تابعنا
يرى خبراء ومحللون سياسيون أن إجراء التحقيق "ملاحقة سياسية" من الجمهوريين من أجل خلق عناوين سلبية لإيذاء الرئيس الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية 2024.

بعد 3 أشهر من المحاولة الأولى صوّت الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي لإضفاء الطابع الرسمي على تحقيق قد يؤدي إلى عزل الرئيس جو بايدن، رغم مخاوف بعض أعضاء الحزب الجمهوري من أن التحقيق لم يتوصل بعدُ إلى أدلة على "سوء" سلوك بايدن المالية وتورطه في التعاملات التجارية مع ابنه.

وصوّت 221 عضواً من الحزب الجمهوري، الأربعاء 13 ديسمبر/كانون الأول الجاري، لصالح مشروع القانون مقابل 213 ديمقراطياً، مما يعني أن مجلس النواب أصدر قرار التحقيق على أساس حزبي، مع تصويت جميع الجمهوريين لصالح الإجراء وتصويت جميع الديمقراطيين ضدّه.

وفي مؤتمر صحفي أمام البيت الأبيض قال بايدن بعد التصويت: "بدلاً من القيام بأي شيء للمساعدة في تحسين حياة الأمريكيين يركزون على مهاجمتي بالأكاذيب".

وأضاف بايدن: "بدلاً من القيام بعملهم في العمل العاجل الذي يتعين القيام به فإنهم يختارون إضاعة الوقت في هذه الحيلة السياسية التي لا أساس لها والتي يعترف حتى الجمهوريون في الكونغرس بأنها لا تدعمها الحقيقة".

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن إجراء التحقيق "ملاحقة سياسية" من الجمهوريين من أجل خلق عناوين سلبية لإيذاء الرئيس الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية 2024.

تحركات جادة

منذ نحو عام حاول الجمهوريون في مجلس النواب التحقيق في مزاعم عن مخالفات ارتكبها الرئيس الأمريكي وتورطه في تعاملات تجارية مشبوهة مع نجله هانتر بايدن، وتعاطيه رشوة حينما كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما.

وزعم الجمهوريون في مجلس النواب أيضاً بوجود تدخل سياسي من وزارة العدل في قضية هانتر بايدن الجنائية من دون تقديم أي إثباتات.

وقبل 3 أشهر دعا رئيس مجلس النواب آنذاك، الجمهوري كيفين مكارثي، إلى فتح تحقيق لعزل الرئيس بعد ضغوط كثيرة من اليمينيين في المجلس.

بدأ حينها الجمهوريون التحقيق بشكل غير رسمي، لكن التصويت الأخير يضفي طابعاً رسمياً عليه، مما يجبر البيت الأبيض على التعاون، خصوصاً مع رفضه في السابق تسليم معلومات إلى الجمهوريين وتشكيكه في شرعية التحقيق من دون تصويت رسمي.

وكانت مجموعة من الجمهوريين المعتدلين قد شكّكت في وقت سابق من العام حول ما إذا كانت هناك أدلة كافية لبدء التحقيق والمساءلة في المعاملات التجارية لعائلة بايدن.

وفي الأسابيع الأخيرة كان بعض الجمهوريين في مجلس النواب، وخصوصاً أولئك الذين ينحدرون من مناطق مقسمة سياسياً، التي فاز فيها بايدن في الانتخابات الرئاسية 2020، مترددين في إجراء تصويت على عزل بايدن، خوفاً من تكلفة سياسية كبيرة.

ويرى الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري أن رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون "قد أُجبر على القيام بذلك من قبل الأعضاء الأكثر تطرفاً في حزبه، وأصبح ذلك اختباراً لولاء الجمهوريين في مجلس النواب من عدمه".

وفي حديثه مع TRT عربي يضيف مكيري أن "هؤلاء النواب الذين دُفِعوا لتغيير آرائهم، سواء خوفاً من التكلفة السياسية أو بسبب شكوكهم لعدم وجود أدلة حقيقية، يقنعهم القادة الجمهوريون أن الأمر مجرّد تحقيق وليس عزلاً كاملاً في هذه المرحلة، إذ من المحتمل أن بعض الأعضاء الجمهوريين الذين دعموا التحقيق قد لا يصوتون فعلياً لعزل بايدن".

قرارات عزل سابقة

قبل بايدن، جرى رفع قرارات عزل رسمية في مجلس النواب ضد عديد من الرؤساء السابقين، لم يؤخذ سوى القليل من هذه المحاولات على محمل الجدّ، وعدد قليل تحول إلى تحقيقات كاملة، 4 منها فقط أدت إلى محاكمات عزل في مجلس الشيوخ.

