وقد شوهدت مروحيات الاحتلال الإسرائيلي وهي تنقل الجرحى والقتلى. ويأتي هذا الفعل المقاوم بعد أكثر من 360 يوماً على القتال وبعد إعلان الاحتلال الإسرائيلي أنه قضى على المقاومة الفلسطينية في رفح وخان يونس.
ومع مرور عام على طوفان الأقصى ووفقاً للأرقام التي أعلنها الاحتلال، فقد قُتل 728 جندياً إسرائيلياً، 346 منهم منذ بداية العدوان البري في غزة، وجرح 4576 جندياً، 2299 منهم منذ بدء العدوان البري، كما أسرت المقاومة 251 جندياً ومستوطناً.
وضع المقاومة الفلسطينية في غزة
من المهم في البداية أن نؤكد أن المقاومة الفلسطينية أربكت كل حسابات الاحتلال العسكرية والأمنية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد أن أخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرار العملية البرية في غزة وجدنا أنها حشدت أكثر من 5 فرق عسكرية، بما يوازي 100 ألف جندي تشمل ألوية المشاة وألوية المدرعات والمظليين والكوماندوز، إضافة إلى سلاح الجو الذي كان يتقدم عبر سياسة الأرض المحروقة التي يجري خلالها تدمير كل شيء عبر تكتيك الأحزمة النارية الذي يستهدف مناطق سكنية محددة، مُوقِعاً مئات المجازر، وقد دمر الاحتلال أكثر من 70% من المباني السكنية في غزة ودمر 15 قطاعاً حيوياً، بما في ذلك القطاع الصحي والتعليمي والاقتصادي.
ذكاء المقاومة وتعلمها للدروس
ورغم ذلك كانت المقاومة الفلسطينية ذكية جداً في التعامل مع القوات الغازية من بيت حانون إلى رفح، حيث لم تعمل على مواجهة اليد الباطشة للاحتلال بطريقة الصد والمواجهة المباشرة، بل عملت على إيقاع أكبر خسائر في هذه القوى من خلال استخدام الأسلحة المناسبة في كل منطقة، فتارة استخدمت قذائف الياسين وتارة استخدمت قذائف الهاون وتارة استخدمت سلاح القنص ضد قادة الوحدات العسكرية، مما جعل ضرباتها مؤثرة، كما كان واضحاً أن المقاومة تتعلم الدروس في كل منطقة من المناطق التي سبقتها، إذ إن استخدام تكتيك الكمائن العسكرية كان واضحاً في كل من رفح وخان يونس اللتين دخلهما الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة متأخرة عن شمال غزة.
المقاومة لا تزال تجند المتطوعين
كان واضحاً أن المقاومة وظفت أقل عدد من أفرادها في مقارعة قوات الاحتلال، مما جعلها تحافظ على مواردها البشرية بشكل أفضل، وبالتالي يمكن التوقع من خلال هذا التوظيف أن الأرقام التي يعلن الاحتلال الإسرائيلي أنه قضى عليها خلال عملياته ليست أرقاماً دقيقة وتحمل كثيراً من المبالغة. ومع أن المقاومة بالتأكيد قدمت عديداً من الشهداء من قادتها ومقاتليها خلال عام كامل من القتال المتواصل فإنها سعت لتجنيد مزيد من الشباب المتطلع إلى المشاركة في واحدة من أكبر المعارك مع الاحتلال الإسرائيلي في تاريخ القضية الفلسطينية.
وفي ظل إلهام المقاومة للشعب الفلسطيني وذودها عنه وتقديمها أروع الأمثلة في التضحية والإبداع في تكبيد الاحتلال الإسرائيلي الخسائر فإن آلاف الشباب الفلسطيني على الأقل قد تطوعوا للانضمام إلى مشروع المقاومة، وقد شوهد مقاتلون جدد من الذين انضموا إلى كتائب القسام في عام 2024 يقومون بعمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي الموجودة في محور الشهداء أو ما يسمى محور نتساريم.
وهْم القضاء على الأنفاق
لقد أبدعت المقاومة الفلسطينية في استخدام تكتيك الأنفاق في مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي يمتلك أحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية، وخصوصاً الطائرات دون طيار، وكما يقال "باحت الأرض بسرها لأصحابها" عندما جرى استخدام الأنفاق سلاحاً وممراً للتنقل ولإدارة المعركة أو السيطرة والتحكم كما يُعرف عسكرياً، حتى إنّ تقارير دولية أشارت إلى أنه بعد حرب غزة فإن الحروب القادمة ستخاض تحت الأرض، ولهذا لا بد لكل الجيوش الاستعداد للتعامل مع هذا التكتيك دفاعاً وهجوماً.
وهنا فإنّ اكتشاف الاحتلال الإسرائيلي لبعض هذه الأنفاق لا يعني أنه استطاع الوصول إليها كلها، فما زالت المقاومة من خلال تحليل عملياتها تحافظ على قيادة وسيطرة وتحكم وتسلسل قيادي، كما أن المقاومة لا تزال تحتفظ بعشرات من أسرى الاحتلال لديها في هذه الأنفاق، وهو ما يشير إلى أن الاحتلال لم يستطع بعدُ القضاء على المقاومة وتكتيكاتها، ولا تزال المقاومة تتنقل وتواجه الاحتلال بشكل قوي.
