ما زالت السلطات الإسرائيلية تمارس جرائم ضدّ الإنسانية في فلسطين، من قتل وتدمير للمنازل وتهجير، وغيرها كثير من الانتهاكات، منذ عام 1948 إلى يومنا هذا، في حين لم تعاقَب إسرائيل عن أيٍّ من جرائمها المرتكَبة، تحت الحماية الأمريكية والأوروبية.
كانت لجنة التحقيق الأممية المعنيّة بالأراضي الفلسطينية المحتلة قد نشرت تقريراً في 20 من يونيو/حزيران الجاري، قالت فيه إنّ "غالبية الانتهاكات المرتكَبة من السلطات الإسرائيلية، هي جزء من هدف حكومة إسرائيل لضمان احتلالها الدائم والحفاظ عليه، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني".
وأضاف التقرير أنّ "الحكومة الإسرائيلية قيّدت الحيز المدني بشكل متزايد من خلال استراتيجية نزع الشرعية عن المجتمع المدني وإسكاته".
التقرير أصدرته لجنة تحقيق دولية مستقلة أُنشئت في مايو/أيار 2021 للتحقيق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل إسرائيل، وذلك للتحقيق في "جميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكرّرة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع" والانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التمييز والقمع المنهجيان على أساس الهوية الوطنية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية.
خلاف وإدانات
وبعد نشر لجنة التحقيق في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي تقريرها الأخير، أدانت الولايات المتحدة نيابةً عن 27 دولة، الطبيعة الدائمة لهذه اللجنة، والتفويض الممنوح لها غير المحدد بمدة زمنية، وتركيزها غير المناسب على إسرائيل، حسب وكالة فرانس برس.
وقالت السفيرة الأمريكية ميشيل تيلور، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إنّ مجموعة الدول "قلقة للغاية" بشأن لجنة التحقيق، مع "تفويضها المفتوح دون شرط انقضاء" أو موعد إغلاق.
وطالبت الدول -بما في ذلك النمسا وبريطانيا وكندا وإيطاليا- إنهاء "الاهتمام غير المتناسب طويل الأمد الذي يُولى لإسرائيل في المجلس".
ولم تصوّت الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي انضمت إليها على مشروع قرار تشكيل هذه اللجنة، إذ تتهمها بشكل دائم بأنّها "منحازة" إلى جانب الفلسطينيين وتستهدف بشكل مباشر الطرف الإسرائيلي.
كما ندّدت إسرائيل بالاتهامات التي طالتها، مشيرةً إلى أنّ لديها "مجتمعاً مدنياً قوياً ومستقلاً يتكوّن من آلاف المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل إعلام وطنية ودولية".
وحول اعتبار التفويض الممنوح للجنة "غير محدود زمنياً"، وفق ادعاءات الولايات المتحدة، أجاب ميلون كوثاري، وهو أحد المحقّقين، وقال إنّ "التفويض غير المحدود أكثر من مبرّر".
وأضاف خلال مؤتمر صحافي قائلاً: "سألَت دولة اليوم، لماذا لا يوجد بند يحدّد مهلة اللجنة؟ (...) أودّ أن أجيب بأنّنا نرغب في تحديد موعد لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي".
قرارات غير حاسمة
وترتكب السلطات الإسرائيلية جريمتا الفصل العنصري والاضطهاد لملايين الفلسطينيين منذ أكثر من 55 عاماً، محتلةً فيها قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".
وحول جدوى تقارير الأمم المتحدة، يرى المحلل السياسي وعضو مجلس إدارة "جمعية الشؤون الدولية"، الدكتور منذر الحوارات، أنّه يمكن أن تُدان إسرائيل فقط في حال رُفعَت عنها الوصاية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّها "دولة احتلال تنتهك كل القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وترفض الإذعان لمجلس الأمن".
ويلفت، في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّه رغم التعاطف الذي أبدته اللجنة مؤخراً، بعد زيارتها الأماكن التي أحرقها ودمرها المستوطنون، "لم تكُن هناك قرارات حاسمة تمسّ دولة الاحتلال، تؤدي إلى تراجع دعمها للمستوطنين وسلوكها في الضفة الغربية"، مبيناً أنّ هناك لجاناً كثيرة شُكّلت على مدة عقود الصراع الطويلة، لكنّها لم تتمخض عن قرارات حقيقية.
ويوضّح الدكتور منذر أنّه حتى لو توصلت لجان التحقيق إلى نتائج وقرارات حقيقية وأوصلتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنّ إسرائيل لن تكترث لها.
وعلّل ذلك بقوله إنّ إسرائيل ستدّعي أنّ اللجنة منحازة إلى الفلسطينيين، "أما بالنسبة لمجلس الأمن، فحق النقض (فيتو) جاهز لمنع أي قرار حقيقي من أن يمسّ إسرائيل، وبالتالي ستجد نفسها محمية من أي قرارات، حتى قرارات المحاكم الدولية"، وفق الدكتور منذر.
ويرى أنّه لا أحد يستطيع أن يُعاقب إسرائيل أو أن يقف في وجهها، ما دامت تتمتع بالدعم والحماية الأمريكية والغربية، والفيتو الأمريكي الذي يمنع أي عقوبة عن إسرائيل، وتوجيه التأنيب إليها، مستدركاً بالقول: "بالتالي تمعن في سلوكها في الضفة الغربية، وتقوم بما تقوم به من أعمال شائنة على مدى عقود من الزمن، والسبب الحقيقي عدم وجود رادع حقيقي لها".
انتهاكاتٌ للقانون الدولي
أمّا عن الممارسات التي تقوم إسرائيل بها ضدَّ المدنيين الفلسطينيين، والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، فيؤكد الدكتور منذر الحوارات، أنّها انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وتصل إلى حدِّ جرائم حرب.
وأكّد أنّها تخالف اتفاقيات جنيف الدولية الأربع، وتحديداً الاتفاقية الخاصة بحماية السكان المدنيين، والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار محكمة العدل الدولية لسنة 2004، الخاص بالجدار العازل "فتوى لاهاي"، بالإضافة إلى قرارات الأمم المتحدة، فيما يتعلق بالوضع القانوني لمدينة القدس، خصوصاً قرارات مجلس الأمن ومنها القرار رقم 262 لسنة 1968.
وفي 9 يوليو/تموز عام 2004، قرّرت محكمة العدل الدولية، بأغلبية 14 صوتاً، مقابل صوت معارض، وهو القاضي الأمريكي توماس بورغنتال، أنّ "الجدار مخالف للقانون الدولي"، مطالبةً إسرائيل بإزالته من كلّ الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية وضواحيها، مع تعويض المتضررين من بناء الجدار.
وسبق أن سهّلت السلطات الإسرائيلية، نقل أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي، بالإضافة إلى مصادرتها مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، وجعل من المستحيل على الفلسطينيين البناء في جزء كبير من الأراضي دون مواجهة خطر الهدم.
ويشير الدكتور منذر إلى أنّ إسرائيل "تحكمها حكومة يمينية متطرفة"، ضارباً مثالاً على ذلك بأقوال السياسي الإسرائيلي وزعيم الحزب الصهيوني الديني بتسلئيل سموتريتش -عندما قال كلاماً خطيراً مرَّ دون عقاب- إنّ "الخطأ الكبير الذي ارتكبه بن غوريون، أنّه لم يقضِ على الفلسطينيين، وإنّني هنا لإتمام مهمة القضاء على الفلسطينيين".
"تمييز مجحف"
وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2022، أشارت إلى أنّ إسرائيل أبقت على شكل متطرف من أشكال التمييز المجحف، وهو نظام الفصل العنصري (أبارتهايد)، من خلال القمع والهيمنة على الفلسطينيين بشَرذمة الأراضي، والتفرقة والعزل والسيطرة، ونزع ملكية الأراضي والممتلكات، والحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأكدّ التقرير أنّ عام 2022 هو الأكثر دمويّة منذ عقد من الزمان بالنسبة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية، إذ قُتل ما لا يقل عن 151 شخصاً، بينهم عشرات الأطفال، على أيدي القوات الإسرائيلية، معظمهم في سياق المداهمات العسكرية وعمليات الاعتقال التي زادت وتيرتها، وأنّ كثيراً من الحكومات الغربية اختارت أن تشنّ هجوماً على من يندّدون بنظام الفصل العنصري في إسرائيل، بدلاً من المطالبة بإنهاء ذلك النظام القمعي.
وفيما يتعلق بعدم تنفيذ أي عقوبات رسمية ضدّ إسرائيل، يشير الباحث في الاجتماع السياسي وعضو "الشبكة الدولية لخبراء القضية الفلسطينية" عبد الله الجبور، إلى أنّ الأمم المتحدة أحياناً "قد لا تكون عادلة" فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ونلاحظ ذلك فيما يحدث في أوكرانيا وفلسطين، مؤكداً "استمالتها الجانب الأوكراني على اعتبار أنه أوروبي".
ويضيف في حديثه لـTRT عربي، أنّ "إسرائيل تستندّ إلى حجج انتهاكات الحرب، بممارسة المقاومة من الجانب الفلسطيني هجوماً عسكرياً على المدنيين، لتبرر ذلك بأنّه دفاع عن النفس، وما يساعدها في ذلك هو الثقل الأمريكي، والثقل السياسي للوبي الصهيوني في الأمم المتحدة".
وكان آخر الاعتداءات الإسرائيلية عالية الوتيرة قد حدث في شهر مايو/أيار الماضي على قطاع غزة لمدة 5 أيام، وخلّف وراءه عشرات القتلى ومئات الجرحى والنازحين، كما ألحق الضرر بالممتلكات، وأصاب كثيراً من الأشخاص الآخرين ممن نجوا بالفعل من جولات التصعيد السابقة، بصدمات نفسية، وفق تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر.