ومن بين أبرز القيادات الحزبية والسياسية المعتقلة المقربة من البشير النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه، ومساعد الرئيس عوض الجاز، ومساعد الرئيس الأسبق نافع على نافع. لكن مصادر مطلعة أكدت خلو قائمة الاعتقالات من اسم مدير الأمن والمخابرات السوداني صلاح قوش، ما يشير إلى دوره القوي والمحتمل طوال سنوات حكمه الماضية في التغيير الذي يجري اليوم.
وسبق أن اعتقل قوش لمشاركته في محاولة انقلاب نوفمبر/تشرين الثاني 2013، الذي أعلنت عنه الرئاسة السودانية حينها. لكن من هو صلاح قوش الذي يُنتظر أن يكون له دور هام في المرحلة الانتقالية القادمة؟.
خلال الأيام الأولى لاحتجاجات السودان، وفي ظل خروج عشرات المظاهرات في عدة محافظات، غاب المسؤولون السودانيون عن المشهد في الخطابات والتصريحات العلنية، ليخرج أول تصريح علني حول الاحتجاجات من الرجل الأقوى في جهاز المخابرات، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، الفريق صلاح عبد الله قوش، إذ أعلن أن كل القوات النظامية وعلى رأسها الجهاز الذي يديره "ستتصدى لكل من يحاول زعزعة الأمن والتخريب في هذه البلاد".
كان تصريح قوش بمثابة الموقف الأول للشخصيات الرسمية السودانية تجاه الاحتجاجات، بدأت بعدها حملات الاعتقال في صفوف المتظاهرين وانتهاج القوة في تفريقهم، ما فتح باب الجدل حول قوة هذا الرجل ومكانته داخل أجهزة الدولة.
عقب عودته لتسلم جهاز المخابرات في فبراير/شباط 2018، قال صلاح قوش البالغ من العمر 61 سنة في أول تصريح له، إن "إطلاق سراح بقية المعتقلين رهين بتحسن سلوك أحزابهم" تعليقاً على استمرار اعتقال عشرات القادة والناشطين السياسيين، وذلك في مهرجان إعلامي دعا له الصحفَ ومحطات التلفزيون في سجن كوبر بالخرطوم.
أثارت هذه التصريحات وقتها، إثر العودة المباغتة للفريق قوش لقيادة جهاز المخابرات، دهشة وردود فعل واسعة حول المستقبل السياسي للبلاد، والكثير من التساؤلات حول دوافع الرئيس عمر البشير لمعاودة الاستعانة بالحرس القديم للحزب.
التحق قوش، الذي كان مهندس إنشاءات مدنية، بجهاز الأمن الداخلي عام 1989 معولاً على خبرته كمسؤول أمني للذراع الطلابية لتنظيم الإخوان المسلمين في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها عام 1982.
تميّزت الفترة التي تولى فيها إدارة الأمن الداخلي في التسعينيات، بالقوة في التعامل مع المعارضين وباعتقال آلاف السياسيين في سجونٍ سرية عُرفت وقتها باسم "بيوت الأشباح"، حسب المنظمات الحقوقية الدولية.
واعترف قوش في لقاءٍ صحفي لاحق أن قسوته البالغة طالت حتى شقيقه الأكبر، الذي اعتُقل وسُجن لعام كامل في بيوت الأشباح إبان رئاسته للجهاز؛ لأنه كان ينتمي للحزب الشيوعي.
ومع ذلك، واجه قوش عواصف عاتية خلال مسيرته الأمنية الطويلة، ألقت به خارج جهاز المخابرات بعدما اتُّهم جهاز الأمن والمخابرات السودانية بالتورط في "مساعدة متطرفين إسلاميين مصريين" في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في يونيو/حزيران 1995.
وعلى الرغم من نفي قوش المستمر لأي دور لبلاده فيها، فإنه خسر إثرها منصبه كمديرٍ للعمليات في جهاز الأمن مع عددٍ آخر من قيادات الجهاز في بداية عام 1996.
