تابعنا
خلال المجلس الوزاري المخصص لملفّ إعادة إعمار ست مناطق منكوبة إثر الزلزال، الذي ترأسه العاهل المغربي، تقرر رصد مبلغ 120 مليار درهم (نحو 11.7 مليار دولار) تُصرف على مدى خمس سنوات، لإعمار المنطقة التي تضرر منها الزلزال.

ضرب "زلزال الحوز" الذي بلغت قوتهُ 6.8 درجات على مقياس ريختر في 8 سبتمبر/أيلول 2023، أقاليم كثيرة في المغرب، أبرزها إقليم الحوز ومدينة مراكش وإقليم الشيشاوة وإقليم وارززات وإقليم تارودانت.

وقارب عدد ضحايا الزلزال ثلاثة آلاف قتيل، وآلاف المصابين، وخلّف دماراً واسعاً في القرى والبلدات التي كانت قريبة من بؤرة الزلزال، وتوجد في منطقة جبال الأطلس الكبير وعرة التضاريس.

وقوبل هذا الزلزال بتعاطف دولي كبير مع المغرب جرّاء ما وقع، وكذا تعاطفاً مغربياً محلياً كبيراً تجسّد في حملات التبرع بالدم وإرسال قوافل تحمل المواد الغذائية والمساعدات العينية، من مختلف المدن المغربية.

وانخرط في الحملة التضامنية الجميع وعلى رأسهم العاهل المغربي محمد السادس الذي تبرع من ماله الخاص بمبلغ مليار درهم (نحو مئة مليون دولار أمريكي) في الحساب البنكي المخصص لضحايا "زلزال الحوز".

لكن السؤال الملحّ كان مسألة إعادة الإعمار التي تتطلب سنوات، ولا تقتصر على إعادة تشييد المباني، بل على دعم وتأهيل السكان، ليعيشوا في كرامة، ووفق سياسات تحترم العدالة المجالية.

حيث وعد العاهل المغربي محمد السادس، خلال اجتماع للجنة متابعة المشروع، بأن ترمم كل المناطق التي ضربها الزلزال، ورصد لأجل ذلك ميزانية تقدَّر بـ"11.7 مليار دولار أمريكي"، لإعمار المناطق التي تعتمدُ بشكل أساسي على السياحة، أبرزها مدينة مراكش الحمراء، فما سياسة الإعمار التي ستتبناها المملكة لمعالجة مخلفات الزلزال؟

الزلزال يضربُ قلبَ السياحة

رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها، أنّ "زلزال الحوز"، أوجعَ الاقتصاد المغربي، بسبب اعتماد المغرب على قطاع السياحة الذي يشكلُ نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي، والزلزال ضربَ عاصمة السياحة بالمغرب مراكش قبل أسابيع من ذروة موسمها، والأقاليم التي حوَّلها أمثال "إقليم الحوز" (بؤرة الزلزال) و"إقليم شيشاوة" و"إقليم تارودانت" و"إقليم ورزازات" المعروفة بهوليوود إفريقيا.

كما أنّ الاقتصاد المغربي كان بالفعل يعاني تزايد مؤشر التضخم الأساسي، مما رفع -حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية)- من مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.4%، حيث أصبحت قيمة التضخم في المغرب تُقدَّرُ في شهر أكتوبر بـ8.1%، حسب ما صرَّح به بنك المغرب (البنك المركزي).

وعليه قدّرت "وول ستريت جورنال" أنّ خسائر محتملة قد تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، والسيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنّ الزلزال سيخلِّف خسائر تتراوح بين مليار واحد و10 مليارات دولار.

مشروع "مارشال" مغربي

وخلال المجلس الوزاري المخصص لملفّ إعادة إعمار ست مناطق منكوبة إثر الزلزال، الذي ترأسه العاهل المغربي، تقرر رصد مبلغ 120 مليار درهم (نحو 11.7 مليار دولار) تُصرف على مدى خمس سنوات، لإعمار المنطقة التي تضرر منها الزلزال، حسبما أفادت "وكالة المغرب العربي للأنباء" الرسمية نقلاً عن بيان للديوان الملكي.

ويستهدف برنامج الإعمار 4.2 مليون شخص في المناطق الست الأكثر تضرراً وهي: مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات، كما سيركزُ على إعادة إيواء السكان المتضررين، عبر إعادة بناء المساكن وإعادة تأهيل البِنى التحتية.

وهنا تجدرُ الإشارة إلى أنّ الديوان الملكي صرَّح في بيانه، عقب اجتماع عمل ترأسه العاهل محمد السادس، خُصص لـ"تفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضرراً من زلزال الحوز".

كما سيجري بناء وترميم نحو 50 ألف مسكن شهدت انهياراً كلياً أو جزئياً إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب أقاليم المملكة المغربية، وعليه فالدولة ستقدم 30 ألف درهم (نحو 3 آلاف دولار) لكل أسرة متضررة على مدار عام، كما ستقدم نحو 14 ألف دولار للأسر التي انهارت مساكنها كليّاً، ونحو 8 آلاف للأسر التي انهارت مساكنها جزئياً.

ولن يكتفي البرنامج بإعادة الوضع السابق بل يطمح إلى التركيز على فك العزلة عن المناطق، وتأهيل المجالات الترابية، وتسريع امتصاص العجز الاجتماعي، خصوصاً في المناطق الجبلية المتأثرة بالزلزال؛ وتشجيع الأنشطة الاقتصادية والعمل وكذا تثمين المبادرات المحلية.

تحرير "المغرب غير النافع"

وفي هذا السياق يقول الباحث في السياسات العمومية في جامعة محمد الخامس في الرباط الدكتور سليمان صدقي، إنّ "برنامج الإعمار المغربي، يعدُ برنامجاً متكاملاً، جاء لينقذ هذه المناطق التي كانت تنتمي إلى ما يُعرفُ في بعض الأدبيات بـ(المغرب غير النافع)، فالزلزال كشف عن طبقات اجتماعية هشة موجودة في الأقاليم المغربية".

ويضيف صدقي في حديثه مع TRT عربي، أنّ "التضامن المغربي الكبير والسياسة المَلكية خفّفت من هول الزلزال على الساكنة في مرحلة الأزمة، وهي عازمة على الاستمرار في مرحلة الإعمار لإحياء المناطق التي دكها الزلزال، وتحويلها إلى مناطق حيوية اقتصادياً خصوصاً أنّ نسيجها الاجتماعي مؤهَّل ليكون رافعة حقيقية للمنطقة".

ويلفت إلى أنّ "برنامج إعمار المصانع المغربية للاستجابة للأوامر الملكية بخصوص إحداث منصّة كبرى للمخزون والاحتياطيات الأولية (خيام، أغطية، أسرّة، أدوية، مواد غذائية...)، في كل جهات المملكة، وذلك قصد التصدي بشكل فوري للكوارث الطبيعية؛ حيث يقود بعض المصانع والناشطون المدنيون مبادرة لصنع خيام، في ورشة شملت عدداً من الحرفيين لصنع خيام جديدة، في محاولة منهم لتغطية بعض النقص الذي يعرفه بعض المناطق المتضررة من الزلزال".

ويشدد صدقي على أنّ "برنامج إعادة الإعمار لم ينسَ إعمار الإنسان، وبادرة الملك محمد السادس لتحويل يتامى الزلزال إلى مكفولي الأمة، جزءٌ من برنامج الإعمار الذي يجبُ عدم إغفاله، في مكفول الأمة وفق الظهير المغربي (قانون) يحظى بعناية خاصة من الدولة، وهو ما سيجعلُ منهم سنداً للمنطقة والمغرب في المستقبل".

فرنسا ومشاريع إعادة الإعمار

وبعد وقوع "زلزال الحوز"، يطمح المغرب ليس فقط إلى إعادة السكان إلى بيوتهم بعد ترميمها، لكنّه سنّ خطة شاملة، وفكّ العزلة عن قرى المنطقة بتشكيل شبكة طرقية حديثة تقرّب سكان القرى من المدن الكبيرة.

وإذا كانت دول عدّة صديقة للمغرب أبدت استعدادها لتقديم المساعدة، وتبرعت مؤسسات وطنية وخاصة لصندوق تدبير الكارثة عبر حساب بنكي، فقد أعلنت مجموعة من الدول نيتها تقديم عروض لمساعدة المغرب إلا أنّ المغرب لم يعطِ الضوء الأخضر إلا لدول محددة في مجهودات الإنقاذ، وقد تكون هذه الدول شريكة أيضاً في مشروع إعادة الإعمار.

إلا أنّ اللافت أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون، كان الرئيس الوحيد الذي ألحَّ في محاولتهِ تقديم المساعدة للمغرب في محنة الزلزال الذي ضرب أقاليم المغرب، وهو ما يرى فيه بعض الباحثين رغبة فرنسية في الحصول على صفقات مشاريع الإعمار التي تعقبُ الزلزال.

هذا الرأي يؤكدهُ أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور عبد الإله العبدي، إذ يقول إنّ "الغالب على فلسفة المساعدات الإنسانية الفرنسية البحث عن مشاريع لشركاتها تحت مسعى مرحلة الإعمار، وتجارب فرنسا في ذلك كثيرة؛ يكفي أن نتذكر انفجار مرفأ بيروت الذي دفع ماكرون إلى مخاطبة الشعب اللبناني وزيارته، وفي النهاية أعلنت جمعية أرباب العمل الفرنسيين (ميديف) أنّ الشركات الفرنسية مستعدّة للعمل في مشاريع إعادة الإعمار المتمثلة في إعادة بناء ميناء بيروت وأجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية التي دمَّرها الانفجار"، وهو نفس المنطق الذي يحكم علاقة فرنسا بالعراق.

ويضيف العبدي لـTRT عربي أنّ "فرنسا ترى عودة شركاتها الفرنسية إلى الموصل فرصة للظفر بمشاريع إعادة الإعمار، ومنه فإنّ نظرة فرنسا إلى (زلزال الحوز) لا يختلفُ كثيراً، فهي ليست سوى فرصة للشركات الفرنسية لكسب مشاريع تقترب قيمتها من مليارات الدولارات، كما أعلن بذلك الديوان الملكي، إلا أنّ المغرب أوقف هذه المساعي، وهو ما يفسرُ ما فعله الإعلام الفرنسي تجاه المغرب في زمن الزلزال".

وبخصوص الهيئات المؤهّلة للقيام بمشاريع الإعمار، يرى الخبير المغربي في العلوم الاقتصادية عبد الواحد بناني، أنّ "المؤسسات والشركات المغربية أعربت عن وطنية كبيرة في زمن الزلزال، حيث أسهمت بشكل كبير بملايين الدراهم، للمساهمة في تقديم الدعم للمتضررين والمساعدة على إعادة البناء والإعمار في المناطق المتضررة".

ويشدد بناني في حديثه مع TRT عربي، على أنّ "المقاولة المغربية تستحقُّ أخذ فرصتها في مرحلة الإعمار، خصوصاً أنّ لها من الخبرة والتجربة ما يخوّل لها القيام بكل مشاريع الإعمار المطلوبة".

TRT عربي