لم تكشف إلى اليوم التنقيبات عن موارد الطاقة الأحفورية في المغرب، إلا عن احتياطيات متواضعة، عاجزة عن التغطية المستدامة لحاجات البلاد. هذا ما يفسر توجه المملكة، منذ بداية العقد الثاني من القرن 21، إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة، عبر إنشاء محطات ريحية عديدة ومحطتَي طاقة شمسية، إحداهما "نور" التي تعد أكبر محطة من نوعها في العالم.
فيما كشفت الحكومة المغربية عن طموحها إلى المضي قدماً نحو تعزيز الأمن الطاقي، موجّهة اهتمامها نحو الطاقة النووية. هذا ما صرَّحت به وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي الثلاثاء، معلنة أن المملكة تقيّم دراساتها لإطلاق برنامجها النووي السلمي، وأن هذا البرنامج يمثّل جزءاً من استراتيجية البلاد الطاقية المستقبلية.
"لدينا الخبرة لإطلاق برنامجنا النووي"
وفي كلمة لهما أمام مجلس النواب الثلاثاء، أفادت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي، بأن الوزارة أجرت تقييماً لاستخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، كانت شرعت فيه منذ سنة 2015، وأعدّت تقريراً في الموضوع في السنة الجارية لتفعيل توصيات التقييم.
وأوضحت الوزيرة أن هذا التقرير الذي أُعِدّ يهمّ تقييم مجالات البنية التحتية اللازمة لاستعمال الطاقة النووية، والكفاءات البشرية، والجانب التشريعي.
وخلصت إلى أنه بعد الاستثمار الكبير الذي نفّذه المغرب في مجال الطاقات المتجددة، حان الوقت للتوجه نحو الطاقة النووية، التي "راكم فيها قاعدة مهمة من المعارف والخبرات، في إطار الاستعدادات اللازمة لاتخاذ قرار وطني مستنير في ما يخصّ إنتاج الكهرباء باستعمال الطاقة نووية".
ليست هذه أول مرة يتحدث فيها مسؤول حكومي مغربي عن طموح البلاد في إنتاج الكهرباء النووية، فقد سبق أن حثَّ رئيس الوزراء المغربي السابق سعد الدين العثماني، على كسر "تابو الطاقة النووية" بالمغرب، وأنه على المملكة أن تطمح إلى بلوغ مرحلة استخدام هذه الطاقة في إنتاج الكهرباء.
الطموح النووي المغربي
يحتاج إطلاق برنامج نووي مغربي للاستعمالات السلمية إلى قرار سياسي للشروع في إنجازه. وبدأت المملكة منذ 2014 إعداد القاعدة القانونية لاستعمال الطاقة النووية، وجمع الخبرات وتقييم قدراتها على تحقيق هذا الطموح.
وفي نفس السنة أعلن المغرب تكوين أول وكالة وطنية لـ"الأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي"، التي تأخذ على عاتقها تأسيس شبكة رصد للمخاطر الإشعاعية تمتدّ على كامل التراب المغربي، وتنزيل مقتضيات القانون "142-12" الذي يهم السلامة النووية والإشعاعية بالمغرب.
وفي سنة 2016 منحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المغرب الضوء الأخضر لإطلاق برنامحه النووي السلمي، معلنة أن المملكة تستجيب للشروط التقنية والإدارية والقانونية والأمنية والتدبيرية، وتملك المؤهلات البشرية والتجربة والكفاءة العلمية لإطلاق برامج للطاقة النووية لأغراض سلمية، خصوصاً في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، وقّعت الحكومة المغربية ونظيرتها الهنغارية مذكرة تفاهم لـ"التعاون في مجال التدريب والتعليم في الصناعة النووية، بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية"، من أجل وضع "برامج للتعاون في التدريب والتعليم، تهمّ بالخصوص مجالات تطوير الأبحاث الأساسية والتطبيقية والعلوم والتكنولوجيا النووية والإطار القانوني للاستخدامات السلمية للطاقة النووية".
وقبلها في شهر يونيو/حزيران من ذات السنة، أصبح "المركز الوطني المغربي للطاقة والعلوم والتقنيات النووية" أول مؤسسة نووية في إفريقيا تعمل مركزاً متعاوناً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويرى لحسن حداد، النائب البرلماني المغربي والوزير السابق، أن تصوُّر البرنامج النووي المغربي "لا يزال غير مكتمل"، لكن "تحلية مياه البحر قد تكون ممكنة مستقبلاً عبر محطات تشتغل بالطاقة النووية على طول شواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط".
واقترح حداد أن يوجه المغرب استثماره للمفاعلات المتوسطة التي "لا تتطلب استثماراً كبيراً"، وأن "تُخزَّن النفايات عبر تقنيات جديدة طُوّرت في السويد وفنلندا"، ويمكن "البحث عن مصادر دائمة للتزود باليورانيوم من خلال معادن مثل الفوسفات وغيره".
في هذا الصدد يُعَدّ من أكثر العوامل تشجيعاً للمغرب في توجهه نحو الطاقة النووية، توفُّره على موارد ضخمة من الفوسفات الذي يُستخرج منه اليورانيوم، إذ تحتلّ المملكة المركز الأول عالمياً من حيث احتياطي هذا المورد الطبيعي، وتملك 70% من فوسفات العالم.