وتعد سفينة "تي جي غي أفق" أول سفينة استخبارات تركية يجري إنتاجها بإمكانات وقدرات وطنية، وساهمت في بنائها "194" شركة محلية، وهي مزودة بتقنيات يمتلكها عدد قليل من الدول بالعالم. وبهذا أصبحت تركيا واحدة من عشر دول قادرة على تصميم سفنها الحربية وصناعتها محلياً.
ومما لاشك فيه، ومن الناحية العسكرية، أن سفينة "تي جي غي أفق" ستسهم إيجابياً وإلى درجة كبيرة في تعزيز أنشطة تركيا الأمنية والاستخباراتية بطريقة فعالة، ومن شأنها أن تجعل الترسانة البحرية التركية أقوى ردعاً من أجل الحفاظ على أمن المياه التركية، في إطار تحقيق الأمن ومصالح الشعب والجمهورية.
سفينة الاستخباراتية بمواصفات عالية
سعت أنقرة لإرسال عدة رسائل إلى دول العالم من خلال تدشينها أول سفينة استخباراتية، وتأكيد مقدراتها العلمية الذاتية لامتلاك مثل هذه الترسانات المتقدمة، وأن أنقرة كما ذكر الرئيس أردوغان "باتت بفضل خطواتنا في الصناعات الدفاعية تحدد قواعد اللعبة بمنطقتها وتُفشل المؤامرات القذرة".
فمن مميزات سفينة "تي جي غي أفق" المخصصة للأغراض الاستخبارية محرك بقوة "8600" كيلوواط، ومهبط لمروحية يبلغ وزنها" 10" أطنان. وفي مقدور السفينة الإبحار لمدة 45 يوماً بلا توقف في ظروف جوية صعبة. ومن المخطط تزويدها بتجهيزات إلكترونية وأنظمة اختبار وتدريب مصممة من قبل شركة "أسيلسان" التركية، كما تمتلك "تي جي غي أفق" القدرة على تتبع الاتصالات الإلكترونية وإشارات الرادار والاستشعار والاتصالات الأخرى حول منطقة البحر، ولديها القدرة على التضليل الإلكتروني، مما يجعلها تسهم في زيادة القدرات العسكرية والاستخباراتية الاستراتيجية البرية والبحرية على حد سواء.
فمن الواضح أن الغرض الرئيسي من سفينة "تي جي غي أفق" مراقبة البيانات الإلكترونية وجمعها وتحليلها، واتخاذ تدابير مضادة عند الضرورة بخداع العدو وإعاقته عبر إرسال إشارات إلكترونية مضللة، وستكون على متن هذه السفينة عدة معدات حساسة وأجهزة متطورة من قبل الصناعات الدفاعية التركية، جرى اختبارها في البحر مباشرة في ظروف صعبة. كما يمكن "لأفق" أيضاً الحصول على معلومات حساسة من المنافسين في البحار، من خلال تقنية رفيعة من المتوقع أن يكون لها دور رائد في تغيير مسار الحروب.
البحرية التركية قوة متنامية الإمكانيات
تعتبر تركيا صاحبة أقوى بحرية في البحر الأبيض المتوسط إلى جانب فرنسا. تضم القوات البحرية التركية 48600 فرد، ولديها 300 سفينة و51 طائرة، إلى جانب 26 فرقاطة و15 غواصة بحرية و20 كاسحة ألغام و8 قواعد بحرية، و26 من سفن الإنزال طراز (LCM302) أنشئت بأحواضها بمساعدة غربية، والواحدة منها قادرة على حمل 60 طن بضائع و140 جندياً.
كما تمتلك تركيا 30 سفينة من طراز (EDIC LCT) صناعة محلية تماماً، وتُقل الواحدة منها 100 جندي و5 دبابات. أما سفينة "عثمان غازي" فهي قادرة على حمل 900 جندي و15 دبابة وطائرة هليكوبتر. إضافة إلى سفينتين برمائيتين طراز «أرطغرُل» تحمل الواحدة منها 395 جندياً وبضائع إمدادات زنتها 2200 طن، ويضم الأسطول التركي أيضاً سفينتين من طراز «ساروكابي» للنقل والقتال وزرع الألغام.
احتلت تركيا عام 1999 المرتبة الثالثة بين البلدان المستورِدة للأسلحة، وظلت رغم التحديات السياسية والاقتصادية الممارَسة على قيادتها السياسية منذ 2014 بالمرتبة الرابعة عشرة بين البلدان المصدِّرة للأسلحة، إذ شهدت الصناعة الدفاعية التركية ازدهاراً كبيرا بخاصة في العقد الأخير.
ففي عام 2010 كان لتركيا شركة واحدة موجودة على قائمة أول مئة شركة دفاعية في العالم. أما الآن فقد صار لها سبع شركات كبيرة على هذه القائمة، متفوِّقةً بذلك على إسرائيل وروسيا والسويد واليابان. كما انخفضت واردات الأسلحة بنسبة 48% من 2015 إلى 2019. فبعدما كانت البلاد تستورد 70% من معدّاتها العسكرية انخفضت هذه النسبة إلى 30%.
ومنذ 2011 عزمت تركيا على تحقيق اكتفاء ذاتي في مجال الأسلحة من خلال تصنيعها محلياً، وقطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال انعكست إيجابياً على زيادة صادراتها العسكرية وقدراتها الاقتصادية، فتضاعفت صادرات المعدات الدفاعية خلال السنوات الأربع الأخيرة بشكل كبير، وأصبح عدد الدول التي تستخدم منتجات الصناعات الدفاعية التركية آخذاً في الازدياد كل سنة، ومن المتوقع أن تتجاوز الصادرات الدفاعية والفضائية 4 مليارات دولار بنهاية هذا العام.
مكَّن ازدياد عدد الدول الراغبة في الصناعات الدفاعية تركيا من تعزيز دورها ومكانتها سواء على الإطار الإقليمي أو العالمي. فمثلاً حلَّقت المُسيَّرات التركية فوق السماوات الأوروبية وبنفس القدر بإفريقيا. فسعي دول لامتلاك التقنية التركية سيطور العلاقات مع هذه الدول ويوسع نطاق مجالاتها لتشمل الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وخلافه.
لقد استطاعت أنقرة تسجيل نجاحات كبيرة من خلال عمليات لحماية الأمن التركي كدرع الفرات وغصن الزيتون ونبع الفرات، وعبر عمليات استخبارية وعسكرية ناجحة بمكافحة خلايا التجسس والإرهاب الذي تتعرض له داخلياً وخارجياً بواسطة تنظيمات إرهابية كـPKK/YPG الإرهابي وغيره. وتحقيق النجاح بأذربيجان وسوريا وليبيا مثلاً ما كان ليتم لولا تحديثات الاستخبارات التركية، بخاصة هيكليتها الإدارية والعملياتية والتقنية التكنولوجية التي أدخلت خلال العقدين الماضيين. فضلاً عن الاعتماد على الذات بكثير من المجالات التكنولوجية. كل هذا دفع بالبلاد إلى اتخاذ سياسات خارجية مستقلة بعيداً عن المحاور وضغط اللولبيات، ولم تجد بعض السياسات الدولية من طرف دول كبرى فتيلاً للضغط على تركيا أو إعاقة تقدمها الاقتصادي والتنموي، بل شهدت أنقرة انفتاحاً أكبر نحو العالم وفي جميع الأصعدة.
إن حروب الجيل الرابع والخامس والحروب الاستباقية والتكنولوجية في عالم اليوم لا تجري بالأسلحة النارية التقليدية فحسب، بل بتكنولوجيا المعلومات التي أصبحت تعد العامل الحاسم في ساحات الحروب المعاصرة، إذ تقوم حروب اليوم على الذكاء والابتكار، ولذلك فلا مناص أمام تركيا سوى أن تأخذ بأسباب التكنولوجيا في كل مجالات الحياة وعلى رأسها مجال الأمن والدفاع الذي أدخلها أيضاً في مجال عمل البحار والاستخبارات، وبخاصة بعد أن استغلت الدول التي ترعى الجماعات الإرهابية هذه التقنيات التكنولوجية بطرق خاطئة لاستهداف الغير، مما يشكل خطورة على أمن الدول واستقرارها أكثر من أي وقت مضى.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.