وهو ما اعتُبر اعترافاً سياسياً ضمنياً بقادة المستوطنين على أنهم جسم شرعي مرحَّب به في البيت الأبيض، وليسوا ممثلين لمجموعات استيطانية غير شرعية تقيم فوق أرض محتلة.
وفي حفل التنصيب، قال يسرائيل غانتس إنه يطمح إلى "تعزيز العلاقات والتقدم في مسألة ضم الضفة الغربية لإسرائيل"، وإننا ننتقل من "إدارة معادية إلى إدارة تتعامل بشكل مختلف مع الاستيطان".
في 25 يناير/كانون الثاني 2025، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إنه يرغب في أن تستقبل مصر والأردن أعداداً من الغزيين حلاً للأوضاع الكارثية التي خلفتها حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة.
وأضاف الرئيس الأمريكي أنه يتحدث عن "مليون ونصف مليون فلسطيني"، وأن الفكرة تقوم على أساس نقلهم من قطاع غزة (المدمر بفعل جرائم الاحتلال الإسرائيلي) كي نتمكن من "تنظيف المنطقة بالكامل"، وأنه من أجل ذلك "تواصل مع عدد من الدول العربية" ويرغب في "بناء مساكن في مكان مختلف قد يكون بإمكانهم العيش فيه بسلام".
لا يُخفي قادة المستوطنين وممثلوهم في الحكومة الإسرائيلية فرحتهم وترحيبهم بهذه الخطوات، سواء ما يتعلق منها بغزة، التي عملوا طوال فترة الحرب على تهيئة الظروف لإعادة الاستيطان فيها، أو المعاملة الخاصة والحظوة التي يتلقاها قادة المستوطنين من ترمب وأركان إدارته، وفي مقدمتهم سفيره الجديد في تل أبيب، مايك هكابي، الذي عبر عن معارضته (هو ورئيسه) لقيام دولة فلسطينية، وأكد أنه يؤمن بأن الضفة الغربية هي "يهودا والسامرة"، وأن "التوراة هي الخطة، وهي التي يجب أن تسيطر في النهاية".
لا يمكن حصر الاقتراحات والمشاريع التي أعدها قادة المستوطنين للاستفادة من فترة حكم الرئيس الأمريكي الموالي لهم، ويكفي أن نشير إلى أن مجلس المستوطنات (ييشع)، الذي يشكل المرجعية السياسية والإدارية والتنظيمية لهم، أعلن، وفق ما نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" في 15 نوفمبر 2024، أن فوز الرئيس ترمب يضع قضية الاستيطان والمستوطنين أمام "تطورات تاريخية وأشهر حاسمة وفرص غير مسبوقة"، وأن هذا يحوّل خطط الضم إلى خطط واقعية.
الأثر الأبرز الذي ستحدثه إدارة ترمب تجاه واقع الضفة الغربية وغزة، بل ومستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، أنها ستضفي شرعية وقوة على المشاريع التي كان يُنظر إليها حتى الآن على أنها أوهام وأحلام مجموعات هامشية متطرفة.
تطبيع فكرة الضم، التي لا يمكن أن تُنفذ بلا تطهير عرقي وتدمير شامل لوجود الفلسطينيين، وفكرة الترانسفير والتهجير، لا ينسف الأسس القانونية والسياسية والتاريخية في التعامل مع الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية فحسب، بل يشكل تهديداً وجودياً على الشعب الفلسطيني برمته، ويفتح شهية إسرائيل وعدوانيتها للمضي في خلق الأساس المادي على الأرض لترجمة هذه التوجهات وإخراجها إلى حيز التنفيذ.
وما المشاهد التي يراها العالم في غزة من دمار للبنية التحتية وهدم للمساكن والطرق وسبل العيش سوى صورة موازية لعملية الإفقار وتقطيع الأوصال والفصل ونهب الأرض والتدمير التي تمارسها إسرائيل في الضفة، تحت شعار يرفعه المستوطنون في شوارع الضفة الغربية: "لا مستقبل لكم هنا".
في سياق متصل، قطع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، شوطاً كبيراً في تغيير الواقع القانوني والإداري الاستيطاني في الضفة الغربية من خلال سيطرته على وزارة الاستيطان وتحكمه في الإدارة المدنية، ووجوده في وزارتي الدفاع والمالية، وإمساكه بكل الدوائر التي تعنى بشؤون الضفة.
و تُوجت هذه السيطرة بضوء أخضر من نتنياهو لاستكمال هجمته عبر عملية "السور الحديدي" التي انطلقت في شمال الضفة الغربية مع بدء سريان مفعول وقف إطلاق النار في غزة.
الواقع الذي أرسته حكومة اليمين المتطرفة خلق الأرضية المناسبة للانتقال إلى مرحلة حسم الصراع بالقوة وضم الضفة الغربية. ومن هنا تكمن خطورة العلاقة الحميمية بين إدارة ترمب وقادة المستوطنين، والطريقة التي ينوي الرئيس الأمريكي التعامل وفقها مع القضية الفلسطينية، والتي تقوم على فكرة دعم إسرائيل وترحيل الفلسطينيين.
من المنتظر أن يعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لقاء مع الرئيس دونالد ترمب مطلع الشهر القادم في البيت الأبيض.
يذهب نتنياهو إلى هذا اللقاء وهو في أضعف حالاته سياسياً، بسبب معارضة شركائه في اليمين لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتهديدهم بإسقاط الائتلاف الذي يقوده إذا مضى في تنفيذ المراحل الثانية والثالثة من الاتفاق.
وهذا يعني أن مهمته ستكون محاولة إقناع الرئيس ترمب بعدم المضي في الاتفاق، أو في حال أصر على ذلك، أن ينال منه تعويضاً مناسباً يقدمه لشركائه في الضفة الغربية، على شكل اعتراف بالضم وتمهيد الأرضية لإنهاء حل الدولتين فعلياًُ، من خلال إطلاق يد المستوطنين في الضفة الغربية.
ما لم يجد الرئيس الأمريكي موقفاً عربياً وإقليمياً ضاغطاً يربط أي تقدم في المنطقة بحل سياسي يقوم على أساس حل الدولتين، فإنه سيتماهى مع مشاريع المستوطنين وقادة اليمين الفاشي في إسرائيل، بخاصة أنه مهيأ آيديولوجياً، ويحيط به فريق يتماهى كلياً مع هذه الجماعات المتطرفة التي لا تقبل بحلّ أقل من نفي وإلغاء وجود الفلسطينيين.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.