تُحكَم السماء السورية منذ عام 2015 بمعاهدة منع احتكاك بين روسيا وإسرائيل، إلا أنه عقب كل توتر بين تل أبيب وموسكو، تبرز مسألة إحجام الأخيرة عن تفعيل بطاريات منظومات الدفاع الجوي الحديثة المنشورة على الأرض السورية، لمنع القصف الإسرائيلي على مواقع النظام السوري وإيران.
وعلى وقع الحرب الروسية على أوكرانيا التي اندلعت فجر 24 فبراير/شباط 2022، توترت العلاقة بين إسرائيل وروسيا، بسبب ما تعتبره موسكو موقف تل أبيب المؤيّد بشكل منحاز لأوكرانيا.
أمام هذا باتت روسيا تشكّك في استمرار حرية عمل الطيران الإسرائيلي في سوريا، التي يخضع مجالها الجوي للسيطرة الروسية، وهو ملفّ شديد الحساسية للجيش الإسرائيلي، لكون تل أبيب تقول إن ضرباتها تهدف إلى "حماية الأمن القومي".
تصعيد إسرائيلي بسوريا
لقد شهد شهر مايو/أيار 2022 تصعيداً إسرائيلياً على مواقع قوات النظام السوري، إذ قتل ثلاثة أشخاص في 21 من الشهر المذكور، بقصف إسرائيلي برشقات من صواريخ أرض-أرض من اتجاه الجولان السوري المحتلّ، على بعض النقاط جنوبي العاصمة دمشق.
وسبق ذلك قصف إسرائيلي مماثل في 13 مايو/أيار، على ريف حماة، أسفر عن مقتل خمسة عناصر من قوات النظام السوري، فيما أدّى هجوم آخر في 27 أبريل/نيسان 2022 إلى مقتل 10 بينهم 6 عناصر من اللواء 91 والفوج 100، وذلك في أعنف غارات الأولى من نوعها منذ بداية عام 2022.
وكشفت صحف إسرائيلية منتصف شهر مايو/أيار 2022، أن القصف الإسرائيلي يواجه لأول مرة ردّاً من قوة عسكرية روسية بسوريا عبر إطلاق صواريخ باتجاه طائرات إسرائيلية.
وعقب تلك الهجمات راجت تقارير إعلامية إسرائيلية، تفيد باستخدام العسكريين الروس لأول مرة منظومة صواريخ S-300، ضد طائرات حربية إسرائيلية بسوريا، غير أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اعتبر تلك الأنباء "كاذبة"، مشيراً إلى أن آلية تفادي التصادم بين روسيا وإسرائيل في سوريا تواصل عملها.
وسبق أن أثار بوغدانوف، المسؤول عن الشؤون السورية، خلال لقائه السفير الإسرائيلي في موسكو ألكسندر بن تسفي في 18 أبريل/نيسان 2022، ملفّ آلية "عدم التضارب"، التي سمحت لإسرائيل منذ عام 2015 بشنّ ضربات ضد المصالح المرتبطة بإيران في سوريا وجعلت ذلك على رأس أولوياتها.
وحسب مراقبين عسكريين، فإن شعور إسرائيل بالقلق من اتخاذ روسيا خطوات تتجاوز مجرد تعليق آلية "عدم التضارب"، بدأت تطفو على السطح.
بمعنى أنه قد تسمح موسكو للنظام السوري بتفعيل أنظمة S-300 المضادة للصواريخ التي سلمتها روسيا لسوريا منذ سنوات، إذ إن لهذه الأنظمة، التي لا تزال تحت الإدارة الروسية، قدرة على تدمير طائرات سلاح الجوّ الإسرائيلي كما يرى مراقبون.
S-300 محرَّمة الاستخدام
وفي هذا الإطار أوضح المحلل العسكري العقيد إسماعيل أيوب، في تصريح لـTRT عربي، أن "التنسيق الروسي الإسرائيلي في السماء السورية ما زال عالي المستوى بين مقرّ قيادة قاعدة حميميم بريف اللاذقية ومقر قيادة إسرائيل في حيفا".
ولفت أيوب إلى أن "القصف الإسرائيلي يطال مستودعات ومراكز البحوث العلمية للنظام السوري التي فيها خبراء إيرانيون، لكون إيران تعاني من إيصال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى سوريا، لذلك لجأت إلى تصنيعها محلِّيّاً لتزوّد مليشياتها وقوات النظام بها".
واعتبر العقيد أن "إسرائيل لا تستهدف كل هدف عسكري بسوريا، سواء لإيران أو النظام السوري، بل تقصف الخطوط الحمراء التي وضعتها، وتشمل مواقع مكونات الصواريخ أرض-أرض، والصواريخ المحمولة على الكتف م.ط المضادة للطائرات، وكذلك الطيران المسيَّر، والمعدات الإلكترونية التي تتنصت وتتجسس على الاتصالات الإسرائيلية".
وتوجد ثلاث بطاريات S-300 اشتراها النظام السوري من روسيا، لكن قيادة هذه البطاريات موجودة تحت الإمرة الروسية.
ويملك النظام السوري في الوقت الراهن 36 بطارية صواريخ مضادة للطائرات من طراز Pantsir، المخصصة للدفاع الجوي القصير المدى اشتراها من روسيا عام 2011، بالإضافة إلى امتلاكه أنظمة ومجموعات دفاعية سوفييتية الصنع: S-125 وS-200 وBuk وKvadrat وOsa. 1.
وحول هذه الجزئية، يستبعد العقيد إسماعيل أيوب "أن تستخدم روسيا S-300 ضد الطيران الإسرائيلي، مع العلم أن تلك الطائرات كانت في مرمى صواريخ S-300 وS-200".
ومضى يقول: "يمكن خلال استهداف الطيران الإسرائيلي العمق السوري ضرب بطاريات بوك وبانسير المضادة للطائرات، ثم ضرب الهدف الرئيسي".
وألمح أيوب إلى أن "إيران زوّدت النظام السوري بمنظومة الدفاع الجوي باور-373 إيرانية الصنع، وهي منظومة هجينة وصواريخها S-300، ولا أعتقد أن النظام السوري لديه الصلاحية لاستخدامها".
وذهب العقيد للقول: "توجد بروبوغاندا على الإعلام بأن إسرائيل تحارب الوجود الإيراني في سوريا، وهذا كله محض افتراء، وكل القصف الإسرائيلي لا يتعدى خطوط النقاط الحمراء التي وضعتها تل أبيب بسوريا".
وزاد بالقول إن "الدعم المعنوي من الحكومة الإسرائيلية لأوكرانيا، خلق نوعاً من التوتر بالعلاقات بين موسكو وإسرائيل، لكن على الأرض السورية ما زال الطرفان بعيدين عن أي احتكاك عسكري بينهما لإيقانهما أن الثمن كارثيّ".
منع الوجود الإيراني بسوريا
ووفقاً لتقرير صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية الذي نشرته في 29 مارس/آذار 2022، فإن سلاح الجو الإسرائيلي ضرب على مدى السنوات الخمس الماضية 1200 هدف بأكثر من 5500 ذخيرة خلال 408 مهامّ، بهدف منع إيران من الترسُّخ على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وتهريب أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان.
وتمتلك إيران نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا، جرى تنظيمهم منذ تدخُّلها عسكريّاً بعد عام لوأد الثورة التي تفجّرت عام 2011.
وفي موقف يدلّ على عجز موسكو عن ردع إسرائيل وكفّ هجماتها على مواقع إيران في سوريا، اعتبر المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، أن قضية الضربات الإسرائيلية بسوريا من المستحيل عمليّاً إغلاقها.
وحينها اعترف لافرينتييف في مقابلة على قناة "روسيا اليوم"، بتاريخ 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، بشكل غير مباشر، بتمركز المليشيات الإيرانية داخل القطع العسكرية التابعة للنظام السوري.
ويتفق الخبير العسكري والاستراتيجي السوري العميد عبد الله الأسعد مع كثيرين على أن "قواعد الاشتباك بين روسيا وإسرائيل لن تتغير في السماء السورية، ولم تتعامل القوات الروسية مع أي هدف جوي إسرائيلي".
وقال الخبير العسكري لـTRT عربي إنه "رغم الأجواء المشحونة بين إسرائيل وروسيا عقب هجوم الأخيرة على أوكرانيا، فإن الدفاعات الجوية على الأرض السورية معطَّلة، بمعنى أنه دفاع جوي سلبي، بخاصة أن ما يتحكم به النظام السوري من أنظمة جوية مثل نظام (سام) فاقد لصلاحيته".
وأشار الأسعد إلى "اتفاق روسي-إسرائيلي على عدم استخدام منظومة إس-300 نهائياً، وما يجري الحديث عنه من عمليات تَصدٍّ من دفاعات النظام السوري، هو لصواريخ إس-200 القادمة من الاتحاد السوفييتي عام 1970، وهي فاقدة الفاعلية والصلاحية".
بدوره يؤكّد الخبير العسكري والاستراتيجي السوري العقيد فايز الأسمر، في حديث لـTRT عربي، "عدم تأثُّر التنسيق بين موسكو وتل أبيب بما يخصّ الحوادث الجوية ومنع التصادم، أو ما يخص إبلاغ إسرائيل غرفة حميميم قبل دقائق محددة عن الغارات الجوية التي ستشنّها الطائرات والصواريخ الإسرائيلية".
واستبعد الأسمر "بشكل مطلق أن تتصدى منظومات S-300 لأي طائرات إسرائيلية مُغِيرة، أقلها بالوقت الحالي، لكون الغارات في غالبيتها تجري من سماء الجولان أو لبنان أو البحر".
وألمح العقيد الأسمر إلى أن "روسيا لا تزال تغضّ الطرف عن الغارات الإسرائيلية، بل هي عملياً تشجّع إسرائيل من الناحية التكتيكية وتريد تقليم أظافر إيران في سوريا".
وختم بالقول إن "روسيا أيضاً تريد رؤية القوات الإيرانية والمليشيات الشيعية وحزب الله أضعف في سوريا، لتصبح هي سيدة المواقف والقرارات ومتفردة فيهما بلا منغِّصات".