وبعد عدة أشهر، عُين قوش مديراً لمصنع اليرموك للصناعات الحربية؛ إذ وضع انطلاقة التصنيع العسكري في السودان، كذلك ساهم في تشييد عدة مصانع لإنتاج الأسلحة التقليدية، ليعود إلى جهاز الأمن مجدداً عام 2002.
شكلت أزمة الحرب والمأساة الإنسانية في دارفور التي بدأت 2003، علامة فارقة في التاريخ السياسي للفريق قوش؛ إذ عُين على إثرها مديراً عاماً لجهاز الأمن والمخابرات عام 2004.
شارك صلاح قوش في تشكيل قوات التدخل السريع السودانية المعروفة بـ"ميليشيا الجنجويد"، والتي قادت الحرب ضد القبائل غير العربية والمتعاطفة مع حركات التمرد في دارفور، ووفقاً لمقال في صحيفة نيويورك تايمز في 20 يونيو/حزيران 2005، فإن اسم صلاح قوش كان ضمن لائحة قُدمت إلى مجلس الأمن تضم 17 شخصاً متهماً بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.
ظل صلاح قوش شبحاً غامضاً لا يعرفه أحدٌ من عموم الناس، ولم تُنشر له صورة واحدة، حتى اختار بنفسه موعداً صاخباً للظهور العلني وسمح بنشر صورته في الصحف. كان ذلك يوم اكتشاف المخبأ السري لمحمد إبراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني في العاصمة الخرطوم 7 أبريل/نيسان 2005 بعد اختفائه عن الأنظار لأحد عشر عاماً.
لعب صلاح قوش دوراً مهماً في التخفيف من العزلة والضغوط الدولية، وخاصة الأمريكية، على الخرطوم بتعاونه المثير للانتباه مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في ملف مكافحة الإرهاب؛ إذ تعاون مع الأمريكيين لسنوات، وحسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز، فإن قوش سلّم الأمريكيين معلوماتٍ وملفات مفصلة عن المطلوبين لديها من "الجهاديين العرب"، الذين كانت الخرطوم تستضيفهم طوال فترة ما قبل هجمات سبتمبر/أيلول 2001، بمن فيهم أسامة بن لادن الذي كان مقرباً منه حسب الصحيفة.
وعلى إثر معركة محتدمة داخل أجنحة الدولة، فقدَ صلاح قوش منصبه مرة أخرى في أغسطس/آب 2009 وعُين مستشاراً أمنياً للرئيس دون دور حقيقي مهم، على الرغم من إنجازه الأمني بصدّه مقاتلي حركة العدل والمساواة التشادية، عندما اجتاحت مدينة أم درمان سنة 2008.
أدت المعركة الداخلية إلى اعتقال صلاح قوش من منزله في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم والزج به في السجن. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن قوش "كان ضحية رجالات للشيخ الترابي بعدما انحاز إلى البشير في أحداث عام 1999، حين أقصاهم عن الأجهزة الأمنية وقتها، وعلى رأسهم القيادي الإسلامي البارز نافع علي نافع".
بعدها بسنة، خرج قوش من سجنه بعفوٍ رئاسي عام 2013، وقال وقتها إنه "سيبقى مخلصاً للحزب الحاكم"، وفي فبراير/شباط 2018 عاد قوش إلى عمله في جهاز الأمن، إذ بدأه بإعفاء أكبر أربعة ضباط في الجهاز عُرفوا بولائهم لنافع علي نافع.
وإضافةً إلى حسم ملف تعديل الدستور الذي يمكّن الرئيس البشير من الترشح للرئاسة عام 2020، يعوّل البشير على علاقات صلاح قوش القوية بأجهزة المخابرات الأمريكية والدول الأوروبية، في محاولةٍ لتحسين صورته وعلاقاته الدولية، والتي ظهرت في زيارة قوش الأخيرة لباريس أكتوبر/تشرين الأول الماضي.