في تصريحات أخيرة له، قال قائد الجيش الألماني اللفتنانت-جنرال ألفونس مايس إن الصندوق الألماني الخاص الجديد البالغ 100 مليار يورو، لا يكفي لتجهيز القوات المسلحة في البلاد بشكل كامل. وأضاف مايس أن الجيش بحاجة إلى "زيادة فعلية نحو التجهيز بمعدات كاملة"، وهو ما لا يكفي الصندوق المذكور لتغطية تكاليفه.
وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا بأيام قليلة، أعلنت الحكومة الألمانية عن رصدها صندوقاً خاصّاً لتحديث وإصلاح جيش البلاد، للاستجابة للتهديدات الاستراتيجية التي فرضتها الحرب، ولتلبية أهداف حلف الشمال الأطلسي بتحديث الجيوش ورفع ميزانية الإنفاق العسكري للدول الأعضاء.
فيمام لا تزال عملية الإصلاح هذه تشهد تأخيرات كبيرة، وعراقيل سياسية كان أبرزها استقالة وزيرة الدفاع السابقة كرستين لامبرخت، في وقت تتزايد فيه التقارير حول الضعف الذي يعانيه الجيش الألماني، والترهل الواسع في ترسانة أسلحته.
جيش ألمانيا "العاري"
يعاني الجيش الألماني ضعفاً شديداً في التجهيز وفي القدرات البشرية، بما يضعه في مأزق استراتيجي خطير مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ويحبط قادته، وهو ما أعرب عنه قائد الجيش الألماني اللفتنانت-جنرال ألفونس مايس، بأن "الجيش الذي أتشرف بقيادته، يقف هناك عارياً إلى حد ما".
المقصود هنا بلفظة "عارياً" أنه مكشوف استراتيجي، وأن ما يستطيع تقديمه لحلف الناتو محدود للغاية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذكرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، أن "مشكلات المعدات العسكرية والجيش الألماني والمشكلات الفنية قد تعوق وفاء البلاد بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي، وبالتالي قد تعرقل عملياته المقبلة".
وكشفت الصحيفة وقتها أن المركبات المدرعة من طراز بوما التابعة للجيش الألماني، واجهت مشكلات فنية خلال التدريبات العسكرية الأخيرة، ما ترك 18 منها غير صالحة للعمل حاليّاً. كما لا تتعدّى الجاهزية التشغيلية لمعدات أخرى، كمركبة مشاة "ماردر" القتالية ومقاتلات "تورنادو" وطائرة هليكوبتر "سي كينغ" متعددة الأغراض، متوسطة 68% من الترسانة.
كما يواجه الجيش الألماني نقصاً حاداً في الذخيرة، إذ لا تغطي مخزوناته الحالية سوى أيام قليلة، مقابل ما يشترطه الناتو من أن تغطي تلك المخزونات 30 يوماً كحد أدنى. وكانت وزيرة الدفاع السابقة كريستين لامرخت، أعلنت عن ميزانية بقيمة 20 مليار يورو للتزود بالذخائر، وهو ما لم يُنفَّذ حتى الآن.
وحسب ما أوضحته سابقاً مفوضة البوندستاغ لشؤون الدفاع إيفا هوغل، فإن ألمانيا "لا تحدّث قواتها المسلحة سريعاً، وأضحت قاعدتها المادية الآن أسوأ مما كانت عليه قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إذ إن كثيراً من الأسلحة أُرسل إلى كييف".
وأشارت هوغل أيضاً إلى أن الميزانية الإضافية التي خُصّصَت في فبراير/شباط لشراء ذخيرة ومعدات جديدة وتطوير أنظمة جديدة لا تُصرَف بالسرعة الكافية، مضيفة: "ألمانيا بحاجة إلى شراء ذخيرة بقيمة 20 مليار يورو لتأمين قواتها المسلحة بالكامل، والجنود لا يُزوَّدون دائماً بالملابس اللازمة".
متاعب وزير الدفاع الجديد
مع تقلده منصب قيادة وزارة الدفاع، وعد بوريس بيستوريوس بتسريع عملية إصلاح الجيش وإدارة عملية التعاقد مع مصنعي السلاح بشكل أفضل، للاستجابة للتحديات الاستراتيجية والأهداف التي يرجوها حلف الناتو.
وقال الوزير الألماني عقب تعيينه أواخر يناير/كانون الثاني المنصرم: "سنصل إلى هدف 2%، لكننا سنبذل قصارى جهدنا لتجاوز ذلك (...) بالطبع، لا يزال يتعين الاتفاق على ذلك في الائتلاف (الحاكم)، لكن يجب أن يكون واضحاً للجميع أننا لن نكون قادرين على إنجاز المهام التي تنتظرنا بنسبة 2% فقط".
غير أن هذه الطموحات التي رفعها الوزير الجديد تترصدها عراقيل كثيرة، على رأسها التعقيدات البيروقراطية والسياسية التي تطال ميزانية الإنفاق العسكري وتعاقدات وزارة الدفاع. وتحتاج القرارات الإدارية للدفاع في بعض الأحيان إلى توقيع ما يصل إلى 12 شخصاً، فيما تمتثل الدبابات للوائح قوانين معقدة جدّاً.
وهو ما تذمر منه بيستوريوس، قائلاً: "إنه شيء نحتاج إلى معالجته... بالنسبة إليّ، أسوأ جزء هو أننا لا نعرف مَن مسؤول عن ماذا"، مشيراً إلى ضرورة إصلاح إجراءات الشراء البيروقراطية والبطيئة التي يتبعها الجيش الألماني منذ 30 عاماً.
إضافة إلى التعقيدات البيروقراطية، تترصّد مشكلة أخرى عملية الإصلاح هذه، وتكمن في عدم قدرة مصنعي السلاح الألمان على تلبية الطلب المتزايد. في هذا الصدد أوضح هانز كريستيان أتزبوديان، العضو المنتدب لجمعية الصناعات الأمنية والدفاعية الألمانية، أن "ارتفاع أسعار الطاقة، وركود سلاسل التوريد، ونقص العمال المهرة، ليست سوى جزء من المشكلات التي تكافح معها صناعة الأسلحة".
وأضاف عضو جمعية الصناعات الأمنية والدفاعية الألمانية، أن "في توريد الموادّ الخام وبعض المنتجات الأولية مشكلات واضحة، بخاصة في قطاع الإلكترونيات (...)، في هذا الصدد لا نختلف عن القطاعات الأخرى مثل السيارات. من ناحية أخرى، نتنافس أيضاً مع الآخرين على اليد العاملة الماهرة".