توصلت الفرق البرلمانية بمجلس المستشارين الأربعاء 17 مارس/آذار بكتاب من رئيس المحكمة الدستورية من أجل إبداء ملاحظاتها، لمدة لا تتجاوز ثمانية أيام، بخصوص القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات التي يُرتقب أن يرافع حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي ضمن ملاحظاته عليها، ضد إلغاء العتبة واعتماد القاسم الانتخابي الجديد، ويدفع بعدم دستورية هذا القرار.
ويأتي الجدل حول القاسم الانتخابي الذي صوّت 162 نائباً ينتمون إلى 7 أحزاب من الأغلبية والمعارضة على تعديله، في حين عارضه 104 نوّاب ينتمون جميعهم إلى فريق العدالة والتنمية، على بعد أشهر من انتخابات برلمانية يُتوقّع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهي ثالث انتخابات تشهدها البلاد بعد حراك 20 فبراير/شباط وتعديل الدستور. ليكون السؤال المطروح الآن: ما موقع هذا التعديل بالنسبة إلى الديمقراطية في البلاد؟ وكيف سيكون المشهد السياسي بعد حسمه نهائياً؟
قمّة الديمقراطية
يعلّل رئيس فريق الأصالة والمعاصرة داخل البرلمان مولاي هشام المهاجري في اتصال مع TRT عربي تبنِّي فريقه هذا التعديل بالقول إن القاسم الانتخابي الجديد يضمن "تَحقُّق التعددية، وفرصة التنافس لجميع الأحزاب حتى الصغرى منها بعد أن كانت حقوقها مهضومة في الانتخابات الأخيرة".
ويرى المهاجري أن القاسم الانتخابي الأول "غير ديمقراطي أكثر من القاسم الجديد، لأنه متغيّر ومتأثر بالعتبة والأصوات الملغاة"، مشيراً إلى أنه مع هذا التعديل "ستصبح اللعبة واضحة منذ البداية، وكل الأحزاب ستدخل المنافسة على أساس قاسم انتخابي معلوم من دون إقصاء أي طرف".
وتنص المادة 84 من مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب بعد التعديل، على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة "قاسم انتخابي" يُستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، وتوزع المقاعد حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بتخصيصها للوائح التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور.
في حين أن القانون الأول ينص على توزيع المقاعد على اللوائح بواسطة "قاسم انتخابي" يُستخرج عن طريق قسمة عدد الأصوات الصحيحة فقط بالدائرة الانتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، ثم توزيعها بأكبر البقايا، مع استبعاد اللوائح التي حصلت على أقل من 3% من الأصوات، وهيَ العتبة التي جرى إلغاؤها ضمن التعديل الأخير.
ويمثل القاسم الانتخابي الجديد، حسب المهاجري رئيس لجنة الداخلية بمجلس النواب التي أعدت مشروع القانون المذكور، "قمة الديمقراطية لأنه واضح أمام جميع المتنافسين منذ البداية"، عكس القاسم الحالي "الذي يتحكم فيه فشل أحزاب صغيرة لم تصل إلى العتبة، ما سيؤدي إلى تقليصه بعد إلغاء الأصوات المرتبطة بها، وبالتالي يؤثر سلباً على متنافس تجاوز العتبة".
ويشدد المتحدث على أن تحديد قاسم انتخابي ثابت يفتح المجال أمام جميع الأحزاب للتنافس حول المقعد الأول، "ولن يُغيّر المشهد السياسي في المغرب لأن المتحكم في هذا الأخير هو الممارسة وصناديق الاقتراع لا الحسابات الانتخابية".
انقلاب على الديمقراطية
من جهته يقول عبد العزيز أفتاتي البرلماني السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية إن تعديل القاسم الانتخابي "محاولة انقلابية على سيادة الشعب والدستور والخيار الديمقراطي"، مشيراً إلى أن معركتهم ضده هي "مواجهة لمحاولات تقويض تراكم ديمقراطي كان له الفضل في تجنيب المغرب مآسيَ تتخبط فيها دولٌ غيره اليوم".
ويرى أفتاتي في حديث مع TRT عربي أن إلغاء العتبة واحتساب القاسم الانتخابي على الأساس الجديد ينهيان ما يسمّى "الأغلبية الحكومية"، ويعتبره "عملية موجهة" من قبل جهات" لم يسمّها تسعى حسب تعبيره "من أجل صناعة أوضاع غير ديمقراطية تعيد المغرب عقوداً إلى الخلف".