ولم تجرِ إدانة أي رئيس وعزله من منصبه في محاكمة عزل، من بينهم أندرو جونسون 1867، وبيل كلينتون 1998، ودونالد ترمب، في عامي 2019 و2021، أما ريتشارد نيكسون فبينما كان مجلس النواب يستعد للتصويت على مواد المساءلة لعزله، استقال في عام 1974.

ويبيّن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ويبستر، ويليام هال، أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية، وهو القانون الأعلى للولايات، ينص ويحدد الإجراءات والظروف المحددة التي يجوز بموجبها أن يجري عزل رئيس الولايات المتحدة من منصبه قانونياً وبموجب أحكام.

ويضيف هال لـTRT عربي أنه "لم يكن قَط في نية الآباء المؤسسين أو أحكام الدستور الأمريكي النص على عملية إقالة الرئيس من خلال تطبيق عملية الإقالة لأغراض سياسية بحتة".

وأردف: "في رأيي وتفسيري للمادة الثانية من دستور الولايات المتحدة، جرى إنشاء عملية الإقالة لتوفير عملية عزل الرئيس لارتكابه فعلياً جريمة كبرى أو جنحة، وليس لاستخدامها كعملية ومحاولة ذات دوافع سياسية للعثور على أعمال إجرامية محتملة أو سلوك محتمل يمكن تفسيره على أنه إجرامي".

ويذكر أستاذ العلوم السياسية تاريخياً أنه لم يجرِ استخدام أو تطبيق عملية المساءلة إلّا بعد اكتشاف أدلة موثوقة على ارتكاب مخالفات إجرامية من جانب الرئيس، وليس لاستخدامها في محاولة ذات دوافع سياسية للعثور على أو اكتشاف أدلة على ارتكاب مخالفات أو سلوك إجرامي محتمل.

ويلفت هال إلى أن "القيام بذلك، وفق تفسير المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة، من شأنه أن يحبط نية الدستور وأحكامه، كما أنه يشكل سابقة خطيرة للغاية، ويصدق هذا بشكل خاص في ضوء توقيته خلال حملة الانتخابات الرئاسية".

"النواب" مقابل "الشيوخ"

منذ استعادتهم السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية في عام 2022 تعهد الجمهوريون بملاحقة الرئيس بايدن وعزله من منصبه.

ومع ذلك، لكي يجري عزل الرئيس من منصبه لا بدّ أن يمرّ بسلسلة من الإجراءات، ويوضح مكيري أنه في البداية سيكون هناك تحقيق، ومن ثم من المحتمل أن يجري التصويت داخل مجلس النواب على عزل الرئيس، "وهو ما يمثل مجرد توجيه اتهامات ضد الرئيس".

وبعد ذلك يجري تصعيد الأمر إلى مجلس الشيوخ، وسيقرر مجلس الشيوخ ما إذا كان سينظر في الاتهامات ويُجري محاكمة ويصوت لإقالة بايدن من منصبه.

ويرى الباحث السياسي أنه "نظراً إلى الأغلبية الضيقة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، يوجد احتمال ضئيل أنه لن يعزل الرئيس في مجلس النواب، بعض الأعضاء الجمهوريين الذين دعموا التحقيق قد لا يصوتون فعلياً لعزل بايدن، لعدم وجود أدلة أو خوفاً من التكلفة السياسية".

أما في حال نجح التصويت لعزل بايدن في مجلس النواب، يستبعد مكيري تماماً أي فرصة لعزله من قبل مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون.

ويلفت إلى أنه "لا توجد أي فرصة على الإطلاق لإدانة مجلس الشيوخ لبايدن أو عزله بهذه الاتهامات، إذ يتطلب الأمر تصويت الأغلبية في مجلس الشيوخ لعزله، وبما أن الأغلبية للديمقراطيين فلن يجري التصويت على عزله".

نتائج عكسية

يستعدّ بايدن لخوض مباراة العودة في الانتخابات الرئاسية 2024 مع دونالد ترمب، الذي يواجه 91 تهمة جنائية موزعة على أربع لوائح اتهام، وفي الوقت نفسه يضمن التصويت على فتح تحقيق لعزله أن يمتدّ الأمر لأشهر طويلة تؤثر سياسياً في سير العملية الانتخابية لبايدن.

ورغم أن مكيري يعتقد أن التحقيق لن يكون له تأثير كبير في حظوظ بايدن الانتخابية، "لأنه يُنظر إليه على أنه عمل حزبي وسياسي صريح"، فإنه قد يساهم في خلق عناوين سلبية لإيذاء الرئيس سياسياً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، على حد قوله.

ويلفت إلى أن الأمور قد تنقلب لصالح الرئيس بايدن، كما أنه من الممكن أن يأتي التحقيق بنتائج عكسية على الجمهوريين، "لأنه يظهر للناخبين أنهم يضيعون الوقت في ممارسة السياسة بدلاً من محاولة حل المشكلات الفعلية، ولن يكون لديهم فرصة حقيقية لعزل الرئيس".

TRT عربي