تابعنا
استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن، من 9 حتى 11 يوليو/تموز الجاري، قمة حلف الشمال الأطلسي، التي تأتي هذه المرة احتفالاً بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس التحالف، وإظهاراً للقوة والوحدة المتواصلة لأعضائه الاثنين والثلاثين، حسبما أوضح بيان القمة.

ولم يكن هذا هو الطابع الوحيد الذي طغى على قمة الناتو، إذ أتت في سياق دولي استثنائي، يعيش فيه العالم على صفيح ساخن بسبب الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة. إضافةً إلى أنها أول مرة يجتمع فيها الحلف في صيغة 32 عضواً، بعد انضمام كلٍّ من فنلندا والسويد إليه.

وكان لهذه الملفات الساخنة تأثير واضح في مجريات القمة وفي مخرجاتها، إذ دفعت القادة الحاضرين إلى إصدار عدد من القرارات التي كانت حتى وقت قريب خطوطاً حمراء يَحذر الحلف تخطيها.

دعم واسع لأوكرانيا

في بيانها، تعهدت قمة واشنطن بتعزيز علاقة الناتو بأوكرانيا، وذلك بحضور الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، من أجل مناقشة مزيد من الدعم من الحلف لأوكرانيا في معركتها المتواصلة لحماية حريتها وسيادتها وسلامة أراضيها، وذلك من خلال تدابير جديدة من ضمنها مساعادات عسكرية واقتصادية مهمة.

ويوم الأربعاء، تعهّد قادة دول حلف شمال الأطلسي، بمنح أوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار يورو خلال العام المقبل، لمساعدتها في الحرب مع روسيا. وتشمل هذه المساعدات أسلحة تُمنح لأول مرة للبلد الذي يشهد حرباً منذ عام 2022، وكانت حتى وقت قريب محظورة عليه.

ومن ضمن هذه الأسلحة مقاتلات F-16 الأمريكية، التي لطالما طالبت بها كييف ولم تنلها. وأكد رئيس الوزراء الهولندي ديك شوف، ونظيرته الدنماركية ميتي فريدريكسن، أن "عملية نقل" طائرات F-16 إلى كييف جارية بعد أشهر من تدريب الطيارين والمفاوضات السياسية.

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إن الإمدادات التي طال انتظارها من طائرات F-16 هي جزء من "حزمة كبيرة" من الدعم لأوكرانيا، التي تشمل أيضاً التبرع بأربعة أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت، والتدريب الذي يجريه حلف شمال الأطلسي للقوات الأوكرانية.

وعلاوة على الدعم العسكري، تعهّد قادة الناتو بدعم "مسار لا رجعة فيه" لانضمام كييف إلى الحلف، رغم أنه لم يجرِ الاتفاق على جدول زمني رسمي لانضمام أوكرانيا إلى التحالف العسكري خلال القمة. وقال أعضاء الحلف في بيانهم: "إن مستقبل أوكرانيا يكمن في حلف شمال الأطلسي. وسنواصل دعمها في مسارها الذي لا رجعة فيه نحو تحقيق التكامل الأوروبي الأطلسي الكامل، بما في ذلك عضوية حلف شمال الأطلسي".

في المقابل، طالب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دول الحلف برفع جميع القيود المفروضة على أوكرانيا لاستهداف الأراضي الروسية بأسلحة غربية. وقال زيلينسكي: "إذا أردنا أن نفوز وندافع عن بلادنا، علينا رفع كل القيود".

ورداً على هذا، ذكرت صحيفة الإندبندنت أن وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، أعطى كييف الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ "ستورم شادو" في ضرب مواقع في عمق الأراضي الروسية.

في السياق نفسه، أعلن بيان مشترك بين الولايات المتحدة وألمانيا، عزم واشنطن على نشر صواريخ كروز من طراز توماهوك وأسلحة أخرى بعيدة المدى على الأراضي الألمانية بشكل مؤقت اعتباراً من عام 2026، ذلك من أجل تعزيز الردع العسكري من جانب الولايات المتحدة لحماية الدول الأوروبية الشريكة في الحلف ضد أي تهديد روسي.

