يعارض جيش الاحتلال الإسرائيلي دعوات نتنياهو إلى فرض حكم عسكري في قطاع غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

وازدادت حدة الجدل بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو رفض الانسحاب من محور فيلادلفيا على الحدود المصرية-الفلسطينية، ومحور نتساريم جنوب مدينة غزة، ما يعني استمراراً لعمليات الجيش داخل حدود القطاع لفترة طويلة.

وفي ظل رفض نتنياهو عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم غزة ودعوته الدائمة للقضاء على الجسم الحكومي في القطاع، تتزايد أهمية سؤال مستقبل الحكم هناك، ولا سيما أن أغلب مبادرات "اليوم التالي" المطروحة من شخصيات إسرائيلية لا تقدّم تصورات واضحة حول شكل إدارة القطاع.

وفيما كان نتنياهو ألمح إلى إمكانية فرض حكم عسكري، فإن هذا التصوّر لاقى رفضاً واسعاً من شخصيات سياسية عدة على رأسها وزير الدفاع غالانت.

مَن يوزّع المساعدات؟

عين جيش الاحتلال الإسرائيلي في 29 أغسطس/آب الماضي الضابط إلعاد غورين في منصب منسّق "الجهود الإنسانية في غزة". ومن خلال المنصب الجديد سيتولى غورين العمل على منع "تشكل أزمة إنسانية في غزة والحفاظ على شرعية الحرب الإسرائيلية في غزة"، حسب تعبير صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.

وتحظى قضية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة بأهمية كبيرة لدى الأطراف الإسرائيلية المختلفة، وفي أغلب المبادرات السياسية لليوم التالي كان لها موقعها المركزي. وتُعدّ مبادرة وزير الدفاع غالانت المسمّاة "الفقاعات الإنسانية" أوضح مثال على ذلك، إذ حصرت النقاش حول إدارة القطاع في مسألة توزيع المساعدات عبر "إيجاد هيئات إغاثة" تكون بديلاً للحكومة ومعادية للمقاومة.

أمّا أحدث تطور في هذا الصدد فيتمثّل في إصدار نتنياهو تعليمات بدء تنفيذ الأعمال اللازمة لفحص المطلوب لتولي جيش الاحتلال مهمة توزيع المساعدات الإنسانية بما تتضمنه من لوجستيات وقوى عاملة وآليات تشغيل، وفقاً لتقرير تليفزيوني بثته القناة 12 العبرية في 3 سبتمبر/أيلول الجاري.

في المقابل، وفقاً للتقرير نفسه عارض رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي هذه الفكرة التي سبق وأن طرحت في اجتماعات المجلس الأمني المصغر ورُفِضت، وخلال المداولات "أكّد هاليفي أن هذه المهمة تقع على عاتق المؤسسات الدولية الإغاثية التي وُجِدت لهذه الغاية".

ميدانياً، يخشى جيش الاحتلال من الخسائر البشرية الناتجة عن تورطه في أي شكل من أشكال الحكم في غزة، ونقلت القناة في تقريرها، عن مصادر في الجيش قولهم: "يجب ألا يموت الجنود في أثناء عملية لتوزيع الدقيق"، وربما يُفهم هذا الهاجس بترجيح الجيش حتى اللحظة عدم السيطرة على أي مناطق مأهولة بالسكان وإدارتها في القطاع المدمّر.

وفيما صرّح نتنياهو بأن جيشه المحتل بات قريباً من تفكيك قدرات حركة حماس القتالية، فقد أكّد أيضاً في مؤتمر صحفي عقده في 2 سبتمبر/أيلول الجاري، أن ذلك ليس كافياً ما لم يجدوا "بديلاً لتوزيع المساعدات الإنسانية، لأن ذلك جزءٌ من الحرب والمرحلة التالية لها"، على حد تعبيره.

استنزاف مادي وبشري

بعد نحو عام من بدء الحرب، علت مؤخراً أصواتٌ داخل المجتمع الإسرائيلي ولا سيما يمينه شديد التطرف تدعو إلى عودة الاستيطان في قطاع غزة، ربما شجّعتها تصريحات نتنياهو في مايو/أيار الماضي، حول إمكانية فرض حكومة عسكرية إسرائيلية.

