مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية، وقتل أكثر من 13 ألف فلسطيني، دعت الولايات المتحدة ومِن بَعدها مجموعة السبع إلى هدنة إنسانية، فيما دعت الأمم المتحدة مرات عدة إلى ضرورة "وقف إطلاق النار" في القطاع.
مطلبان رفضت إسرائيل الموافقة عليهما، وإن كان ظاهرهما يبدو متشابهاً إلا أن دلالاتهما السياسية وأبعادهما على تطورات الحرب على غزة مختلفة تماماً. فما الفرق بين "وقف إطلاق النار" و"الهدنة الإنسانية"؟
"وقف إطلاق النار" أم "هدنة إنسانية"؟
يبين حسام محمد أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما أن "الفرق بين دعوتَي مجموعة السبع والأمم المتحدة كبير جداً".
ويضيف في حديثه مع TRT عربي أن "الهدنة" عادةً ما تكون مؤقتة ومحدودة النطاق، فهي تعالج قضايا محددة، مثل توفير المساعدات الإنسانية للمستشفيات والمدنيين وما إلى ذلك.
ويشير إلى أن "وقف إطلاق النار يكون أوسع نطاقاً، وأطول إن لم يكن دائماً، ويعالج أموراً عدة تتجاوز العوامل الإنسانية".
وعن أسباب اختلاف موقفَي مجموعة السبع والأمم المتحدة، يرى محمد أن مجموعة السبع "تريد ببساطة أن تطلق يد إسرائيل في تنفيذ عملياتها بالشكل الذي يناسبها، ومتى شاءت، ومن دون أي قيود".
ويوضح أن "الأمم المتحدة مهتمة أكثر بالتوصل إلى نهاية دائمة للعملية العسكرية من كلا الطرفين، ربما عبر اتفاق"، وهذا "يجعل من الصعب على إسرائيل ضرب أهداف عندما ترغب في القيام بذلك، خصوصاً إذا كان الاتفاق يتضمن إطلاق سراح الرهائن".
ويعتقد محمد أن السبب في الدعوة الأمريكية إلى "الهدنة" دافعه أن "تستخدم واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد أي محاولة لتقييد إسرائيل، في حين ستقنع الولايات المتحدة حلفاءها في مجموعة السبع بمواصلة قصف الفلسطينيين في جميع المواقع من دون قيود حقيقية".
ويلفت إلى أنه بموجب الهدنة "إذا رأت إسرائيل في فترة التهدئة فرصة لضرب هدف ما، فإنها ستفعل ذلك من دون خرق لشروط التهدئة، وستصرّ على أنها لن توقف عملياتها بشكل كامل، لكنها ستسمح بوصول المواد الغذائية والسلع إلى مواقع مدنية معينة".
لماذا تفضل الولايات المتحدة "الهدنة"؟
خرجت في الولايات المتحدة الأمريكية عشرات المظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار الفوري، وارتفعت تهديدات ناخبين من جميع أنحاء البلاد بالامتناع عن التصويت في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 إذا لم يدعُ الرئيس جو بايدن إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ورغم تعرُّض بايدن لضغوط متزايدة محلياً وخارجياً بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل، فإنّ الولايات المتحدة لم تدعُ في أي مرة إلى وقف إطلاق النار، حتى إنّ الرئيس الأمريكي أعلن في تصريح صحفي أن إدارته ترفض دعوات وقف إطلاق النار، قائلاً: "لا يوجد احتمال لوقف إطلاق النار".
وهو ما يفسره محمد بأن واشنطن لا تساعد إسرائيل فحسب، بل "إن الولايات المتحدة شريك كامل في الحرب، بغض النظر عما يقوله عديد من السياسيين الأمريكيين، وهذا ما يدفع واشنطن إلى عدم طلب وقف إطلاق النار".
ويفترض محمد أن الولايات المتحدة سوف تُضطَرّ في مرحلة أو أخرى إلى تغيير مسارها والبدء في الضغط على إسرائيل، لكن في المرحلة الحالية فإنّ إسرائيل مستعدّة للموافقة على "هدنة" فقط، لذلك تدعم الولايات المتحدة هدنة إنسانية.
ويشير إلى أن "الولايات المتحدة عادة ما تتفاوض بشأن القضايا مع إسرائيل قبل إعلان موقفها. وحتى الآن، كل الضغوط الأمريكية على إسرائيل ليست أكثر من توصيات، مثل النظر في تقليل الخسائر في صفوف المدنيين، والتأكد من احترام إسرائيل للقانون الدولي".
ويرى الباحث في العلوم السياسية أن الولايات المتحدة تعطي إسرائيل الغطاء للقيام بما يسمى "الدفاع عن نفسها".
ويوضح أن "الهدنة الإنسانية هي كل ما بوسع الولايات المتحدة فعله في هذه المرحلة"، متوقعاً أنه "في اليوم الخمسين أو أكثر من الحرب قد تضغط الولايات المتحدة من أجل وقف إطلاق النار ولن يتمكن الإسرائيليون من الرفض".
ويفترض الباحث أن ما تدعو إليه الولايات المتحدة الإسرائيليين في هذه المرحلة هو "ضرورة المضيّ قدماً واستكمال عمليات القتل والتدمير في أقرب وقت ممكن"، مضيفاً أن "هذا أمر خطير حقاً لأنه يعني أن إسرائيل سوف تصبح أكثر شراسة في هجماتها، حتى يُطلَب منها التوقف، فإسرائيل لا تخوض سوى حروب قصيرة، ولا تستطيع تحمُّل تكاليف حروب طويلة تمتدّ لأشهُر أو سنوات مثل روسيا".
ماذا تعني "الهدنة" لإسرائيل؟
رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن دعوات القادة العرب لوقف إطلاق النار الفوري. وقال بلينكن خلال لقائه مع وزراء خارجية قطر والسعودية ومصر والأردن والإمارات في الأردن، أواخر الشهر الماضي، إنّ وقف إطلاق النار لن يسمح إلا بإعادة تنظيم صفوف حماس، ووعد بمحاولة إقناع إسرائيل بفترات توقف محدودة.
ويبدو أن إسرائيل تحاول دائماً فعل ما تريد من دون عواقب، لكنها قد تستمع إلى الولايات المتحدة أحياناً، كما يرى محمد.
ويعتقد أن حكومة نتنياهو ستصطدم، على الأرجح، مع بايدن في النهاية إذا حاول الضغط بجدية لوقف إطلاق النار قبل أن تكمل إسرائيل مهمتها في القضاء على حماس بوصفها قوة عسكرية وسياسية.
وهذا الافتراض يفسر "ليونة" بايدن في التعامل مع إسرائيل أكثر من غيره، ويوضح محمد أن "بايدن لا يريد مواجهة مع نتنياهو ولا يريد المخاطرة بمصداقيته في دعم إسرائيل، نظراً إلى أنه يحتاج إلى مؤيدين متعاطفين مع إسرائيل في الانتخابات القادمة".
ويلفت الباحث في العلوم السياسية إلى أن هناك فرضيتين تتوقفان على إقرار "الهدنة" أو "وقف إطلاق النار" عند تنفيذ إسرائيل مهمتها في القطاع.
ويتابع: "إذا ضغط العالم على إسرائيل لحملها على وقف إطلاق النار فإنها لن تكون قادرة على تحقيق هدفها المنشود المتمثل في القضاء على حماس، وربما تطهير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين عرقياً من غزة"، في حين أن "الهدنة تعني أن الحرب مستمرة لكنّ الإسرائيليين يسمحون ببعض الطعام للمدنيين قبل أن يُقتل بعضهم في الجولة التالية من الهجمات".
هل تساعد الهدنة الفلسطينيين؟
وقد يسمح مصطلح "الهدنة الإنسانية" الذي اختير لتجنب "وقف إطلاق النار" بتبادل الأسرى من الطرفين في مجموعات، كما سيسمح بإدخال المساعدات الدولية للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
ومع ذلك يعتقد أستاذ العلوم السياسية حسام محمد أن الهدنة الإنسانية أو التوقف المؤقت لإطلاق النار لن يساعد الفلسطينيين بشكل حقيقي، لكنه يمنح إسرائيل القدرة على الزعم بأنها تساعد المدنيين باعتبارها مجتمعاً "ديمقراطياً متحضراً".
في الوقت ذاته يقدر محمد أن الهدنة قد توفر مساعدة محدودة في القطاع، إذ "قد تساعد في الإغاثة المحدودة للمصابين بجروح خطيرة ومن يمكن نقلهم إلى مصر للعلاج، كما يمكن أن تسمح لبعض الشاحنات بإحضار المواد الغذائية إلى غزة".
ويلفت إلى أن "الهدنة" لن تسمح بدخول الإغاثة الدولية والمساعدة في انتشال الجثث تحت المباني، ولن تمنع خطر الأمراض المعدية التي يحتمل ظهورها بسبب وجود الموتى محاطين بها.
ويبدو أن إسرائيل وحلفاءها لا يهتمّون "إذا عاش أو مات الفقراء في غزة ما داموا لا يمثلون أي تهديد أو إزعاج للإسرائيليين"، حسب محمد.