اجتماع الحكومة الإسرائيلية للنظر في اتفاقية وقف إطلاق النار / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

أكثر من 11 ألف شهيد فلسطيني، وعشرات الآلاف من المصابين، ودمار هائل في مدينة رفح ومحافظة شمال غزة، وعشرات المجازر، كان يمكن تفاديها لو وقَّع نتنياهو على الاتفاق منذ البداية. الاتفاق، الذي حمل البنود والمراحل ذاتها، جاء نتيجة عوامل عدة دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى قبوله والتوقيع عليه. من أهمها صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته في مختلف مناطق ومدن قطاع غزة، وفشل الاحتلال في تحقيق خططه العسكرية، إضافةً إلى قدرة نتنياهو على تأمين استقرار حكومته بعد انضمام جدعون ساعر إليها في شهر أيلول/سبتمبر الماضي.

العامل الأبرز كان الضغط الأمريكي على حكومة الاحتلال لدفعها إلى قبول وقف إطلاق النار، خصوصاً بعد فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة وتهديده بفتح "أبواب الجحيم" على الشرق الأوسط في حال لم يجرِ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

بقاء الحكومة

دخل بنيامين نتنياهو الحرب وهو على رأس حكومة مدعومة من أحزاب اليمين المتطرف، وتحديداً حزبي "عوتسما يهوديت" بقيادة المتطرف بن غفير، و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش.

أعلن الوزيران منذ اليوم الأول للحرب رفضهما إجراء أي صفقة مع حركة حماس. وأصرّا على استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة حماس والمقاومة، وهو ما أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي مراراً أنه "غير ممكن".

كما صرّح الناطق باسم الجيش، دانيال هاغاري، بأن "السعي إلى التدمير الكامل لحماس كان هدفاً غير واقعي". في ظل هذا التعارض، اختار نتنياهو، كما يقول عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس، "بقاءه السياسي"، خصوصاً أن ذلك تزامن مع مشكلات قانونية واجهته.

وأضاف هرئيل: "خلال الأشهر التي رفض فيها الخطة التي اقترحتها إدارة بايدن في مايو/أيار الماضي، كان نتنياهو قلقاً بشكل أساسي من حليفيه اليمينيَّين المتطرفَين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين هددا بتفكيك ائتلافه".

ومع انضمام زعيم حزب "الأمل الجديد" وعضو حزب الليكود السابق جدعون ساعر، ونوابه الأربعة إلى الائتلاف الحكومي في سبتمبر/أيلول الماضي، زادت قدرة نتنياهو على التحرك سياسياً. ومع ذلك، ظل يعارض أي اتفاق لوقف الحرب حتى تولي ترمب الرئاسة. يقول عاموس هرئيل: "يبدو الآن أن ترمب لم يترك له خياراً آخر. لسنوات كان يُقال إن نتنياهو هو انعكاس لكل مخاوفه؛ واتضح أن ترمب كان أكثر ما يخشاه، وربما يكون ذلك مبرّراً".

جحيم ترمب

قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للاحتلال الإسرائيلي دعماً مفتوحاً بالسلاح والمال والسياسة؛ فمنذ اليوم الأول توجهت شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، وقدمت عدة حزم مالية إلى دولة الاحتلال بالإضافة إلى الغطاء السياسي لها.

وعلى الرغم من هذا الدعم، تجاهل نتنياهو الوساطة الأمريكية في أكثر من مناسبة، وتحديداً في مايو/أيار 2023، ورفض الموافقة على خطة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، الذي اشتكى في أكثر من مناسبة من تهرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي راهن على عدم قدرة الرئيس الأمريكي على اتخاذ القرارات في فترة الانتخابات الرئاسية.

وفي الأسبوع الأول من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، هدد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، بفتح أبواب الجحيم على الشرق الأوسط في حال لم تجرِ الموافقة على صفقة وقف إطلاق النار. جاء هذا التهديد بعد أيام من تعيين ستيف ويتكوف مبعوثاً أمريكياً للشرق الأوسط.

ويتكوف هو مستثمر عقاري من أصول يهودية ومقرب من الرئيس السابق دونالد ترمب، لكنه يفتقر إلى الخلفية التقليدية التي يتمتع بها من يَشغلون المناصب الدبلوماسية عادةً. وأوضح دبلوماسي إسرائيلي بارز لصحيفة هآرتس العبرية، قائلاً: "ويتكوف ليس دبلوماسياً. فهو لا يتحدث بأسلوب دبلوماسي، ولا يُعير اهتماماً للآداب أو البروتوكولات المتَّبَعة في المجال الدبلوماسي. إنه رجل أعمال يركز على التوصل إلى اتفاقات بسرعة ويتبنى نهجاً عدوانياً وغير مألوف لتحقيق أهدافه".

الضغط الأمريكي أعاد المحادثات غير المباشرة للحياة مجدداً. هذه المرة، عمل ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي الجديد، إلى جانب بريت ماكغورك، الذي يتولى هذا المنصب في الإدارة الديمقراطية.

وأخبر المسؤول، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، أن مبعوث الرئيس بايدن تولى الإشراف على المفاوضات في قطر. وعندما أراد الفريق "تبادل وجهات النظر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ذهب (ستيف ويتكوف) إلى إسرائيل لتولي المهمة ثم عاد"، وفق ما أفاد به المسؤول الأمريكي.

هذه الزيارة العاصفة كان لها الأثر الأكبر في دفع نتنياهو إلى الموافقة على الصفقة. وفقاً لصحيفة هآرتس العبرية، اتصل ستيفن ويتكوف، مساء الجمعة الماضي، من قطر، ليخبر مساعدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه سيزور إسرائيل في فترة ما بعد الظهر من اليوم التالي.

وأوضح المساعدون أن ذلك كان في منتصف السبت، وفاجأهم رد فعل ويتكوف الصريح، وأوضح لهم باللغة الإنجليزية المبتذلة أن "السبت لا يهمه". وكانت رسالته واضحة وصريحة.

وفي خروج غير معتاد عن الممارسة الرسمية، جاء رئيس الوزراء إلى مكتبه لعقد اجتماع رسمي مع ويتكوف، الذي عاد بعد ذلك إلى قطر لإبرام الصفقة.

ومساء الأربعاء، أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن، نجاح الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لافتاً إلى أن تنفيذه يبدأ الأحد المقبل.

وأوضح الوزير القطري أن المرحلة الأولى من الاتفاق مدتها 42 يوماً، وتتضمن الإفراج عن 33 محتجزاً إسرائيلياً مقابل عدد من الأسرى من الفلسطينيين.

وبدعمٍ أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلَّفت أكثر من 157 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنّين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

TRT عربي - وكالات