في المقابل، يبدو أن ذلك كان ضمن جملة من الأسباب التي دفعت المؤسسة العسكرية إلى تسريب وثيقة تشير إلى تقديراتها لتكلفة احتلال غزة أعدتها المؤسسة العسكرية بناءً على طلب من وزير الدفاع غالانت، وفق تقديرات مراقبين.

ووفقاً للوثيقة التي نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في مايو/أيار الماضي، تصل تقديرات جيش الاحتلال المالية لحكم القطاع في السنة الواحدة إلى 20 مليار شيكل أي ما يعادل 5.4 مليار دولار، فضلاً عن عشرات ملايين الدولارات التي سيتكلفها الجيش لبناء تجهيزات هندسية وفتح ممرات إضافية.

وحذّرت الوثيقة أيضاً من أن الحكم العسكري لغزة قد يجعل مهام مثل إعادة الإعمار والتأهيل مسؤولية الجيش الذي سيضطر إلى تخصيص ما يقرب من 400 موظف للعمل على إدارة القطاع، وهو ما أشار إليه مسؤولون عسكريون وأمنيون معربين عن تخوفاتهم، وفقاً لموقع "كلكاليست" العبري المختص بالشؤون الاقتصادية.

ووفقاً للمصادر فإن الحكم العسكري سيمنع الدول المانحة من أن تبذل جهوداً لإعادة إعمار القطاع المدمّر بشكل شبه كامل، نظراً إلى تأكيد هذه الدول رفضها العمل في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي.

أمّا على الصعيد الميداني، فقالت الوثيقة التي أعدتها وزارة الدفاع إن حكم غزة يحتاج إلى 5 ألوية قتالية، 4 تعمل في محافظات القطاع، ولواء آخر دفاعي يحيط به.

وفي ظل استمرار عمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية ولبنان، سيكون تخصيص هذا العدد من القوات استنزافاً ضخماً لوحدات الجيش، وخاصة في ظل إشكاليات التجنيد والإصابات التي تعرّض لها جنود وضباط الاحتلال.

مناورة أم مشروع؟

يشير الكاتب الإسرائيلي أوري مسعاف في صحيفة هآرتس إلى أنه من الضروري تناول خطاب نتنياهو الأخير بجدية، مضيفاً: "أعني أنه مهم باعتباره بيان نية استراتيجية، فالقضية الحقيقية ليست ممر فيلادلفيا، بل إعادة احتلال وتوطين".

ويتفقّ مسعاف مع طرح رئيس تحرير صحيفة هآرتس ألوف بيين الذي أشار إلى أن نتنياهو يُظهر ثباتاً على موقفه من ترتيبات اليوم التالي، بالقول: "منذ اللحظة التي تعافى فيها من صدمة اندلاع الحرب، كان نتنياهو ثابتاً في سياسته بشأن اليوم التالي، أي إعادة احتلال قطاع غزة".

ويحذّر الضابط السابق في جيش الاحتلال والباحث الاستراتيجي والأمني عمر تساناني في مقال نشرته صحيفة معاريف العبرية، من أن "الحديث عن ممر فيلادلفيا مجرد ستار دخاني، يهدف إلى تحويل الانتباه عن الصورة الأكبر قضية اليوم التالي".

ويضيف أن "وجهة نظر نتنياهو تتجه نحو احتلال كامل للقطاع، كما قال، الرؤية التي يعِد بها الإسرائيليين هي السيطرة المباشرة على أكثر من مليوني فلسطيني، وضم المستوطنات في القطاع والضفة".

ويفسّر تساناني رفض نتنياهو لأي تسوية والإصرار على "قضايا تكتيكية صغيرة مثل ممر نتساريم وفيلادلفيا، ورفض الترويج لأي بديل حكومي لحماس، ورفضه لأي مبادرة لتسوية إقليمية مستقرة، بأن رئيس الوزراء يؤمن بضرورة حرب أبدية في غزة والضفة"، معتبراً ذلك أنه "سيناريو كابوسي بكل المقاييس".

TRT عربي