شهادة الأعداء
يتحدث الباحثون في دولة الاحتلال اليوم أن المقاومة لا تزال تحتفظ بقدراتها الأساسية وأنها بالفعل تخوض حرب استنزاف مع الجيش الإسرائيلي، وأن هذا الموقف يضع صناع القرار في دولة الاحتلال الإسرائيلي بين خيار القبول بصفقة وقف إطلاق نار بالحدود الدنيا التي تريدها المقاومة الفلسطينية أو استمرار الصراع دون حسم واضح، مما يدفع بدولة الاحتلال الإسرائيلي نحو مأزق أكبر أو كوراث جديدة، ومن هؤلاء الباحثين ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب.
الدعم الشعبي للمقاومة
لا تزال المقاومة الفلسطينية تتمتع بدعم شعبي كبير وعلى الرغم من كل ألوان المعاناة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة فإنّ الحاضنة الشعبية لم تنفض عن المقاومة، بل إن الحاضنة الشعبية لم تتجاوب مع أي من مناورات الاحتلال لتشكيل اليوم الثاني بعد الحرب بالطرق التي تلتف على المقاومة أو تسعى للقضاء عليها. إنّ المقاومة الفلسطينية أثبتت أنها مندمجة مع المجتمع الفلسطيني ومتجذرة فيه، وهي جزء لا ينفصل عنه، ولهذا نجد أن الاحتلال بات متأخراً يصل إلى قناعات أنه بمزيد من الضربات للمقاومة لن يقضي عليها وأنها ستظل قادرة على البقاء.
خطة الجنرالات
تشير تقديرات الاحتلال الإسرائيلي إلى أن 5000 من مقاتلي حركة حماس ما زالوا يعملون بشكل فاعل في منطقة شمال قطاع غزة، وعلى الرغم من أن الفجوة تميل لصالح الاحتلال الإسرائيلي من حيث القدرات والإمكانات العسكرية فإن الواقع يشي بأن الاحتلال الإسرائيلي اتجه نحو استهداف المدنيين وقصف مراكز إيواء النازحين بشكل مكثف من أجل الضغط على المقاومة.
ومع الأسف يبدو أن الانحدار الأخلاقي لدى الاحتلال الإسرائيلي بلا قاع، فإن قادة الاحتلال ومن أجل تكثيف الضغط على المقاومة الفلسطينية يعملون الآن على تطبيق ما يسمى "خطة الجنرالات"، وهي خطة تنص على حصار شمال غزة وتجويعه عبر وقف المساعدات الإنسانية والعمل على إجلاء السكان بالقصف والتجويع من أجل إجبار المقاتلين المتبقين على الاستسلام أو الموت جوعاً، كما ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية.
وقد سميت هذه الخطة بـ"خطة الجنرالات" نظراً إلى اقتراحها من قِبل الجنرال غيورا إيلاند الرئيس السابق للمجلس الأمني، وحصولها على دعم من عشرات الضباط الكبار الحاليين والسابقين في جيش الاحتلال. وبالفعل فإنّ الواقع يشير إلى أن الضباط الذين يقودون الحرب شمال غزة يعملون على إعاقة دخول المساعدات الإنسانية بشكل متعمد.
رؤية سياسية
لم تنجح المقاومة الفلسطينية في الصمود عسكرياً فحسب، بل إنها أبدعت سياسياً أيضاً، فقد راوحت بين المرونة والتصلب بما تقتضيه كل مرحلة من مراحل الحرب وأثبتت للقاصي والداني أن الذين يريد استمرار الحرب وتوسعتها هم حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من كل التضليل الذي مارسته دولة الاحتلال فإن المقاومة أدارت المعركة التفاوضية باقتدار وعملت على تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني بما لا يتعارض مع أي من حقوقه ودون القبول بأي من مظاهر تكريس الاحتلال أو القبول به.
وختاماً فإن المقاومة في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى من غزة قدمت رسالة قوية عبر إعلانها في بيان للفصائل الفلسطينية من غزة أن المقاومة في حالة جيدة وأنها تتمتع بتنسيق عالٍ ومستمر على مختلف الجبهات ومحاور القتال. وهذه الرسالة والوقائع على الأرض تشير إلى أن المقاومة الفلسطينية ما زالت قادرة على الاستمرار وتكبيد الاحتلال الإسرائيلي مزيداً من الخسائر.
لقد فشلت كل أهداف إسرائيل أمام المقاومة الفلسطينية، بما فيها هدف النصر الكامل الذي تشدق به نتنياهو. والآن مع عدوانها المستمر على لبنان تثبت إسرائيل أن المقاومة الفلسطينية أصابت قدرة الاحتلال على تقدير التصورات بشكل صحيح، مما يقود دولة الاحتلال من تخبط إلى تخبط أكبر.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي