تابعنا
خلال مقابلة حصرية له مع TRT World، تحدث فنان الهيب هوب الشهير لوكي (كريم دينيس) عن أسباب وقوفه إلى جانب الفلسطينيين، رغم الثمن الذي سيدفعه على حساب شهرته ومسيرته المهنية

في وقت مبكّر من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أجرت TRT World مقابلة شخصية مع فنان الهيب هوب، الصحفي والناشط البريطاني لوكي، تحدّث فيها عن الحرب الإسرائيلية على غزة وشعوره تجاه هذه الحرب.

المقابلة الكاملة باللغة العربية:

نستعرض في هذه المقابلة المكتوبة مقتطفات من حوار طويل أُجري وسُجّل في العاصمة البريطانية لندن، للوقوف على جوانب عديدة من حياته وانعكاسها على مواقفه المبدئية.

يعتبر لوكي، الثابت في موقفه من ملاحظاته وتحليلاته، أفضل مثال لما يمكن وصفه بـ"الفنان/الناشط" (artivist)، وهو الشخص الذي يحاول من خلال الفن وغيره من الوسائل الإبداعية إحداث تغيير اجتماعي أو سياسي كبير.

يفعل لوكي ذلك من خلال القصائد الغنائية الواضحة والمباشرة، وحشد الجماهير على مستوى العالم حول النضال الفلسطيني من أجل العدالة، والتحرر من الحكم الإسرائيلي القمعي، وتواطؤ الحكومات الغربية مع العنف الإسرائيلي.

كيف تمكنت لأول مرة من الجمع بين موسيقى الهيب هوب وحراكك المؤيد للفلسطينيين؟

حسناً، أعتقد للإجابة على هذا السؤال علينا النظر إلى المجتمع الذي أتيت منه في "لادبروك جروف" غرب لندن، فهو مكان يشعر فيه عديد من الشبّان، بما في ذلك الجالية المغربية البارزة هناك بالتقارب القوي مع الفلسطينيين.

مثلّت فلسطين دائماً قضية ترمز إلى كثير من التناقضات في عصرنا، فمن ناحية، نحن نعيش ببريطانيا مجتمعاً يقول إنّ "ماجنا كارتا" (الميثاق الأعظم) هي ضمانة بريطانية جوهرية تمثّل الحق في أن تحكم عليك هيئة محلفين من المواطنين، والحق في الوصول إلى الأدلة ضدك، والحق في التعبير الديمقراطي، وما نراه في حالة فلسطين هو أنّ كل تلك الحقوق سُلبت.

ولا أظن أنّ الأمر هو من قبيل الصدفة، فبريطانيا لديها دور تاريخي في دعم الحركة الصهيونية التي تقودها إسرائيل في فلسطين، ودور حاضر في دعم ما هو في الأساس حكم تفوّقي في فلسطين.

إنّ العيش في لادبروك جروف يشبه إلى حدّ ما أن تكون دخيلاً في هذا المكان، عديد منّا جرى تسييسه من خلال رؤية الدولة التي تدير عديداً من جوانب حياتنا، وتتبنى موقفاً عدائياً تقريباً تجاهنا داخل المجتمع، كما تفعل إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

كنت محظوظاً أيضاً أنني نشأت وأنا أستمع إلى الموسيقى في منزلي، التي أصبحت أعتبرها "فن المستحيل"، فمن خلالها تمكنت من تحقيق أشياء لم تكن متاحة بسهولة ضمن حدود النظام السياسي الضيّق الذي نعيش فيه.

استطعت خلال الموسيقى التحدث إلى أشخاص لم أتمكّن من التحدّث إليهم بطرق أخرى، وأيضاً تمكّنت من التحدّث نيابة عن الأشخاص الذين يصعب التكلم باسمهم في هذا المجتمع.

وفي هذا الصدد، فإنّ الموسيقى لي أكثر من مجرد تعبير فني، إذ أراها المعادل المثالي لأصوات الأشخاص الذين لا تُسمع أصواتهم، ربما ليست متكافئة بالقوة مع صوت الأقوياء، إلّا أنّها عالية بما يكفي لتتحدى الظلم الذي يرتكبونه، رأيت عديداً من فناني الهيب هوب يجسّدون ذلك في الموسيقى وألهمني هذا، خاصة فيما يتعلق بفلسطين.

مؤخّراً، أصبح ذلك الإلهام قوياً جداً لأننا نعيش فيما يمكن أن نطلق عليه حالة من الشلل، إذ إنّ أصواتاً كثيرة لا تُسمع، جميعها يطالب الحكومات بقوة بأن تحظى فلسطين بالعدالة، وأن تُحترم حرمة الفلسطينيين باعتبارهم بشراً، ولكن تلك الحكومات لا تتصرف، وتتجاهل هذه الأصوات.

ولكي أعطّل أو أغيّر حالة الشلل هذه، ألجأ إلى الموسيقى وتأليف الأغاني قبل أن أعود إلى العالم الحقيقي حيث يجري إصدارها، فالموسيقى دوماً كانت الملجأ لي.

لكي تستطيع أن تؤثر في مشاعر الآخرين، من المرجّح أن تحقق ذلك من خلال الموسيقى، إنّها تقع ضمن المجال العاطفي للأشياء، وبالتالي فإنّ الموسيقى تجذب الحسّ الإنساني لدى الشخص

هل في موسيقى الهيب هوب نفسها أي شيء مميز مقارنة بأشكال الفن الأخرى، يجعلها فعالة بشكل خاص باعتبارها وسيلة للاحتجاج السياسي؟

تتيح هذه الموسيقى إيصال رسالة مباشرة جداً، بنفس الطريقة التي استخدم فيها الشعراء العرب أعمالهم لمواجهة الفاعلين السياسيين وانتقادهم، إذ خلقوا أيضاً شعارات من شأنها أن تصبح شعبية بين الجمهور.

وأرى الهيب هوب وسيلة لفعل ذلك أيضاً، خاصة من خلال القصائد الغنائية الحادة يمكنك ممارسة ضغط سياسي، وأذكر هنا الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي قال بشكل رائع: "وأنت تحرر نفسك بالاستعارات، فكّر بغيرك من فقدوا حقهم في الكلام"، وهذا الشيء أنا حريص على إيصاله تماماً في موسيقاي، وفي نهاية المطاف، هنا يكمن تضامني التامّ.

وأعتقد أنّ هذا قوّى وقيّد بنفس الوقت ما كنت قادراً على فعله في مجال صناعة الموسيقى من الناحية التقليدية، فمن جهة إذا كنت متأثراً تجاه معاناة من لا صوت لهم، فأنت تسمح لنفسك بمستوى من الانخراط مع الأشخاص الذين يدعمون رسالتك، وهو أمر يصعب الحصول عليه.

وفي الوقت نفسه تنقطع عنك الفرصة في ارتقائك إلى مستويات معينة في مجال صناعة الموسيقى، وذلك لأنّ هذا المجال في نهاية المطاف هو امتداد للنظام السياسي والاقتصادي، أي إنّ ذات ديناميات السلطة القائمة في المجتمع قائمة أيضاً داخل مجال الموسيقى.

لذا فإنّ الشخص الذي يحبّ أن يشعر بأنه قادر على الدفاع عن حقوق الأشخاص الأكثر اضطهاداً، من غير المرجح أن يُرحَّب به في قاعات السلطة والنجاح.

أنت فنان هيب هوب وفي الوقت ذاته صحفي.. عندما تراودك فكرة، كيف تعلم بأي من هاتين الصفتين عليك التعامل معها؟

عادة ما أعلم على الفور كيف أتعامل مع بعض المعلومات التي سأغطيها بطريقة صحفية. مثلاً، إذا كنت سأعرض بيانات حُصل عليها عبر فحص الإقرارات الضريبية لمنظمة ما تموّل المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية أو جماعات ضغط سياسية مرتبطة بذلك، فأنا أعلم على الفور، ربّما عن طريق الحدس، أنّ أغنية سيكررها الآخرون ليست الطريقة الأفضل لنقل هذا الأمر، فهذا النوع من العرض لا يحتوي على ما يكفي من المشاعر.

لكي تستطيع أن تؤثر في مشاعر الآخرين، من المرجّح أن تحقق ذلك من خلال الموسيقى، إنّها تقع ضمن المجال العاطفي للأشياء، وبالتالي فإنّ الموسيقى تجذب الحسّ الإنساني لدى الشخص.

أما في الصحافة فأنت تخاطب الحس المنطقي لدى الشخص، على سبيل المثال، عندما تنقل معلومة ما إلى القارئ قد تقوده إلى استخلاص نتيجة محددة، وبعيداً عن جانبي الإبداعي، فإنّ تمكُّني من البحث عن حقائق بعض الأمور وتقديمها كتابياً هو شيء مثير للاهتمام.

ولكن سواء أكان الأمر يتعلق بالهيب هوب أو الصحافة، ما زلت أحاول الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لكشف ما هو مهمّش عادة، ولحسن الحظ، قَطَعَتْ وسائل التواصل الاجتماعي شوطاً طويلاً في تسهيل ذلك.

ينتقد عديد من الأشخاص إسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كيف ترد تل أبيب على ذلك؟

نحن ندخل مرحلة جديدة الآن وهي أنه لا يمكن لإسرائيل أن تحصل على كل شيء، رغم ما تفعله النخبة السياسية والعسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية من محاولات لتحقيق "مشروع إسرائيل الكبرى" والاستيلاء على قطاع غزة بأكمله، ودفع أكثر من مليوني فلسطيني إلى صحراء سيناء، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بسهولة.

وسعي إسرائيل لتحقيق تلك الغاية يجعلها تخسر صورتها الجيدة أمام العالم، مما يضر بعلاقاتها العامة، ومع ذلك فهذا لا يردعها، فالعنف المروع الذي نشهده الآن في غزة على أيدي إسرائيل، وما يحدث بالمسجد الأقصى هو بالأساس نكبة أخرى.

على سبيل المثال، "معهد الهيكل" الذي تموّله منذ سنوات وزارة الثقافة الإسرائيلية ووزارة التعليم الإسرائيلية، يدعو صراحة إلى تدمير المسجد الأقصى وأن يُستبدل به ما يعتقد أنه كان قائماً منذ آلاف السنين، وبالتالي فإنّ هذه الحرب على غزة تهدف إلى تهجير عدد كبير من الشعب الفلسطيني وإعادة المستوطنين الإسرائيليين، على الرغم من حقيقة أنّه لم يكن في غزة سوى 8000 مستوطن إسرائيلي، ويتعلق الأمر أيضاً بتقويض قدرة الفلسطينيين على ردع أي محاولة لتدمير الأقصى، بما في ذلك أسواقه العزيزة على قلوب الفلسطينيين.

لننظر إلى عام 2021، أظهر حينها الفلسطينيون في غزة أنّ لديهم قوة ردع يمكنها صد محاولة السيطرة الإسرائيلية على الأقصى وتدميره، علينا أيضاً أن نتذكر أنّ هذه المنظمة "معهد الهيكل" مندمجة بعمق مع الحكومة الإسرائيلية لدرجة أنه وفقاً لتحقيق عن الجيش الإسرائيلي في عام 2013، عرضت الحكومة الإسرائيلية الانضمام إليها بديلاً للتجنيد الإجباري، ويمكن للنساء اللاتي لا يرغبن في الالتحاق بالجيش أن يصبحن بدلاً من ذلك جزءاً من المنظمة.

تاريخياً، كان بين الجيش الإسرائيلي وهذه الحركة الداعية إلى هدم الأقصى عداء، ولكن في الفترة الماضية من 10 إلى 15 سنة تغير ذلك، إذ يعمل الجيش ومجموعات مثل "معهد الهيكل"، في انسجام تام ضمن حملة إبادة جماعية أكبر وإخراج جميع الفلسطينيين من غزة.