ويعتقد المتحدث أن الجهات التي تقف وراء هذا التعديل لن تصل إلى مرادها "لأن إرادة الشعب تعلو ولا يعلى عليها مهما كانت ضراوة سياقات الثورات المضادة"، داعياً إلى التقيد بالدستور "من أجل صيانة التداول الديمقراطي".
كما يشدد على ضرورة مراجعة موقف حزبه من المكونات المسؤولة عما سمّاه "إرباك الانسجام الحكومي"، مع الاشتغال -بعد هذا التعديل- على إعادة ترتيب الخط السياسي للحزب وتموقعه وتحالفاته في المرحلة القادمة.
ويعتبر رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني التعديل الجديد استهدافاً لحظوظ حزبه "العدالة والتنمية" في الانتخابات المقبلة، وقال في كلمة خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني للحزب يوم السبت 20 مارس/آذار إنه "يتضمن تراجعات ديمقراطية تضعف المؤسسات المنتخبة"، مؤكداً أن "الحزب سيواصل التصدي له بجميع الوسائل الدستورية والقانونية والسياسية".
تراجُع يكرس السلطوية
الآراء حول التعديل الجديد ليست حبيسة السجال بين مكونات الأغلبية والمعارضة الموجودة داخل البرلمان المغربي، إذ توجد مكونات ثالثة عُرِفت بمقاطعتها للانتخابات ومعارضتها المطلقة للنظام السياسي في المغرب، لا تعتبر هذا التعديل ديمقراطياً، كما لا تراه في نفس الوقت تراجعاً على مستوى الديمقراطية.
وأبرز هذه المكونات حزب النهج الديمقراطي (يساري)، وجماعة العدل والإحسان (تنظيم إسلامي).
يقول محمد باسك منار عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان إن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين وليس على أساس المصوتين "تعديل شاذ ولا أساس له في التجارب الدولية المقارَنة"، مشيراً إلى أنه "نوع من التحكم القبلي في الانتخابات الذي من شأنه تحريف الاقتراع اللائحي النسبي".
ويعتقد منار في حديثه مع TRT عربي أن الهدف الأول من هذا التعديل هو رفع القاسم الانتخابي الذي على أساسه توزع المقاعد، وفي هذه الحالة يضيف المتحدث: "سيكون من الصعب تكرار ما حدث في انتخابات 2016 حيث فاز الحزبان المتصدران بأكثر من مقعد في عدد من الدوائر الانتخابية".
ويلفت القيادي في جماعة العدل والإحسان إلى أن مشكلة الانتخابات في المغرب لا تنحصر في هذا التعديل، أو في غيره من التعديلات التراجعية التي يكون الهدف منها الضبط القبلي للعملية الانتخابية، "بل أكبر من ذلك بكثير، إذ تأكد منذ أول انتخابات إلى الآن أن هذه العملية تسهم في تكريس السلطوية وتجديدها، ولا تسهم في تحقيق تحول ديمقراطي".
"لذلك فالقول إن في التعديل تراجع عن الديمقراطية قول غير صحيح"، يضيف منار موضحاً: "لأنه توجد فقط واجهة ديمقراطية لجوهر استبدادي"، ما يعني حسب المتحدث أنه "تعديل تراجعي في مسار انتخابي غير ديمقراطي".
ويرى أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض بمراكش باسك منار أن هذا التعديل "سيزيد المشهد السياسي المترهل في الأصل ترهلاً، وسيكرس تعددية حزبية مميعة قوامها أحزاب سياسية ضعيفة لا تملك القرار، ولا تعكس تعدداً في البرامج"، حتى تكون حسب المتحدث "أداة للتحكم لا وسيلة للتغيير".
يذكر أن المغرب احتل المركز الـ96 عالمياً من بين 167 دولة، وفق المؤشر العالمي للديمقراطية لسنة 2020 الذي صنّفه ضمن خانة “الأنظمة الهجينة”، وهي الأنظمة السياسية التي تعتمد على إجراء الانتخابات كأحد مظاهر الديمقراطية، مع استمرار الممارسات السلطوية في الوقت ذاته.