوح، ليجدوا دماراً كبيراً خلّفه جيش الاحتلال الإسرائيلي.
بلدات بلا حياة
وقال حسين سرحان وهو مدرس: "عدنا إلى بلدتنا كفركلا يوم الأربعاء الماضي (عقب الانسحاب الإسرائيلي بيوم واحد)، وجدناها مدمرة كلياً لا توجد حياة أبداً فيها حالياً لكنها ستعود".
وأضاف: "نسبة الدمار في البلدة تبلغ 100%، فقد دمر الحجر واقتلعت أشجار الزيتون التي يبلغ عمرها مئات السنوات وهذه خسارة كبيرة".
وتابع سرحان: "الطريق التي نقف عليها هي ليست التي كانت، إنما هذه أراض ملك لناس افتتحها العدو الإسرائيلي حتى يلغي الطريق الأساسية القريبة من الجدار الحدودي، إذ يقع موقع عسكري لهم".
ولفت سرحان إلى أن "هذه الطريق مؤقتة وسنعاود فتح الطريق الأساسية التي طمرها العدو بالركام".
وأشار إلى أنه "يملك قطعة أرض تقع على مسافة صفر من موقع إسرائيلي في مستعمرة المطلة اقتلعت أشجار الزيتون منها ولا نستطيع الوصول إليها وهذا ما يحزننا".
وقال المتحدث: "بسواعدنا سنعيد إعمار بلدتنا لنجعلها أجمل مما كانت عليه، ولكن نحن بحاجة إلى بعض الوقت والصبر والتعاون"، مناشداً "الدولة اللبنانية والدول المانحة دعم البلدات الحدودية، لأننا بحاجة لمبالغ طائلة لإعادة الاعمار".
أما الرجل العجوز محمد سلمان الشامي (86 عاماً) من بلدة كفركلا فقد ذكر: "كان لدينا مبنيان بثلاثة طوابق ومنزل مستقل، وقد دمروا جميعاً بالكامل، إضافة إلى قطعة أرض قريبة من الحدود مزروعة بالزيتون".
وأشار إلى أن إسرائيل لا تتيح له الفرصة لزيارة أرضه حتى الآن لتفقدها، كما أنه لا يعلم حتى الآن أي شيء عن حالة أشجار زيتونه.
وقال الشامي إنَّ "نسبة التدمير في الممتلكات بلغت 90%، بينما الـ10% المتبقية قد أُحُرقت من العدو الإسرائيلي، فلم يتركوا لنا شيئاً".
وأضاف: "عدنا إلى ديارنا لأننا نشتاق إلى عبير ترابها رغم احتمال الموت الشديد".
وتابع الشامي قائلاً: "الآن لا يوجد أي فرد من السكان يعيش هنا، إذ إن المكان غير صالح للسكن لعدم توافر الماء والكهرباء والاتصالات؛ الحياة معدومة، لكننا بالتأكيد سنعيدها قريباً".
وبدأ عدوان إسرائيل على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحول لحرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، ما خلّف 4 آلاف و110 قتلى و16 ألفاً و901 جريح، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.