سلطة النقد الفلسطينية تقول إنّ الجزء الأكبر من بنوكها ومصارفها في غزة تعرض للتدمير أو يمر بظروف عمل قاهرة. / صورة: AA (AA)
تابعنا

وسبق أن صرحت سلطة النقد الفلسطينية، في شهر أبريل/نيسان الماضي بأن الجزء الأكبر من بنوكها ومصارفها تعرض للتدمير من قِبل الاحتلال الإسرائيلي أو يمر بظروف عمل قاهرة تحول دون تقديم خدماتها. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي عبر وزير المالية الإسرائيلي يتسرائيل سموتريش عن رفضه السماح بدخول أي أموال إلى قطاع غزة، قائلاً: "ما دمت أنا وزير المالية فلن يدخل شيكل واحد إلى قطاع غزة".

وأتاحت اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية عام 1994 للأخيرة بالهيمنة على الاقتصاد الفلسطيني، فالعملة المستخدمة في فلسطين هي الشيكل التي يصدرها البنك المركزي الإسرائيلي.

وهذا ما يشير إليه الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان في حديث سابق مع TRT عربي، قائلاً: "حتى قبل الحرب كان الاحتلال الإسرائيلي يتحكم باقتصاد غزة، نظراً إلى الارتباط الكبير والسيطرة على المعابر وتبعية الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام، واقتصاد غزة بشكل خاص، للسيطرة الإسرائيلية، فهو يتحكم في جميع مصادر دخول السيولة".

"غسل الأموال حلال"

يعتمد قطاع غزة على العملات النقدية من سلطات الاحتلال الإسرائيلية التي منعت دخولها إلى غزة بعد الحرب الإسرائيلية، ما أدى في المحصلة إلى اقتصار عملية التداول في سوق قطاع غزة على الأموال الموجودة.

ويشير المواطن عدلي عسلية، النازح من مخيم جباليا شمالي القطاع، إلى أن "العملات الورقية متوفرة في الأسواق، ولكن الباعة يرفضون قبولها، فتبادلها بين الأفراد يتلفها ولا توجد بنوك تستبدلها". وأضاف: "نقص السيولة وعدم دخول أو خروج الأموال من قطاع غزة أدى إلى أزمة يواجهها كل مواطن بالقطاع".

وتابع: "عندما نذهب للشراء بعملات ممزقة يُخصم جزء من المبلغ يقدر بـ5%، في ظل حاجتنا إلى كل قرش نتيجة الحرب وآثارها".

ويشير الباحث الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جياب إلى أن "منع دخول الأموال إلى غزة أدى إلى تلف كميات ضخمة من الأموال الورقية والمعدنية نتيجة التداول غير السليم وعدم الاستبدال بالأوراق النقدية التالفة من النظام المصرفي بسبب تعطل أعمال النظام".

وفي ظل هذا الوضع ظهرت مهنة "غسل الأموال" التي تعني غسل الأموال بالمعنى الحرفي لها.

محمد عبد النبي، من مدينة خان يونس، يعمل في أحد محلات الصرافة، بدأ العمل بهذه المهنة "بسبب أن الناس كانوا يعيدون إلينا النقود ولا يتقبلونها، ولم يعُد الإقبال على المحل لدينا، فأصبحت النقود متسخة، وبعد هذه الفكرة تحسّن الوضع".

ويضيف عبد النبي في حديث مع TRT عربي أن هذه الفكرة " أحدثت تغييراً بين الناس، خصوصاً مع إغلاق الاحتلال للمعابر وعدم دخول أي نقود جديدة". وعادة ما يلجأ الموظفون الحكوميون أو الذين يتلقون حوالات من الخارج إلى الصرافين أو التجار للحصول على مخصصاتهم نقداً مقابل عمولات نقدية. ويشير محمد إلى ذلك بقوله: "زبائننا عاديون من كل الناس، وأغلبهم من الموظفين أو الذين يتلقون مساعدات".

أدوات بسيطة

طوّر الغزيون خلال شهور الحرب مجموعة من الحلول البسيطة للمشكلات التي تواجه سير حياتهم، فحلاً لمشكلة عدم توفر الوقود استخدموا الزيوت النباتية في تشغيل عرباتهم، كما تحدَّوا استهداف الاحتلال الدائم لمصادر الطاقة من خلال البحث عن مصادر بديلة.

وفي هذا الإطار ولمواجهة عدم توفر أي وسيلة لمعالجة اهتراء النقود اعتمد محمد عبد النبي ورفاقه في المهنة على مجموعة من الأساليب البسيطة لحل هذه الإشكالية، وتمرّ عملية الغسل بمرحلتين، الأولى يجري إحضار النقود المتسخة وغسلها بالماء والصابون، بصورة تراعي عدم ذوبانها أو تعرض للخراب.

ووفقاً لعبد النبي فالمرحلة الثانية من عملية غسل الأموال تكون بتنشيفها "بالنشر أو وضعها على حبال الغسيل تحت الشمس حتى تجف، ومن ثم تعاد إلى عملية التداول بين الناس".

لا يملك محمد محل الصرافة، ويعمل فيه أجيراً يحصل على أجرة يومية تتراوح ما بين 20 و30 شيكلاً، أي أقل من 10 دولارات في اليوم الواحد، لكنه ينصح الناس بـ"تقبُّل النقود المتسخة أو غير المتسخة، لأنه لا توجد بنوك ولا يسمح بدخول الأموال".

ويضيف محمد: "إذا بقينا لا نقبل النقود فستغلق مصالح ناس كثيرة من بسطات ومحلات تجارية، فلو طالت الحكاية أكثر فستحدث أزمة مالية خانقة جداً".

وفي مدينة دير البلح يعمل ياسر أبو حربيين في ذات المهنة، لكن بدل غسل الأموال فإنه يصلح الممزق منها باستخدام الأدوات المتوفرة، ويشير من فوق طاولته الصغيرة: "يعاني المواطنون والتجار من انزعاج كبير عند رؤيتهم العملات الممزقة، لذلك فتحت ورشة صغيرة لإصلاح تلك العملات الورقية".

وتشكل هذه المهنة مصدر دخل لياسر وعائلته، وبدأ العمل بها منذ أكثر من 5 أشهُر، يصلح خلالها "العملات الممزقة باستخدام لاصق ورقي مخصص لها لكي يقبلها البائعون، فكثير منهم لا يقبلون العملات الممزقة".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً