باشرت وزارة الداخلية والأحزاب السياسية وهيئات مدنية حملات تواصلية مكثفة لدفع الشباب الذين بلغوا 18 سنة وما فوق للتسجيل في اللوائح الانتخابية قبل انتهاء أجل المراجعة السنوية العادية للوائح الانتخابات العامة نهاية 2020.
وتكشف إحصائيات وزارة الداخلية نزوع الشباب إلى عدم المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، إذ لا تتجاوز نسبة الشباب المتراوحة أعمارهم بين 18 و24 سنة المسجلين في اللوائح الانتخابية نسبة 3 بالمئة، مقابل 19 بالمئة لدى الشباب ما بين 25 و35 سنة.
ورغم لجوء المغرب منذ سنوات إلى "الكوتا" عن طريق اعتماد لائحة وطنية تمنح 30 مقعداً للشباب الذين تقلّ سنهم عن 40 سنة من مقاعد مجلس النواب البالغة 395، فإن ذلك لم يشجّع هذه الفئة على المشاركة الفعَّالة في العملية الانتخابية والسياسية.
أسباب العزوف عن الانتخابات
يعتبر إسماعيل الحمراوي رئيس حكومة الشباب الموازية (هيئة مدنية) ضعف تسجيل الشباب في اللوائح الانتخابية، أمراً متوقعاً، وفي نفس الوقت مقلقاً جداً، وحسب قوله فسؤال الثقة لا يزال حاضراً بقوة وسط الشباب، يُضاف إليه ما سماه "الفراغ السياسي".
ويوضح الحمراوي في حديث لـTRT عربي، أن التطور السياسي في المغرب أفرز فضاءات أخرى أصبحت تستقطب الشباب بشكل كبير، منها الملاعب الرياضية حيث يصدح الشباب بالشعارات السياسية، وفضاءات التواصل الاجتماعي التي تشكّل الملاذ الأكثر استقطاباً للشباب، كما أن المجتمع المدني أيضاً أصبحيأكل، بنسبة قليلة، من الفضاء السياسي بعد أن أخذ له مساحة دستورية في هذا الشأن.
من جهته، يعزو جواد الشفدي، رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، عزوف الشباب إلى غياب برامج انتخابية واضحة المعالم موجهة إلى هذه الفئةالوازنةفي المجتمع المغربي، كما أن بعض ممارسات الأحزاب السياسية زادت اتساع الهوة بين الشباب والنخبة السياسية.
وفي حديثه مع TRT عربي، يعطي الشفدي مثالاً على هذه الممارسات بما يُتداوَل عن الطرق الملتوية التي تُصاغ بها اللائحة الوطنية للشباب في بعض الأحزاب السياسية، حيث تُحْجَز المراتب الأولى لذوي القربى بدل المناضلين، زيادة على البرامج الانتخابية التي يتقدم بها معظم الأحزاب والتي تبتعد كثيراً عن واقع الشباب المغربي، مما يجعلها غير قادرة على الاستقطاب أو نيل ثقة هذه الشريحة.
ومن الأسباب التي زادت عزوف الشباب أيضاً عن المشاركة في العملية الانتخابية، حسب الشفدي، عدم تواصل أُطُر وقيادات الأحزاب مع الشباب إلا استجداءً لأصواتهم في الحملات الانتخابية التي تسبق يوم الاقتراع، بالإضافة إلى اللجوء إلى الوعود المتكررة في التعامل مع الناخبين وعدم تحقيقها.
ثقة متدنية
هذه الممارسات التي لفت إليها جواد الشفدي أثّرت في ثقة الشباب والمغاربة عموماً بالأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة، وهو ما أظهرته بالأرقام دراسة حديثة حول "مؤشر الثقة بالمؤسسات 2020".
وخلصت الدراسة التي نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، واعتمدت التحليل الكمي على عينة من 1000 شخص تتراوح سنهم بين 18 سنة وما فوق، إلى نتائج مقلقة.
وأظهرت أن الشباب عبّروا عن مستوى متدنٍّ من انعدام الثقة بالأحزاب السياسية، إذ إن 81 في المئة من المستطلَعين لا يثقون بها، و42 بالمئة منهم لديهم انعدام ثقة تامّ، فيما لا تبلغ نسبة الشباب الذين لديهم ثقة كاملة بالأحزاب السياسية إلا نسبة 1 بالمئة.
ضَعف الثقة هذا لا يتعلق بالأحزاب السياسية فقط كما سجلت الدراسة، بل يتعداها إلى المؤسسة البرلمانية والحكومة، إذ يبدي الشباب أقلّ من 30 سنة ثقة متدنية إزاءهما.
