يساهم نجاح الانتخابات المقبلة في بناء نظام فدرالي يحكم العلاقة بين المركز والأقاليم، ويعمل على تطوير نظام الحكم، وإيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والبطالة وترتيبات الأمن، وتخفيف حدة التوتر بين الأحزاب والعشائر المتناحرة على السلطة.
تعاني الدولة الصومالية منذ ثلاث عقود أزمات سياسية وتهديدات أمنية، لعبت فيها الحرب الأهلية بين العشائر والقبائل الدور الأكبر، وزادت من حدتها التدخلات الدولية والإقليمية والتنافس على الموقع الاستراتيجي الهام للصومال في القرن الإفريقي.
انسحاب القوات الامريكية وتمدد حركة الشباب الصومالية
ظلت القوات الأمريكية المتمركزة على الساحل الصومالي تشن ضربات حدت من تمدد حركة الشباب الصومالي التي لم تتوقف عملياتها ومحاولة سيطرتها على معظم الريف الصومالي، ولقد كانت آخر عملياتها وسط العاصمة مقديشو مستهدفة فندقاً يتردد عليه السياسيون. ويخشى المراقبون آثار قرار الرئيس الأمريكي السابق ترمب في آخر أيامه بانسحاب قوات البحرية الأمريكية من الصومال، بأن يكون لذلك القرار أثر سالب على معادلة الأمن وازدياد العمليات التي تشنها حركة الشباب، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد له منتصف فبراير/شباط2021. وقد عبَّر الرئيس الصومالي عن عدم رضاه عن سحب القوات الأمريكية وضرورة استمرار الشراكة الأمنية من أجل دعم للحكومة.
كان قرار سحب القوات الأمريكية من الصومال من أشد القرارات التي اتخذتها إدارة ترمب تجاه الصومال من الناحية الأمنية، وهو ما اعتبره الكثير من الصوماليين تقويضاً لجهود استقرار البلاد وقد يغذي حركة "الشباب" المسلحة، إذ يأمل الشارع الصومالي أن تعيد إدارة بايدن الوحدات الأمريكية إلى الصومال.فوجود الوحدات الأمريكية في البلاد كان يشكل دافعاً قوياً ضمن جهود محاربة الإرهابيين.
قررت إدارة ترمب في أيامها الأخيرة سحب قواتها البالغ عددها 700 عنصر من الصومال، ولقد اكتمل سحب هؤلاء الجنود الجمعة الماضية.وكانت مهمة القوات الأمريكية مساعدة القوات الصومالية لمواجهة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة وبعض فلول تنظيم داعش المتخفية في جبال شمال شرقي البلاد.وتقدم الوحدات الأمريكية الدعم للقوات المشتركة بمعلومات استخباراتية إلى جانب الغارات الجوية،فغياب دور الوحدات الأمريكية على الأرض سيؤثر على العمليات العسكرية ضد مقاتلي "الشباب". ومنذ سنوات يخوض الصومال حرباً ضد "الشباب" التي تأسست مطلع 2004، وهي حركة مسلحة تتبع فكرياً تنظيم "القاعدة" وتبنت العديد من العمليات الإرهابية التي أودت بحياة المئات.
يتطلع الصوماليون كذلك إلى ولاية الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن بتفاؤل حذر، معربين عن أملهم أن تكون مغايِرة لسياسة سلفه دونالد ترمب تجاه بلادهم.واستهل بايدن فور أدائه اليمين الدستورية بتوقيع عدة قرارات ألغى بموجبها قرارات كان اتخذها ترمب، ومنها مرسوم ينص على رفع قيود السفر عن بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة ومن بينها الصومال.فلقد رحلت إدارة ترمب منذ انتخابها 2017 نحو 600 مواطن صومالي من الولايات المتحدة نتيجة الإجراءات الصارمة لترمب ضد المهاجرين غير الشرعيين.كما أثر قرار حظر دول إسلامية من السفر إلى الولايات المتحدة سلباً على آلاف الصوماليين بمعسكرات اللاجئين في كينيا وأوغندا، وذلك بعد اجتيازهم آخر الاختبارات للسفر إلى الولايات المتحدة ضمن البرنامج الأمريكي لإعادة توطين اللاجئين.
ظلت الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي يقدمان السند للدولة الصومالية بعد الانتخابات التي أجريت في 2012 وإقرار دستورها المؤقت، وتمركزت قوات الاتحاد الإفريقي بالصومال تساندها قوات امريكية تصدت مراراً لهجمات حركة الشباب الصومالي ومكنت الحكومة الصومالية من تجاوز صعوبات أدائها لإعادة مؤسسات الدولة بعد غياب نحو عقدين.
أرض الصومال وتوتر العلاقات الصومالية-الكينية
دأبت "أرض الصومال" التي أعلنت استقلالها عام 1990 ولم يُعترف بها دولةً في المجتمع الدولي، على تمثيل عامل شد وجذب في علاقات دولة الصومال مع الدول التي تتعامل رسمياً مع "أرض الصومال". وهو الأمر الذي يشكل عامل توتر في العلاقات بين الصومال وجارتها كينيا التي تمثل سنداً لما تسمى "جمهورية أرض الصومال" مما يجدر ذكره، فقد أعلنت ما يعرف "بجمهورية أرض الصومال" استقلالها من طرف واحد بعد سقوط الرئيس سياد بري في 1990.
