تابعنا
لا تُعتبر هذه الفاجعة الأولى في العراق، إذ تتكرر حوادث الحرائق في البلاد ويروح ضحيتها مئات الأشخاص، بسبب الإهمال والفساد وغياب الرقابة عن المعايير الواجب توفرها في الأبنية والمساكن.

توفي أكثر من 100 شخص وأصيب أكثر من 150 آخرين، فجر الأربعاء 27 من سبتمبر/أيلول الجاري، إثر اندلاع حريق في أثناء حفل زفاف بإحدى قاعات الأفراح في الحمدانية بمحافظة نينوى شمالي العراق، وذلك حسب وزارة الصحة العراقية.

وقالت مديرية الدفاع المدني العراقية إنّ "الحريق أدى إلى انهيار أجزاء من القاعة، نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال ومنخفضة التكلفة تنهار خلال دقائق عند اندلاع حريق".

وكان من أسباب انتشار النيران وارتفاع عدد الضحايا عدم احتواء قاعة الأفراح على مطافئ حريق، أو مخارج طوارئ خاصة، حسب وسائل إعلام عراقية، إذ أعلن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري أنّ الأجهزة الأمنية ألقت القبض على 14 متهماً منهم صاحب القاعة.

ولا تُعتبر هذه الفاجعة الأولى في العراق، إذ تتكرر حوادث الحرائق في البلاد ويروح ضحيتها مئات الأشخاص، بسبب الإهمال والفساد وغياب الرقابة عن المعايير الواجب توفرها في الأبنية والمساكن.

بناء سريع الاشتعال

وأكد الدفاع المدني العراقي أنّ سبب الحريق هو استخدام الألعاب النارية في أثناء حفل الزفاف، ممّا أدّى إلى إشعال النيران داخل القاعة بادئ الأمر، ثمّ انتشر الحريق بسرعة كبيرة.

ويقول المنسق الإعلامي لمديرية الدفاع المدني العامة في العراق نؤاس صباح لـTRT عربي إنّ استخدام مواد مخالفة لمعايير الدفاع المدني في السلامة ضدّ الحرائق كان هو السبب الأول في اندلاع الحريق.

وكشف صباح، أنّه "في أبريل/نيسان الماضي فحص الدفاع المدني قاعة الهيثم التي وقع فيها الحريق، وجرى تسجيل مخالفات تتعلق بشروط السلامة، إذ إنّها كانت مغلّفة بألواح الأليكوبوند، وهي مادّة للبناء مكوّنة من الألمنيوم والبلاستيك وسريعة الاشتعال، وكان استخدام الألعاب النارية داخل القاعة كفيلاً بإشعال الحريق، كما أنّ منظومات إطفاء الحرائق كانت غير كافية ولا تعمل بالشكل المطلوب".

ويلفت صباح إلى أنّ الحريق أدّى إلى انهيار أجزاء من القاعة، نتيجة استخدام مواد بناء سريعة الاشتعال منخفضة الكلفة تتداعى خلال دقائق عند اندلاع النيران.

وحتى منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، شهد العراق أكثر من 19 ألف حريق في عموم أنحاء البلاد، فيما بلغ عدد ضحايا الحرائق في السنوات الثلاثة الماضية نحو 855 شخصاً، وتقول الإحصائيات إنّ البلاد تشهد نحو 30 ألف حريق سنوياً.

ومن الغريب أنّ الدفاع المدني حذّر من أنّ هذا العام سيشهد مزيداً من الحرائق، خصوصاً في مبانٍ آيلة للانهيار، كما ستزيد الخسائر إذا لم تعالَج الأسباب، والأسباب هي ببساطة: البناء باستخدام السندوتش بانل، الأليكوبوند.

الـ"سندوتش بنل"، هي صفائح معدنية معزولة بنوع من الإسفنج الذي يسهم بالعزل الحراري، لكنه سريع الاشتعال، وهي عبارة عن رغوة خاصة ناعمة ومرنة، وتكون من مواد مثل مادة البولي يوريثين أو البوليستيرين أو الصوف الصخري أو الصوف الزجاجي توضع وتلصق مع الصفائح.

وهي منظومة تساعد على حماية الأبنية من العوامل الخارجية، وتقدم حلولاً عملية واقتصادية لتأسيس بنية قوية. وتُستخدم عاملاً مساعداً حصيناً وخفيفاً لتغطية أسطح وجبهات الأبنية، علاوة على استخدامه لتحقيق العزل الصوتي والحراري أو إنشاء مخازن تبريد.

وفيما يخص ألواح الأليكوبوند أو (الكلادينغ)، فهي عبارة عن مجموعة من الألواح المصنوعة من الألومنيوم تحتوي بداخلها مادة فلينية تكون عازلة للحرارة والبرودة، كما أنّ الطبقة الخارجية لا تصدأ أو تنكسر ولا يتغير لونها، وهذه الألواح المعدنية مصنوعة من مادة الألومنيوم وتتميز بوجود مادة يطلق عليها "بي في دي أف" (PVDF)، وهي من أنواع الدهانات سريعة الاشتعال.

وحسب مقاولي ومتعهدي البناء العراقيون، فإنّ استخدام هذه المادة يساعدهم على سرعة الإنجاز والترميم، وبخاصةً في بيئة غير مستقرة مثل العراق.

حوادث متكررة

هذه ليست الحادثة الأولى التي تفاقمها مثل هذه المواد، إذ وقعت حوادث متفرقة تسببت في خسائر كبيرة، ففي عام 2020 اندلع حريق ضخم في سوق باب المعظم وسط العاصمة بغداد، تبين لاحقاً أنّ الأبنية مخالفة للقوانين، إذ جرى بناؤها بطريقة "السندويش بنل"، وتغليفها بمادة "الألوكوبوند"، الأمر الذي أسهم في ارتفاع احتمالات حدوث الحرائق، فضلاً عن سرعة الاشتعال"، حسب حديث مدير عام الدفاع المدني، اللواء كاظم بوهان، في تصريح لصحيفة الصباح الحكومية حينها.

وفي 2021، شهد العراق فاجعتَين خلال أقل من 3 أشهر، إذ شهد مستشفى ابن الخطيب المتخصصُ في علاج مصابي كورونا والأمراض الانتقالية في بغداد، حريقاً في 25 أبريل/نيسان من ذلك العام، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 82 شخصاً وإصابة نحو 110 بجروح.

وفي 13 من يوليو/تموز 2021، توفي 92 شخصاً على الأقل وأصيب عشرات آخرون في حريق شب بمركز لعزل مرضى مصابين بفيروس كورونا (كوفيد-19) في مستشفى الحسين التعليمي وسط مدينة الناصرية الواقعة على بعد 300 كيلومتر جنوب بغداد.

وقال حينها الناطق الإعلامي باسم مدير الدفاع المدني جودت عبد الرحمن، إنّ المصانع والأبنية التجارية والمخازن غير الرسمية، والأبنية الأخرى التي تضم تجمعات كبيرة، بُنيت على عجلة ولم يُحصل على الموافقات الرسمية وإجازات البناء لها، وعلى الرغم من أنّ المديرية حددت عديداً من هذه الأبنية وغرّمت المسؤولين عنها، فإنّها لم تتخذ إجراءات حقيقية ضدها، وهكذا استمرت هي وغيرها بالعمل.

ويُعتبر استخدام هذه المواد من مخالفات البناء إلا أنّ غياب رقابة الدوائر المختصة، وعلى رأسها الشُعب الهندسية في وزارة الإسكان، يحول دون تطبيقها، فضلاً عن الفساد والمحسوبية المنتشرة في كل مفاصل الدولة في العراق تقريباً، كما يرى الرئيس العراقي السابق برهم صالح.

وفي هذا السياق، يقول المهندس العراقي قصي التكريتي، إنّ نوعية مواد البناء المستخدمة في المباني، تُعتبر من أهم العناصر في سلامة المبنى.

ويضيف لـTRT عربي: "في بعض الأحيان، تصل درجات الحرارة وقت الحريق ما بين 1000 و1700 درجة مئوية، وهي درجة لا يتحملها كثير من المواد المستعملة في الأبنية حالياً، لذلك تحصل الكارثة للأسف وتنتشر بسرعة قبل وصول رجال الإطفاء، كما أنّ إجراءات السلامة والإنقاذ نفسها تحتاج إلى مراجعة وقت حدوث الحرائق".

ويرى مراقبون أنّ حادث الحمدانية لن يكون الأخير، في ظل الفساد والاستخفاف بأرواح الناس، بدءاً من عملية البناء والتشييد، ومروراً بالرقابة والمتابعة، ووصولاً إلى التعامل مع الملف عقب كل حادث.

TRT عربي