حملات كلاسيكية
ولجأت الحكومة والأحزاب السياسية إلى التليفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لتحفيز الشباب على التسجيل في اللوائح الانتخابية وإسماع صوتهم في الانتخابات المقبلة.
ويرى إسماعيل الحمراوي أن الشباب تفاعلوا مع تلك الحملات بتجاوب وتحفُّظ في ذات الوقت، لأن الوعي السياسي أصبح يتشكّل لدى جزء كبير من الشباب بأهمية المرحلة، وحتى التحفظ مما أسماه "الشح السياسي" أصبح يناقَش بالانتقاد وبالموقف السياسي، وهو ما يتطلب "إعادة بناء أسس المشاركة السياسية، لجعلها مكوناً أساسياً في منظومتنا التربوية و(التنشئوية)، كما أن مبادئ الحقوق والواجبات يجب أن تشكّل قاعدة لتشكيل الرأي العامّ وتأطيره"، مؤكداً دور الإعلام باعتباره جزءاً من الحلّ لهذه المعضلة عبر رفع الشأن السياسي وعدم تبخيسه.
غير أن جواد الشفدي يعتبر أن الحملات التي أطلقتها التنظيمات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني، اكتسبت في مجملها طابعاً كلاسيكياً، مما جعل التسجيل في اللوائح الانتخابية يرتبط مباشرة بمحطة الانتخابات.
في حين أن العملية التواصلية المصاحبة لحملات التسجيل، كان مطلوباً منها، حسب الشفدي، أن توضح لعموم المواطنين أن التسجيل في اللوائح من شأنه أن يسمح لهم بممارسة حقوقهم الدستورية سواء تَعلَّق الأمر بالديمقراطية التمثيلية عبر التصويت والمشاركة في الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، أو عبر الديمقراطية التشاركية التي تتيح للمواطنين المشاركة بطريقة غير مباشرة في التشريع عبر آلية تقديم العرائض والملتمسات، وهذا من شأنه أن يوضح للفاعل المدني، أن يجعل ارتباط المواطنين بمؤسساتهم الدستورية عملية مستمرة في الزمان وغير منحصرة في يوم الاقتراع.
مسؤولية الأحزاب
يواجه خطاب الأحزاب السياسية اتهامات بشأن تسبُّبه في نفور الشباب من المشاركة السياسية عموماً، غير أن الحمراوي يعتقد أنه ليس سوى جزء من الأسباب، متسائلاً: "ماذا زرعنا للشباب حتى نجني ثقتهم؟"، ودعا إلى التفكير بمنطق آخر يواكب تطلعات وهموم الشباب.
ولفت إلى أن ضعف مشاركة الشباب ينبغي أن يشكّل دافعاً حقيقياً لمراجعة تدخُّل الأحزاب السياسية وإعادة تموقعها داخل الفضاء السياسي، وإن تراجع بعض من حساباتها في التعاطي مع مكون الشباب بـ"تعديل بسيط في جيناتها السياسية"، حتى تتمكن من التفاعل مع الشباب واحتضان تنوُّعهم.
غير أنه لا يخفي مسؤولية فاعلين آخرين في الحقل السياسي، بمن فيهم الشباب أنفسهم، فهم مطالبون، من وجهة نظره، باللعب بقميص المهاجم السياسي، لا التراجع والدفاع عن المرمى السياسي الذي هو في الأصل بلا شبكة.
أما الشفدي فيؤكد أن إقناع الشباب بالمشاركة السياسية لا يمكن أن ينجح دون أحزاب قوية بديمقراطيتها الداخلية وباستقلالية قراراتها، كما أن الدولة المغربية عبر وزارة الداخلية يجب أن تحرص على لعب دور الحياد الإيجابي، عبر آليات تمكّن الحزب الفائز من ممارسة التدبير الحكومي بكل أريحية، بما يسمح له بتنزيل برامجه، ويسمح كذلك للمواطنين بمحاسبته بعد نهاية ولايته التدبيرية.
ويضيف: "لا يمكن أن نقنع الشباب بالمشاركة السياسية إلا عبر الشباب، وهنا نسائل الأحزاب عن مدى تفعيل دورها في تأطير المواطنين وتكوين مناضليها من الشباب من أجل صناعة خلف يسمح باستمرارية العمل الحزبي وتحسين الصورة النمطية السيئة التي يراها الشباب العازف عن العملية الانتخابية".