تابعنا
يُعدّ ملف التعليم من الملفات التي يركّز عليها الاحتلال منذ عقود ضمن برنامجه لترسيخ الاحتلال وطمس الهويّة الفلسطينيّة.

مع بداية العام الدراسي الجديد، شدّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات فرض المنهاج الدراسي الإسرائيلي على تلاميذ القدس المحتلة.

وأوقفت دوريّات الأمن الطلبةَ عند مداخل الأقصى، وفتشت حقائبهم المدرسيّة بحثاً عن كتب المنهاج الفلسطيني.

كما صادرت عدداً من الكتب المدرسيّة، لتلاميذ كانوا في طريقهم إلى إحدى المدارس الخاصة التي تُدرّس المنهاج الفلسطيني، وتقع في البلدة القديمة من القدس.

إجراءات مشدَّدة ومتكرّرة

هذه الإجراءات ليست جديدة بالنسبة لسكان القدس، إذ يُعدّ ملف التعليم من الملفات التي يركّز عليها الاحتلال منذ عقود ضمن برنامجه لترسيخ الاحتلال وطمس الهويّة الفلسطينيّة.

ويأتي في مقدّمة هذه الإجراءات محاربة المنهاج الوطني الفلسطيني وفرض الإسرائيلي بديلاً عنه، بُغية استيطان العقل العربي الفلسطيني، وبثِّ الجهل في تاريخ القضية الفلسطينية لدى الطلاب.

وأخفقت إسرائيل في فرض منهجها التعليمي على مدارس القدس الشرقية المحتلّة منذ عام 1967، بسبب رفض الأهالي وتمسكهم بالمنهاج الفلسطيني.

هذه المقاومة تتمثل، وفق زيد القيق، المختص بشؤون التعليم في القدس، "في إضراب أسطوري في ذلك الوقت، نتج عنه تراجع سلطات الاحتلال عن فرض مناهجها، وإدخال المناهج الأردنية للتعليم، بحكم أنّ القانون الدولي يمنع على الدولة المحتلة فرض مناهج تعليمية تعارض ثقافة الشعب المُحتلّ".

وينصّ القانون الدولي على أنّ أراضي 1948 معترَف بها جزءاً من إسرائيل، فيما الأراضي التي احتُلّت في 1967 تُعد مناطق محتلة، ومنها القدس الشرقية.

ويضيف القيق لـTRT عربي، أنّ هذه المحاولات مرّت عبر مراحل عدّة، "فبعد 1967 أتت مرحلة ثانية تمثلت في الإهمال والتهميش من بلدية الاحتلال في القدس للمدارس الفلسطينية؛ بسبب فشل إسرائيل في فرض مناهجها".

ويوضّح المختص بشؤون التعليم أنّ عام 2011 شهد اشتداد معركة فرض المناهج الإسرائيلية، إذ حاولت إسرائيل مجدداً السيطرة على المدارس.

ويلفت إلى أنّ إسرائيل حاولت إرسال كتب رسميّة إلى المدارس، للالتزام والتقيّد بالكتب التي تُطبع في مطابع بلدية القدس، وهو ما يطلق عليه فلسطينياً "الكتب المحرّفة".

ووفق القيق، فإنّ المرحلة الأخيرة تمثّلت في "تغيير المناهج وتحريفها بشكل كامل، وإجبار المدارس على تدريس المنهاج الإسرائيلي بدل المنهاج الفلسطيني".

ميزانية خاصة

ضِمن سعيها لتشديد قبضتها على القدس الشرقيّة وتغيير بنيتها الاجتماعية والديمغرافية، خصصت الحكومة الإسرائيلية، في أغسطس/آب الماضي، 842 مليون دولاراً، خلال السنوات الخمس المقبلة.

وخُصّص نحو 209 ملايين دولار لفرض المنهاج التعليمي الإسرائيلي وبرامج اللغة العبرية في المدينة، حسب نص الخطة.

ويهدف هذا المشروع، حسب القيق، إلى تغيير الهوية الفلسطينية عبر التعليم والاقتصاد، عن طريق زيادة عدد المدارس التي تُدرِّس المناهج الإسرائيلية.

ووفق الباحث المختص بشؤون التعليم، فإنّ هذه السياسة تُفضي لإتقان الطالب اللّغة العبرية، وبالتالي التحاقه بجامعات إسرائيلية، واندماجه في سوق العمل الإسرائيلية، فيتشكّل هنا ما يُسمى "المواطن المقدسيّ الجديد".

ويلفت إلى أنّ خطورة هذه الخطوة تكمن مع الزمن، إذ "يعتقد الإنسان الفلسطيني الذي يدرس في المدارس والجامعات الإسرائيلية ويتقن لغتها، أنّه أقلية عربية تعيش في الدولة الإسرائيلية ذات الغالبية اليهودية".