ورداً على هذا، اتهم المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الناتو الذي يختتم قمته في واشنطن الخميس، بأنه أصبح الآن "منخرطاً بشكل كامل في الصراع في أوكرانيا". وحذّر من أن نشر صواريخ بعيدة المدى في ألمانيا يمثل "عودة كلّ سمات الحرب الباردة، مع احتمال مواجهة مباشرة".

غزة.. نقطة خلاف كبيرة!

وألقت حرب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة بثقلها أيضاً على قمة الناتو المختتمة أطوارها يوم الخميس، بل كانت النقطة الخلافية الأكثر سخونة بين الأعضاء. حيث يواجه الدعم الأمريكي الكبير للاحتلال الإسرائيلي، ومساعي دفع الناتو نحو تعزيز تعاونه مع إسرائيل، انتقادات شديدة من عدد من قادة الحلف.

ومن أبرز من هاجموا هذه المساعي، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شدد على أن أنقرة لن توافق على أي تعاون بين حلف شمال الأطلسي وإسرائيل، إلا بعد تحقيق السلام الشامل في فلسطين.

واتهم أردوغان نتنياهو بتعريض الإسرائيليين والمنطقة بأكملها للخطر بسياساته التوسعية والمتهورة.

ودعا الرئيس التركي جميع حلفاء الناتو إلى زيادة الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي المتشدد، من أجل ضمان وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية دون انقطاع إلى غزة المحاصرة.

وعلى نفس طول الموجة أتت تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشير، قائلاً: "إذا كنا نخبر شعبنا بأننا ندعم أوكرانيا لأننا ندافع عن القانون الدولي، فيتعين علينا أن نفعل الشيء نفسه بالنسبة لقطاع غزة. وإذا كنا نطالب باحترام القانون الدولي في أوكرانيا، فيتعين علينا أن نطالب به في قطاع غزة أيضاً".

وكتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، في خلفية المداولات العاجلة التي يُجريها حلف شمال الأطلسي بشأن أوكرانيا، أنه يلوح في الأفق صراع آخر كبير، هو الحرب في غزة. مشيرةً إلى تعالي الانتقادات بشأن الكيل بمكيالين في الموقف الغربي ما بين الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة.

ماكرون.. الحاضر الغائب

من ناحية أخرى، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحاضر الغائب خلال قمة الأطلسي. وهو ما انتبهت إليه أيضاً صحيفة لوموند، التي كتبت أن "ماكرون يتجنب الظهور في قمة الناتو"، مشيرةً إلى وصوله السري إلى القمة ورفضه الظهور في مؤتمر صحفي كان مقرَّراً.

وأرجعت الصحيفة حرص ماكرون على الظهور بشكل خافت، وهو الذي يحب عادةً خلق الحدث في مثل هذه المناسبات، إلى الأزمة السياسية التي تشهدها فرنسا عقب حل الجمعية الوطنية، والتي رغم إجراء الانتخابات التشريعية لا تزال الضبابية تلف هوية الحكومة التي ستقود البلاد في المرحلة القادمة.

وتُقلق هذه الضبابية حلفاء فرنسا في الناتو، خصوصاً بعد التغييرات الجذرية في السياسة الخارجية للبلاد التي توعد بها تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، الذي فاز في الانتخابات. وعقب انتهاء القمة، قال ماكرون للصحفيين: "أكدت لجميع الحلفاء أن فرنسا ستحافظ على الخط في أوروبا والحلف وفي دعمها لأوكرانيا، لأن القوى السياسية التي تشكل الأغلبية في الجمعية الوطنية تؤيد تلك الخطوط".

وتقود فرنسا تحالفاً لشراء وتنسيق الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى التي ستدعم بها أوكرانيا، ووعدت بتقديم طائرات ميراج مقاتلة، وأرسلت 2000 جندي إلى منطقة البلطيق ورومانيا لتعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً