عاد سكان محافظة شمال غزة، الذين نزحوا إلى مدينة غزة، إلى منازلهم، كما عاد جزء من سكان محافظتي رفح وخان يونس بعد بدء وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا يزال سكان محافظات غزة وشمالها، الموجودون جنوب وادي غزة، ينتظرون اليوم السابع من وقف إطلاق النار للعودة إلى منازلهم.
ووفقاً لاتفاقية وقف إطلاق النار المقسمة إلى ثلاث مراحل، ومع نهاية المرحلة الأولى فإن جميع سكان قطاع غزة سيكونون قادرين على التحرك بحرية في مناطق قطاع غزة كافة بلا أي عائق.
دمار المنازل ونعي الشهداء كانت أبرز المواضيع التي تداولها الغزيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فحتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، قُدّر الدمار بنحو 70% من مباني القطاع، أي ما يعادل 170812 مبنى، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وأشار المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، عبر قناته على "تليغرام"، إلى وجود جثامين أكثر من 10000 شهيد تحت أنقاض المنازل، بالإضافة إلى أكثر من 2840 شهيداً تبخرت جثامينهم بسبب استخدام الاحتلال أسلحة تولد حرارة هائلة.
دمار لا يمكن وصفه
محمد النجار، فلسطيني يبلغ من العمر 57 عاماً، عاد إلى منزله الذي دُمّر بالكامل، ليجد أمامه مشهداً مختلفاً تماماً، إذ أصبح الركام هو العنوان الجديد. بين الأنقاض في جباليا، قال النجار بأسى: "دمار لا يمكن وصفه، إنها حرب إبادة إسرائيلية شاملة. منزلي دُمّر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والآن منزل ابني أيضاً لقي المصير نفسه".
وأضاف: "سأذهب إلى منزل شقيقي، على أمل أن يكون ما زال قائماً. ولو اضطررت، فسأنصب خيمة في الشارع. هذه أرضنا ولن نتخلى عنها".
أما الطفل سمير تاري، البالغ من العمر 12 عاماً، فجلس على أنقاض منزله يبكي بحرقة، مستذكراً مأساة عائلته التي فقدها تحت الركام. وقال: "6 من أفراد عائلتي استشهدوا بسبب القصف الإسرائيلي. لم نتمكن حتى من إخراجهم، جميعهم بقوا تحت الأنقاض".
وأضاف بحزن: "هذا الدمار أشبه بزلزال ابتلع حياتنا بالكامل. سنحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة بناء منازلنا ومدارسنا. لا يوجد هنا أي مكان آمن".
الشيء وضده
الصحفي يوسف فارس، الذي جال منذ بداية الحرب بين سكان غزة ومبانيها، عاد يوم وقف إطلاق النار إلى معسكر جباليا الذي اضطر للخروج منه بسبب عملية جيش الاحتلال في المخيم. ووصف يوم عودته عبر صفحته على منصة إكس بأنه "يوم مملوء بالشيء وضده؛ الفرح بوقف الإبادة مقابل الخسارات التي لا يمكن تعويضها، والفرح بالعودة إلى جباليا والشمال رغم كل ما حل بهما من دمار". لكن عودة النازحين إلى المخيم لم تكن كما تخيلوها، إذ فوجئوا بحجم الخراب الذي طال جميع مظاهر الحياة، ما دفع الكثير منهم للعودة مجدداً إلى مدينة غزة، "باكين والغصة تخنقهم"، على حد تعبير يوسف.
مستشفيات الشمال
استهدفت إسرائيل منذ بداية الحرب في غزة المستشفيات بشكل مباشر، إذ حاصرتها عدة مرات، وهاجمت الطواقم الطبية، واعتقلت وقتلت العديد منهم، ومع اجتياحها الأخير لشمال غزة، الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2024 واستمر حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تعرضت المستشفيات شمال القطاع للقصف والحصار والتخريب.
تحدث الشاب حسني الزعانين، الذي وصل إلى المستشفى مع بدء سريان وقف إطلاق النار، عن صدمته من حجم الدمار الذي لحق بمرافق طبية يفترض أنها محمية وفق القوانين الدولية. وقال: "الجيش الإسرائيلي سعى إلى تدمير كل مقومات الحياة في شمال قطاع غزة، واستهدف المستشفيات بشكل متعمد لإخراجها من الخدمة".
وأكد الزعانين أن "مستشفى كمال عدوان كان يعمل بكامل طاقته قبل الاجتياح، وكانت أعمال الترميم مستمرة فيه، لكن الاحتلال اختار تدمير كل شيء وإيقاف خدمات المستشفى بالكامل".
داخل أروقة المستشفى "الإندونيسي"، الواقع شرق بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، تظهر آثار الدمار الذي خلفه الاحتلال. وفي الأسابيع الأخيرة من الاجتياح، تحول المستشفى إلى مأوى للنازحين والمرضى والطواقم الطبية، بعد إخلاء مستشفى "كمال عدوان".
وأوضحت الشابة الفلسطينية رواء شبات أن المحاصرين داخل المستشفى عاشوا ظروفاً صعبة للغاية، إذ تعرضوا للاستهداف المستمر. وقالت: "الاحتلال لم يحترم حرمة المستشفى، بل قصفه وخربه، واستخدم آلياته العسكرية للتمركز في ساحته وإحداث المزيد من الدمار".
وأضافت رواء: "استهداف المستشفيات لا يمكن تبريره بأي شكل، لكن الاحتلال يصر دائماً على تدمير كل ما يمثل شريان حياة للفلسطينيين". ودعت إلى تكاتف الجهود لإعادة إعمار مستشفيات شمال قطاع غزة بأسرع وقت ممكن.
في حي "تل الزعتر" شمالي مخيم جباليا، يقع مستشفى "العودة"، الذي شهد معاناة كبيرة للأطباء والمرضى والنازحين خلال الاجتياح الأخير. تعرض المستشفى للقصف بالطائرات الحربية والقذائف المدفعية بشكل متكرر، ما أدى إلى دمار واسع في الطوابق العلوية وإصابات بين الموجودين داخله.
مع بدء وقف إطلاق النار، توافد الفلسطينيون لتفقد المستشفى ومعاينة حجم الدمار الهائل. وقال الفلسطيني رمضان أبو ربيع: "إسرائيل جعلت شمال قطاع غزة بلا مستشفيات بعد إخراجها من الخدمة". وأضاف: "إسرائيل تحاول قتلنا بطرق متعددة بعدما فشلت في تحقيق أهدافها عبر حرب الإبادة المدعومة أمريكياً". وأشار أبو ربيع إلى أن "الطرق المؤدية إلى المستشفى كانت ممتلئة بالركام، والمنازل المحيطة به تحولت إلى أكوام من الرماد".