ولسوء الحظ، على مرّ السنين وبينما يستمر هذا الأمر، تمكنت إسرائيل من التسلل لا فقط داخل مؤسسات حكومية معيّنة، ولكن أيضاً في قطاعات معيّنة من الحياة الثقافية، وبالتالي فإنّ خطة إسرائيل ليست فقط السيطرة على غزة

على مدى عقود طويلة، كان الفلسطينيون يطالبون المجتمع الدولي بالتدخل لمنع إسرائيل من إيذائهم باستمرار، من خلال وحشية الشرطة والتعذيب في السجون، أو هدم منازلهم وقصفها بشكل عشوائي في الهجمات العسكرية السابقة. وبالنظر إلى جميع هذه المعطيات، إلى أي مدى تعتقد كان من الممكن توقع ما وصلنا إليه الآن؟

من قرأ التاريخ وتابع القصة الفلسطينية يرى أنّها تعكس ما تصوّره القادة الصهاينة لإسرائيل منذ فترة طويلة، بما في ذلك طرد الفلسطينيين من أرضهم. وهو واضح في الواقع بتفاصيل مذهلة في تصريحات القادة الصهاينة الأوائل من ديفيد بن غوريون إلى حاييم وايزمان إلى تيودور هرتزل، الذي يعرف على نطاق واسع بأنه مؤسس الصهيونية.

وفي كتابه "الدولة اليهودية"، يقول "إننا (في إشارة إلى الإسرائيليين) سنسعى لنقل السكان المفلسين (العرب) عبر الحدود"، ويبدو أنّ ما يحدث في غزة الآن فعلياً هو "إبعاد السكان إلى الحدود".

ولسوء الحظ، على مرّ السنين وبينما يستمر هذا الأمر، تمكنت إسرائيل من التسلل لا فقط داخل مؤسسات حكومية معيّنة، ولكن أيضاً في قطاعات معيّنة من الحياة الثقافية، وبالتالي فإنّ خطة إسرائيل ليست فقط السيطرة على غزة.

وفي سياق التسلل داخل الحياة الثقافية، فمثلاً في مجال صناعة الموسيقى لوبي (جماعة ضغط) يُعرف باسم Creative Community for Peace (جمعية الإبداع من أجل السلام) "CCFP"، هذه المجموعة أسسها ديفيد لورينزو، الذي كان خرج من مجموعة "Universal Music Group"، وتُعرِّف "CCFP" عن نفسها بوضوح أنها مجموعة مناهضة لحركة "BDS" الداعمة لفلسطين والداعية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، وأُسست "CCFP" عبر نفس الطريقة التي جرى فيها تأسيس لوبي "StandWithUs" الممول مباشرة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

تُنسق جمعية "CCFP" مباشرة مع القنصلية الإسرائيلية في لوس أنجلوس، والأهم من ذلك، عندما تنظر إلى الشخصيات المتورطة مع هذه الجمعية، ستفهم نفوذهم عالي المستوى لا في مجال صناعة الموسيقى فحسب، ولكن أيضاً في صناعة السينما هناك.

يمكننا أيضاً أن نذهب إلى أبعد من ذلك وننظر إلى مدير Universal Music Group الذي جرى تعيينه مؤخراً، حاييم سابان. وهو أكبر جامع تبرعات في تاريخ حملة Friends of the Israel Defense Forces (أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي) "FIDF" ونُسب إليه كتابة سياسة جو بايدن تجاه إسرائيل وفقاً لموقع Mondoweiss. هذا الشخص سبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي، وهو عضو في جماعة ضغط إسرائيلية، يشغل في الوقت الحاضر منصباً مهماً في أكبر وأهم شركة موسيقى في العالم.

يمكنك أيضاً أن تنظر إلى شخص مثل لوسيان غرينج، المنخرط جيّداً في المؤسسة البريطانية، إنّه صديق مقرب لريشي سوناك، وهو شخص جرى تصويره في حملة لجمع التبرعات لصالح "FIDF"، وهو الرئيس التنفيذي لشركة "يونيفرسال ميوزيك" (Universal Music). وتموّل زوجته حزب المحافظين البريطاني، وجمعية هنري جاكسون، والاتحاد الصهيوني، وهي جزء من مجلس إدارة تابع لأكبر شركة فنادق في إسرائيل.

لذا، أعتقد أنني أشير إلى هذه النقطة لإظهار أنّ داخل المؤسسات الثقافية المهمة أشخاصاً لا يخجلون من الدفاع عن إسرائيل حتى عندما تعيث فساداً وتقتل الأبرياء في غزة، وهذا هو الوضع الذي نحن فيه الآن.

ترجمة وتحرير: أمل رنتيسي

TRT عربي
الأكثر تداولاً