وشهد العام الدراسي الحالي، الذي بدأ في سبتمبر/أيلول الماضي، تخصيص الحكومة الإسرائيلية مزيداً من الميزانيات لتعليم اللغة العبرية وتنظيم أنشطة موجهة إلى التلاميذ بالعبرية داخل القدس.

المنهاج المُحرَّف

تدرِّس المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية المنهج التعليمي الفلسطيني، ولكنَّ إدارات المدارس تقول إنّ السلطات الإسرائيلية تعيد طباعة الكتب.

وتفرض السلطات الإسرائيلية حذف صفحات وفقرات تتحدث عن الهوية الفلسطينية ونكبة عام 1948 والأسرى والشهداء، وبالتالي ينتج عن هذه الإجراءات ما يُعرف بـ"المنهاج المُحرَّف".

ويقول زياد الشمالي، رئيس مجلس أولياء الطلاب في القدس، إنّ هذه الخطوة الإسرائيلية مرّت بمرحلتين، "الأولى في عام 2011، وكانت التعديلات فقط لطمس كل ما له علاقة برموز السيادة الفلسطينية والدولة الفلسطينية".

ومن ضمن ما كان يُحذف، شعار النسر والعَلم الفلسطيني، وطمس الأشعار التي تتحدث عن الحرية، إذْ كانت تُحذف المادة وتُترَك الصفحة بيضاء.

ويضيف الشمالي لـTRT عربي، أنّ المرحلة الثانية كانت عام 2020، إذ بدأ الاحتلال الإسرائيلي في إدخال نصوص جديدة بصيغة ورواية إسرائيليتين، مشيراً إلى نصوص أُضيفت إلى المنهاج من قبيل "الدعوة للتعايش السلمي التي حلّت محلّ الصفحات المطموسة بالأبيض".

ويؤكد أنّ هذا التغيير في صيغة المنهاج الدراسي دفع إلى إطلاق اسم المناهج "المُحرَّفة" عليها، لافتاً إلى أنّ "هذه الكتب فلسطينية، لكنّها تُطبع في مطابع بلدية الاحتلال، وليست الكتبَ التي تُطبع في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية".

وقد دفعت هذه التغييرات الأهالي إلى تنظيم كثير من الاحتجاجات الرافضة لتدريس المنهاج "المحرّف" والإضراب عن الدراسة العام الماضي.

إلى جانب ذلك، يدعو خطباء المساجد الأهالي، يوم الجمعة، إلى الامتناع عن إرسال أبنائهم إلى المدارس التي تعلم المنهاج الإسرائيلي، كما يحذر النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي من دراسة هذا المنهاج أيضاً.

ترغيب وترهيب

وتتَّبع إسرائيل أساليب متعدّدة لفرض "المنهاج المُحرَّف" على المدارس الفلسطينية في القدس، وتعمد أحياناً إلى اتخاذ إجراءات تعسفية، منها قيام وزارة التعليم الإسرائيلية في أغسطس/آب 2020 بسحب الترخيص الدائم من مدارس فلسطينية مقدسيّة عدّة.

وشمل القرار "مدراس الإيمان" الخمس، و"الكلية الإبراهيمية"، بداعي تضمُّن مناهجها ما "يحرّض على إسرائيل"، وهو ما أدانه مجلس الوزراء الفلسطيني.

وفي بداية العام الدراسي الحاليّ، شدّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية هذه السياسة، بما في ذلك تفتيش الطلاب ومصادرة كتبهم.

كان الكنيست الإسرائيلي قد صدّق في شهر يونيو/حزيران الماضي، على قراءة تمهيدية لمشروع قانون لتشديد الرقابة الأمنية على المعلّمين العرب ومناهج التعليم في المدارس العربية في القدس الشرقية المحتلة.

وتلجأ سلطات الاحتلال إلى اتخاذ بعض الأساليب لتحفيز الطلاب على الدراسة في المدارس التي تتبنى المنهاج الإسرائيلي، وفي هذا الصّدد يوضّح زياد الشمالي أنّ من بين هذه الأساليب بناء مدارس جديدة نموذجية، وإغراءات مالية، وتوفير مواصلات مجانية للطلاب.

ولا تخفي سلطات الاحتلال أنّ سعيها إلى فرض المنهاج الإسرائيلي على المدارس في القدس الشرقية، هو خطوة تهدف لدفع الأجيال الجديدة نحو الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.

ووفق الباحث زيد القيق، فإنّ تصديق الحكومة الإسرائيلية على "الخطة الخمسية" الرامية إلى تهويد القدس، مردّه الرغبة في استيعاب الفلسطينيين في إسرائيل.

ويوضح أنّ هذه المحاولات تتمثل في دمج الأنشطة الميدانية والتعليمية والترفيهية ما بين المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث جرى التركيز على الأجيال الصغيرة، لخلق حالة من الارتباط بين المجتمعين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً