باغت الزلزال المدمر تركيا وجارتها سوريا في عتمة الليل فيما كان معظم الضحايا والمتضررين في نوم عميق، ليحصد بشكل مفزع أرواح أكثر من 22 ألف شخص في المجمل ويصيب عشرات الآلاف ويهجر مئات الآلاف الآخرين في مختلف المناطق التركية والسورية المتضررة.
وإذا كنا في تركيا نتحدث عن دولة وبنية تحتية مهيّئة إلى حد كبير لكارثة من هذا النوع فضلاً عن باب مفتوح تعبر إليه المساعدات الإنسانية والإغاثية وفرق الإنقاذ بسهولة، فإن الوضع في سوريا التي أنهكتها 12 سنة من الحرب يختلف جملة وتفصيلاً.
لا دولة في سوريا ولا بنية تحتية ولا استعداد، بل أبنية مهترئة معظمها يجاهد نفسه لمقاومة عاصفة قوية ناهيك بزلزالَين بقوة 7.7 و7.6 درجة، بعدما صمدت بالكاد أمام قصف البراميل والصواريخ والطائرات وشتى أنواع الأسلحة، في حرب طاحنة لم يعرف لها السوريون ولا العالم حلاً حتى الآن.
لم يكشف الزلزال عن مآسي مرة فرضت نفسها بالقوة على واقع السوريين بقدر ما كشف عن أزمة حاولت مؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي "البيروقراطية" التعامل معها في السنوات الأخيرة جزءاً من واقع لن يتغير، وأنه ليس بالإمكان أكثر مما كان، وأن حفنة من المساعدات قادرة على سد رمق أكثر من 4 ملايين إنسان يتزاحمون فوق مساحة كان يقطنها أقل من مليون سوري قبل الحرب.
ربما تبدو أرقام الضحايا والمتضررين في سوريا حتى الآن أقل نسبياً من مما عليه في تركيا، لكن هناك اعتقاد شائف بأن آلافاً لا يزالون تحت الأنقاض، حسبما تقول فرق الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" التي تكافح بأدوات ومعدات بسيطة وقليلة في الوقت ذاته، من أجل إنقاذ ما أمكنها من عالقين.
كان من اللافت في الواقع، تأخر وصول الدعم الدولي إلى المناطق المنكوبة في سوريا، وهذا يعود إلى أمرَين رئيسيَين، الأول هو الأزمة السورية بحد ذاتها وما تفرضه من تبعات داخلية ودولية على حد سواء، والثاني هو تباطؤ المجتمع الدولي وعدم تعامله بجدية ومسؤولية مع الكارثة التي لا تحتمل التفاوض والتشاور بطبيعة الحال.
الأزمة السورية بحاجة إلى حل
على الرغم من تعايش معظم السوريين في شتى مناطق الصراع مع الأمر الواقع الذي فرضته آلة السلاح وأفرزت تقاسم إدارة النفوذ بين النظام وفصائل المعارضة، التي تتناحر فيما بينها هي الأخرى من حين إلى آخر، إضافة إلى مناطق تسيطر عليها تنظيمات إرهابية مدعومة من الولايات المتحدة ، فإن هذا الواقع لا يمكن أن يكون مستداماً.
وأعتقد كما يعتقد كثير من السوريين أن السبب الرئيسي لاستمرار المشكلة رغم مرور عقد من الزمن هو النظام الذي رجّح الخيار العسكري والقمعي منذ بداية الانتفاضة الشعبية في البلاد عام 2011، ولذا لا يمكن مطالبة أكثر من 4 ملايين سوري هُجروا من منازلهم ومناطقهم التي يسيطر عليها النظام أن يسلّموه أنفسهم بلا تغيير حقيقي يحقق لهم معايير الأمان على أنفسهم وأموالهم بالدرجة الأولى.
ومع ذلك، لا يبدو في الأفق القريب حل من هذا النوع، فعظم المناطق السورية بات النظام يسيطر عليها بدعم روسي سخي منذ دخول موسكو على خط الصراع في 2015، فضلاً عن الدعم الإيراني الذي جعل من طهران لاعباً رئيسياً في أي حل محتمل لهذه الأزمة.
وفي الوقت ذاته تواصل الولايات المتحدة غض النظر عن التعاطي مع الحقيقة، وتواصل دعمها العسكري الكبير لتنظيمات إرهابية على غرار النظام نفسه، دون الأخذ بعين الاعتبار عمليات التجنيد القسري في المناطق المسيطرة عليها، إضافة إلى العمليات الإرهابية التي تستهدف بها المدنيين في ريف حلب من وقت لآخر.
لا شك أن هذا المشهد الذي يبرهن بوضوح على أن لا دولة في سوريا، يصعب مواجهة أي كوارث أو أزمات إنسانية، ولم يكن الزلزال الأخير سوى صراخ بأعلى صوت بالنيابة عن ملايين السوريين المكتومة أنفاسهم.
مساعدات بعد فوات الأوان
نعم وصلت أول قافلة مساعدة أممية من معبر باب الهوى، الخميس 9 فبراير/شباط، لكن وصلت بعد فوات الأوان، فالآمال تضاءلت وانتهت على الأرجح في إنقاذ شخص جديد قابع تحت الأنقاض ينتظر مع قلة قليلة من الأمل أن يمد أحد له يد العون.
فلم تصل فرق الإنقاذ التي يمكن أن تسهم في إزالة الركام وانتشال أحياء بقدر أكبر، لم تصل في الوقت المفترض قبل أن تمضي 3 أو 4 أيام على وقوع الزلزال، ورغم تعذر الأمم المتحدة بأن الطرق داخل سوريا تعيق وصول المساعدات، كانت الطرق ذاتها قادرة على استقبال مئات جثث السوريين الذين قضوا داخل تركيا بسبب الزلزال.
وبينما صرحت تركيا أن معبر باب الهوى مفتوح ويمكن من خلاله إدخال المساعدات، ساد الصمت أروقة الأمم المتحدة.
في الوقت ذاته، استغل النظام السوري الذي تسبب في قتل مئات الآلاف من شعبه وتهجير الملايين منهم، كارثة الزلزال ومآسيه من أجل رفع العقوبات التي تستهدف بالأساس شخصيات وتعاملات بعيدة عن وصول المساعدات الإنسانية، ووصلت بالفعل طائرات إغاثة من دول عربية وغيرها إلى دمشق وحلب حيث يسيطر النظام السوري دون عائق.
إلى جانب ذلك، وحسب كثير من الصفحات والحسابات المحسوبة على النظام إلى جانب التقارير المحلية والدولية، فإن الأمن السوري استغل المساعدات التي وصلت للمتضررين، وعرضت منشوراتٌ صوراً تُظهر بيع سلع غذائية وغيرها للناس، فيما يزيد الواقع مرارة.
وهذا يعني أن النظام فاقم أزمة السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرته، كما ساهم في منع وصول المساعدات الأممية إلى المناطق الأخرى، بحجة خوفه من وصولها إلى "المسلحين"، مما تسبب بمرور مزيد من الوقت دون وصول معدات إنقاذ وفرق طبية وإغاثية تسهم في انتشال الأحياء من تحت الأنقاض.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.