أعلنت الحكومة الصومالية منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي قطع علاقتها الدبلوماسية مع كينيا بسبب ما سمته التدخل الكيني في الشؤون الداخلية للصومال. وجاء ذلك عقب زيارة أجراها السيد موسى بيهي رئيس "أرض الصومال" إلى كينيا، في زيارة أخذت طابعاً رسمياً مما زاد حدة التوتر الذي سبقته اتهامات بدعم كينيا لقوات متمردة على الحدود بين البلدين.
أعرب الصومال عن "الرفض القاطع" لما ورد في تقرير لجنة تحقيق "إيغاد" الذي برَّأ كينيا من اتهامات بالتدخل في شؤونه الداخلية. ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي شكَّلت الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا "إيغاد" لجنة مكونة من 7 أعضاء للتحقيق في "التدخل الكيني" بشؤون الصومال على خلفية شكوى رفعتها مقديشو. واعتبر وزير الإعلام الصومالي محمد عثمان أن نتائج التحقيق "أظهرت عدم حيادية اللجنة بل انحيازها التام إلى كينيا على حساب الصومال. وفي بيان لوزارة الخارجية الصومالية، أشارت الوزارة إلى "فقدان الصومال ثقته" بقدرة القوات الكينية المنضوية ضمن بعثة حفظ السلام الإفريقية "أميصوم" في المساهمة بالجهود الدولية لإعادة استقراره. وقال البيان: "لا يمكن للقوات الكينية العمل على دعم جهود استقرار الصومال وتأجيج صراعات محلية في آن واحد". وجدد البيان رفض الصومال تقرير لجنة "إيغاد"، مطالباً "بإلغائه لانحيازه إلى كينيا واستبدال لجنة أخرى بها مكونة من دول عدة لإجراء تحقيق عادل.
الأقاليم الصومالية والتداخل مع دول الجوار
تعاني جمهورية الصومال عوامل شد بأطرافها مع كينيا في الجنوب في إقليم جوبا وإثيوبيا في الشمال عند إقليم بونتلاند، وظل إقليم بونتلاند متمرداً على المركز ويجري الاتفاقيات على المواني بعيداً عن سلطة الحكومة المركزية بمقديشو، وعلى سبيل المثال ما جرى من اتفاقيات مع شركات إماراتية لتطوير مواني بونتلاند. وكانت الأقاليم الغربية والشمالية عند الحدود مع إثيوبيا عرضة للجفاف والفقر وأرضاً للحروب بين الدولتين، كما كانت ساحة للصراع الأيديولوجي بين المعسكرين الشرقي والغربي بعهد الرئيس الأسبق الإثيوبي منقستو وسياد بري في الصومال. ثم تبعتها حرب القبائل الصومالية التي أعقبها تدخل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وتشكيل حكومة مركزية بعد انتخابات عامة في 2012.
الحكومة الصومالية وتحديات الاستقرار والانتخابات
كلف الرئيس الصومالي محمد فرماجو في سبتمبر/أيلول 2020 رئيس الوزراء الجديد محمد حسين روبلي تشكيل الحكومة التي صدَّق البرلمان الصومالي على تشكيلها وبرنامج عملها، الذي يرتكز على تنظيم الانتخابات المحدد لها فبراير/شباط 2021، والعمل على بناء مناخ استقرار سياسي ودفع عجلة التنمية، مستفيدة من جهود الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وتظل أكبر تحديات حكومة روبلي قضية الأمن وتوفير قدر مناسب من التناغم مع حكومات الأقاليم التي بدأ بعضها على غير انسجام مع المركز.
دعا الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو السبت لاجتماع تفاوضي بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، حول الانتخابات في البلاد. جاء ذلك عقب اجتماع استثنائي عقده مع ممثلي مجموعة "الشركاء الدوليين" بالقصر الرئاسي، ضمن جهود حلحلة الخلافات السياسية التي تعوق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وسيعقد الاجتماع في مدينة طوسمريب بولاية جلمدغ (وسط) وسيستمر 3 أيام تبدأ الاثنين 1 فبراير/شباط وتنتهي الأربعاء 3 فبراير/شباط. وستجرى المفاوضات طبق مخرجات المؤتمر التشاوري الذي عقد في 17 سبتمبر/أيلول الماضي. كما سيدعو الرئيس البرلمان بمجلسيه (الشعب والشيوخ) إلى جلسة طارئة في 5 فبراير/شباط لبحث الأوضاع العامة بالبلاد وآخر مستجدات الانتخابات. وحتى الآن لم يحدد سقف لإجراء الانتخابات التشريعية في البلاد، وتعزى أسباب التأجيل إلى الخلافات العالقة بين الحكومة من جانب ورؤساء الأقاليم والمعارضة من الجانب الآخر. وتسود الصومال حالة من الاحتقان السياسي نتيجة خلافات بين الحكومة من جهة ورؤساء الأقاليم والمعارضة من جهة أخرى حول إجراءات الانتخابات البرلمانية في البلاد، أدت إلى تأجيلها أكثر من مرة.
ومما يزيد التحدي أمام الحكومة المركزية زيادة وتيرة العمليات العسكرية بين الجيش الفدرالي وقوات إقليم جوبا على الحدود الكينية. وتجدد عمليات التفجيرات والاعتداءات التي تبنتها حركة الشباب حول العاصمة مقديشو، في وقت بذلت حكومة فرماجو جهوداً مقدرة لبناء علاقات خارجية، مستفيدة من الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة وبرنامجها للصومال والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، فضلاً عن علاقتها مع الاتحاد الأوروبي وتركيا والصين كما، بذلت جهوداً كبيرة للاستفادة من الوجود الصومالي في المهجر، بخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وبرامج التعاون التي أبرمتها مع كل من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر.