وإجراء مشاورات لتحديد مسارات الحوار الوطني وقيادة اتفاق ووفاق، استناداً إلى مخرجات اتفاقية 17 سبتمبر/أيلول الماضي في مدينة طوسمريب، حيث يقضي اتفاق 17 سبتمبر/أيلول بإجراء انتخابات غير مباشرة للرئيس، وذلك بقيام مندوبين من الأقاليم باختيار أعضاء البرلمان، ومن ثم يقوم البرلمان باختيار الرئيس. جاءت هذه الخطوة بعد جدل وتوتر سياسي استمر لأكثر من شهرين، وضغوط دولية وداخلية تطورت إلى مواجهات عسكرية ذات طابع سياسي في الصومال، كادت أن تعصف بالاستقرار السياسي وتعود بالصومال إلى عهد الحرب الأهلية في البلاد التي تعاني من الهشاشة السياسية والأمنية.
كان الرئيس الصومالى المنتهية ولايته فى فبراير/شباط الماضي عبد الله فرماجو قد أربك المشهد السياسي فى الصومال، وأقلق المجتمع الإقليمي والدولي، بعد أن وقع مرسوماً مدد به أجل المؤسسات التنفيذية والتشريعية لمدة عامين. وتأجيل الانتخابات التي كان من المقرر أن تجري في فبراير/شباط الماضي بالانتخاب غير المباشر. وفي 12 أبريل/نيسان صادق البرلمان الصومالي على تمديد ولاية الرئيس لمدة عامين، وكذلك تمديد أجل البرلمان لعامين، على أن تجرى الانتخابات بالاقتراع العام المباشر في 2023، الأمر الذي رفضته المعارضة الداخلية والمجتمع الدولي، وأدى إلى احتقان في المشهد السياسي الصومالي، وتطور إلى انقسام سياسي وأمني داخل العاصمة مقديشو، ومن ثم تحول إلى مواجهات مسلحة بين مقاتلين مسلحين تابعين للمعارضة والجيش الحكومي. فقد عمت اشتباكات عديدة أحياء واسعة من العاصمة، ممَّا أعاد إحياء المخاوف من اندلاع معارك بين الفصائل المتناحرة.
يعيش الصومال أزمة سياسية عميقة منذ النصف الثاني من العام الماضي، بعد فشله في إجراء انتخابات أواخر 2020 ومطلع 2021 كما هو مخطط بسبب غياب الإجماع السياسي. فيما أبدت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وواشنطن القلق من تصاعد العنف. الأمر الذي حمل الرئيس فرماجو على التخلي عن موقفه الداعي لتمديد فترته الرئاسية، ودعوة البرلمان إلى اجتماع السبت للموافقة على القرار وإنهاء الاحتقان وعودة الهدوء الحذر إلى مقديشو.
تحديات سياسية وأمنية أمام رئيس الوزراء
توجد الكثير من التحديات الأمنية والسياسية في طاولة رئيس الوزراء الصومالي محمد حسن ربل المكلف بقيادة العملية السياسية والأمنية، من أجل إنهاء الانقسام السياسي وإعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين بمختلف مكوناتهم العشائرية والقبلية وأحزاب المعارضة في الحكومة الفيدرالية وحكام الأقاليم. فالاستقرار السياسي في الصومال يمثل تحدياً لدى الأوساط الدولية والداخلية على حد سواء، كما أن الوضع الأمني يمر بمسار معقد بعد أن تمردت بعض القيادات الأمنية من الشرطة الفيدرالية والجيش ضد قرار الرئيس القاضي بالتمديد. إضافة إلى أن التقاطعات الدولية والتدخلات فى الشأن الصومالى تعتبر أكثر تعقيداً من إشكالات الداخل، ولكن يتوقع مراقبون للشأن الصومالى نجاح محمد ربل في قيادة المرحلة القادمة، حيث إنه يمثل إجماعاً وطنياً لكونه لم يكن ضمن المرشحين للرئاسة، فلذلك فإن قيادته للعملية السياسية والأمنية للانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستتسم بالحيادية.
