تابعنا
تتهم الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراء الحوثيين في استهداف السفن التجارية، كما اعتبرت واشنطن طهران متواطئة في عمليّة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لدعمها حركة حماس، مما يزيد التوترات بين البلدين.

تحشد الولايات المتحدة أسطولاً دوليّاً بهدف ردع هجمات الحوثيين على السفن المملوكة لإسرائيل أو تنقل سلعاً إسرائيلية في البحر الأحمر، ممّا ينذر بأن التهديد بتوسّع رقعة الصراع لا يزال قائماً.

ونفّذت جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن على مدى أسابيع هجمات بمسيّرات وصواريخ استهدفت السفن التجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ردّاً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وواكبت الهجمات تحذيرات وجّهتها الولايات المتحدة لإيران، وإرسال "البنتاغون" مجموعتين قتاليّتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي.

كما أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، تشكيل تحالف دولي متعدّد الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر، يضمّ ما لا يقلّ عن عشرين دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا والبحرين.

وجاءت الخطوة رغم تحذير إيراني أطلقه وزير الدفاع محمد رضا أشتياني، في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، قال فيه إن واشنطن إذا شكلت هذا التحالف "ستواجه مشكلات استثنائية".

وأضاف في تصريحه لوكالة "إسنا" الإيرانية، أنّ كل الدول لديها حضور في منطقة البحر الأحمر، "لكنّها منطقتنا، ومن المؤكّد أنّه لا يمكن لأحد المناورة في منطقة نُهيمن عليها".

وبالنّظر إلى استمرار هجمات جماعة أنصار الله والتحركات الأمريكيّة يحذر خبراء من تصعيد الصراع إلى حد المواجهة في البحر الأحمر، التي قد تصل إلى مستوى حرب إقليمية.

لماذا "حارس الرخاء"؟

أعلنت واشنطن عن التحالف الدولي عملية "حارس الرخاء" بهدف حماية السفن في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين الذين شنوا ما لا يقلّ عن 100 هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على 10 سفن تجارية، كما استولوا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على سفينة "غالاكسي ليدر"، معلنين أنَّ أيّ سفينة إسرائيلية تعد هدفاً مشروعاً لهم.

نتيجة تلك الهجمات، اضطر بعض من أكبر شركات الشحن في العالم، بما في ذلك شركة "MSC" الإيطالية السويسرية، والدنماركية "Maersk"، وشركة "CMA CGM" الفرنسية، إلى تغيير مسار سفنها وعدم دخول مضيق باب المندب الذي يفصل البحر الأحمر وخليج عدن لتجنّب استهدافها.

ووقفت شركة بريتيش بتروليوم شحنات الغاز والنفط مؤقتاً عبر البحر الأحمر، ممّا أدى إلى ارتفاع طفيف لأسعار النفط العالميّة يوم 18 ديسمبر/كانون الأول، ما أثار المخاوف من أن التوترات الجيو-سياسيّة في الشرق الأوسط قد تعرقل إمدادات الطاقة.

ويرى نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط، وضابط وكالة المخابرات المركزية المتقاعد، مايك مولوري، أن توجيه ضربات للحوثيين سيؤدّي إلى سلسلة مستمرة من الهجمات على السفن التجارية.

ويوضّح مولوري في تصريح لـTRT عربي أن "هذا يشكّل مصدر القلق الأكبر"، لأنه قد يؤدي إلى إغلاق مضيق باب المندب مؤقتاً، مضيفاً أن "الأمر قد يستغرق وقتاً ويتطلب معلومات استخبارية مفصلة"، قبل فتح حركة الملاحة البحرية فيه مجدّداً.

ويعدُّ باب المندب الواقع بين جيبوتي واليمن، أحد أهم شرايين التجارة العالمية ويشكّل حلقة وصل حاسمة بين أوروبا وآسيا، إذ يقدّر أنه قد عبرته نحو 24 ألف سفينة عام 2023، بما يعادل 20% من حركة الحاويات العالمية.

ويشير مولوري إلى أن مصدر القلق الآخر للتحركات الأمريكية الأخيرة يتمثل في أن إيران قد تغلق المنطقة عن طريق زرع الألغام، وهو ما من شأنه أن يعطل التجارة الدولية بشكل خطير.

من جانبه، يرى الخبير السياسي بيتر كوزنيك، مدير معهد الدراسات النووية بالجامعة الأمريكية في واشنطن، أنَّ الأساس المنطقي وراء عملية حارس الرخاء رمزي أكثر منه عملي.

ويضيف كوزنيك لـTRT عربي، أن إعلان مزيد من شركات الشحن خططها لإعادة توجيه السفن، أو إرسال البضائع عن طريق البر أو الجو، دفع الولايات المتحدة إلى الشعور بأنّها مضطرة لإنشاء تحالف متعدّد الجنسيات لمحاولة حماية الشحن والحفاظ على سلامة الملاحة البحرية.

ويوضح أن مسار رأس الرجاء الصالح البديل لباب المندب، يضيف ما يقارب 60% من مسافة النقل، أي نحو 10 إلى 14 يوماً من مدّة العبور، وسيؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ويرى الخبير السياسي أن الخيار البديل عن الطرق البحريّة هو الشحن الجوي، ولكنه يرفع الأسعار من 5 إلى 15 مرة.

ويلفت كوزنيك إلى أن هجمات الحوثيين قادرة على تعطيل جزء كبير من التجارة العالمية نظراً للتكلفة الهائلة التي قد تترتب على تعرض سفينة واحدة وحمولتها للتلف أو التدمير في أي هجوم.

حرب واسعة النطاق

واتهم البنتاغون السبت الماضي 23 ديسمبر/كانون الأول إيران باستهداف سفينة -ناقلة كيماويات- قبالة سواحل الهند.

وذكر البنتاغون في بيان بعد ساعات من الهجوم على الناقلة، أن مسيّرة انطلقت من إيران استهدفت سفينة "كيم بلوتو" التي ترفع علم ليبيريا، ولم يتسبّب الهجوم في وقوع إصابات.

من جانبه، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، في مؤتمر صحفي، تلك الاتهامات، وقال إن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأن الولايات المتحدة يجب أن تواجه بدلاً من ذلك اتهامات لدورها في حرب إسرائيل في غزة.

وتتهم الولايات المتحدة إيران بالوقوف وراء الحوثيين في استهداف السفن التجارية، كما اعتبرت واشنطن طهران متواطئة في عمليّة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بسبب دعمها حركة حماس، مما يزيد التوترات بين البلدين.

ويرى مولوري أن الأمر قد يتصاعد إلى حرب إقليمية، خصوصاً إذا انضم "حزب الله" وربما إيران بشكل مباشر إلى النزاع.

لكنه يستبعد انضمام إيران إلى القتال بنفسها، ويقول إنهم "جيّدون بشكل عام في إدارة القتال حتى آخر مسلّح من القوات بالوكالة، ولكن ليس بجنودهم".

من جانبه يرى كوزنيك أنّ إرسال مجموعات حاملات الطائرات والسفن الحربية إلى المنطقة يزيد احتمال إثارة أزمة أكبر بكثير، "وحتى حرب واسعة النطاق".

ويشير إلى أنّ كثيرين في الولايات المتحدة يطالبون بتوجيه ضربات مباشرة إلى الحوثيين، وفي نفس الوقت يهدّد الحوثيون بمهاجمة السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر.

ويوضّح الخبير السياسي أنه "إذا حدث ذلك وردّت الولايات المتحدة عسكريّاً، فإن ذلك من شأنه أن يفرض ضغوطاً هائلة على إيران، الداعمة للحوثيين، لمساعدتهم".

ويلفت إلى أن "إيران ترتبط ارتباطاً وثيقاً بروسيا، ولا أحد يدري إلى أي مدى يمكن أن تتصاعد الأمور، كما ترتبط إيران أيضاً ارتباطاً وثيقاً بحزب الله، الذي تفوق قدرته العسكرية قدرة حماس بكثير".

ويرى كوزنيك أن "العواقب يمكن أن تكون مدمرة، لكن طالما أنّ هذه السفن الحربية موجودة في البحر الأحمر وحاملات الطائرات قريبة، فلا يمكننا أن نستبعد هذا الاحتمال".

ويربط كوزنيك بين الحرب في غزة ومدى التصعيد في البحر الأحمر قائلاً إن إنهاء الحرب الإسرائيلية على الفور يصبّ في مصلحة الجميع بما في ذلك الإسرائيليون.

ويرى أنّ "الوحشية الإسرائيلية ضد شعب غزة أسوأ من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول -بل وأسوأ بكثير- ويجب أن تتوقف على الفور"، مضيفاً أنَّ خلاف ذلك قد يؤدي إلى "اتساع الحرب في المنطقة بأكملها وربما في العالم".

الدول العربية ودعم غزة

لم تعلن دولة عربية، عدا البحرين، مشاركتها في "عملية حارس الرخاء"، ورغم أن مشاركة الدول المطلة على البحر الأحمر مثل مصر والمملكة العربية السعودية تعد أمراً ضروريّاً وفارقاً في التحالف، يبدو أن الحرب الإسرائيلية قد أسهمت في ترددها.

وتحاول الدول العربية أن تنأى بنفسها عن مواجهة جديدة مع إيران، خصوصاً أن هذه المواجهة تأتي بعد 3 أشهر من عودة العلاقات الدبلوماسيّة معها بقيادة السعودية التي استعادت العلاقات مع إيران، وتبادل السفراء في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد انقطاع دام سبع سنوات، كما تبذل طهران الجهود لاستئناف العلاقات مع مصر.

ومع ذلك، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن نحو 20 دولة قرّرت المشاركة في التحالف، بينها ثماني دول ترفض الكشف عن أسمائها علناً.

ويرى البعض أن تجنّب الدول العربية الدخول في التحالف مردّه عدم الرغبة في الدخول في مواجهة مع إيران، وجماعة أنصار الله الحوثيين المدعومين من طهران، وإعادة عدم الاستقرار إلى منطقة الخليج.

Red Sea (Reuters Archive)

فضلاً عن ذلك، يرى كوزنيك أن رفض الدول العربية الانضمام إلى التحالف الجديد يأتي في سياق عدم رغبتها في التحالف مع الولايات المتحدة نظراً للمذبحة والأزمة الإنسانية في غزة.

ويبيّن أنه رغم أنّ "انخفاض الشحن له عواقب وخيمة على اقتصادات الدول العربية، كما أنّ إبقاء البحر الأحمر مفتوحاً يصب في المصلحة الاقتصادية لجميع هذه الدول، فإن القادة العرب يدركون أن مواطنيهم يدعمون الفلسطينيين بقوة في هذا الصراع ولا يريدون فعل شيء قد يساعد الولايات المتحدة في مساعدة الإسرائيليين".

من جانبه، يعتقد مولوري أن عدد الدول العربية المشاركة في التحالف الجديد أكبر ممّا أعلن عنه.

ويردف: "أعتقد أنه قد يوجد ما يصل إلى عشرة بلدان أخرى، قد لا ترغب في الانضمام علناً لأنها تعتبر ذلك بمثابة دعم لإسرائيل في حربها في قطاع غزة".

TRT عربي
الأكثر تداولاً