مسار الانتخابات الصومالية
ثلاثة عقود لم يشهد الصومال فيها استقراراً سياسياً بعد إسقاط حكم الجنرال محمد سياد برى فى يناير/كانون الثاني 1991 من القرن الماضي، حيث تبع ذلك انهيار الدولة المركزية، واندلاع الحرب الأهلية التى حولت الصومال إلى واحد من أفقر دول العالم وأكثرها هشاشة واحتراباً، جرت محاولات عدة لإعادة الدولة وأجهزتها، ولكن فشلت جميع الجهود لإقامة حكومة موحدة في البلاد حيث أعلن الأقليم الشمالي انفصاله تحت اسم (جمهورية أرض الصومال)، ودخلت بقية الأقاليم والمحافظات في حرب أهلية مريرة. وكانت أول محاولة لحكومة مركزية فى الصومال فى عام 2004 عندما أُعلنت الحكومة الفيدرالية الانتقالية في نيروبي، ولكن كان دخولها لمقديشو كان أمراً صعباً، لذلك لجأت إلى أن تؤسس مقرها في بيدوا. و في بدايات عام 2006 تأسس اتحاد إعادة السلام ومكافحة الإرهاب من أمراء الحرب العلمانيين في مقديشو، لمجابهة القوة المتنامية لاتحاد المحاكم الإسلامية. هذا، وتجرى الانتخابات الصومالية بصورة غير مباشرة، حيث يختار زعماء العشائر فى الولايات نواب البرلمان، ويختار البرلمان رئيس الحكومة، فى عملية سياسية معقدة تتحكم فيها القبلية والعشائرية.
المطامع والتأثيرات الدولية في الصومال
تتقاطع في الصومال الصراعات والنزاعات القبائلية داخلياً مع الأطماع الخارجية، المتمثلة في التدخل الإقليمي والدولي، لتنتج دولة مهترئة وممزقة خارجة عن التصنيف الدولي في ما يخص التعليم والصحة والحكم الرشيد. وهذا الوضع جعلها مكاناً خصباً للأطماع الدولية. فبالإضافة إلى التدخلات الإقليمية المتمثلة فى إثيوبيا وكينيا هنالك تدخلات من أمريكا والإمارات وإسرائيل ممَّا يزيد من تعقيد الوضع السياسى. ويرى مراقبون بأن الرئيس المنتهية ولايته فرماجو واجه صعوبات كثيرة فى محاولاته إضعاف الدور الإقليمي فى الصومال، حيث طرد السفير الكينى في مقديشو بعد اتهام كينيا بالتدخل فى انتخابات ولاية جوبالاند واستدعاء مبعوثها في نيروبي. أما التمويل الخارجي الذي تحظى به التنظيمات المتشددة المسلحة هناك، وعلى رأسها حركة الشباب ، أسهم في تعميق حالة عدم الاستقرار التي يعيشها الصومال.
وكان الدور الإسرائيلي واضحاً منذ التسعينيات من القرن الماضي، حين استغلت إسرائيل مدخل العمل الإنساني وأقامت علاقات مع بعض قادة الفصائل الصومالية والجبهات المسلحة، وبدأت جمعيات ومنظمات صهيونية أمريكية، وجماعات تبشيرية يهودية، من بينها شهود يهوه، بدور مهم في عمليات تبشيرية منتظمة تحت غطاء المساعدات الإنسانية في أكثر من منطقة في الصومال، حسب ما ذكرت دراسة لمركز مقديشو للدراسات، وأن إسرائيل كانت تسعى لتقسيم الصومال بالاعتراف باستقلال أرض الصومال، لولا موقف الجامعة العربية الرافض لتقسيم البلاد.
الصومال إلى أين؟
لا يزال الاحتكاك السياسي بين مقديشو والولايات الإقليمية في ذروته، وينذر بعواقب وخيمة تهدد عملية المسار الفيدرالي في الصومال. حيث لا ترتبط الحكومة المركزية بأي علاقة اتصال مع الأقاليم الفيدرالية ما عدا أقاليم جنوب غرب الصومال. وتبقى حركة الشباب المجاهدين المعادلة الأكثر صعوبة أمنياً في الصومال، وستبقى الحركة ما بقيت التدخلات الخارجية. وما دامت المجاعات والمآسي حاضرة، فإن الصومال لن يخرج من دائرة عدم الاستقرار والاحتراب بانتخابات تنتج حكومة تكون سيطرتها محدودة حتى داخل العاصمة مقديشو، في وقت تظل فيه السيطرة العشائرية والقبائلية أكبر مهدد للمسيرة السياسية فى البلاد. فالصومال في حاجة ماسة إلى وحدة أبنائه، والعون والمساعدة المخلصة من أصدقائه.