قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين / صورة: AA (AA)
تابعنا

وأفاد شهود عيان أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "وسع عملياته في جنين لتشمل عدة أحياء، إذ قصف مواقع فلسطينية، ما أسفر عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة 40 آخرين بجراح".

في الأثناء، يواجه سكان الضفة الغربية تعقيدات كبيرة في التنقل بين المدن، وخاصة من مدينة جنين وإليها، وسط إغلاق واسع لأغلبية مداخل محافظات الضفة الغربية، وأزمات خانقة امتدت حتى فجر اليوم على بعض مداخل المدن التي ما زالت مفتوحة.

وكان مدير عام دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، قد قال في وقت سابق إن جيش الاحتلال الإسرائيلي شدد إجراءاته في الضفة الغربية، ما أدى إلى تقييد حرية حركة المواطنين.

وأضاف أبو رحمة: "في الأسبوع الأخير فقط، أضاف جيش الاحتلال 14 بوابة وحاجزاً عسكرياً، في حين ارتفع مجموع الحواجز والبوابات من 872 بوابة وحاجزاً نهاية 2024، إلى 898 حاجزاً وبوابة اليوم".

وأشار شهود عيان إلى سماع أصوات اشتباكات مسلحة وانفجارات متفرقة في المنطقة، بينما بدأت جرافات عسكرية إسرائيلية بتدمير البنى التحتية والممتلكات والمحال التجارية.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، أن إطلاق العملية العسكرية في مخيم جنين جاء بقرار من مجلس الوزراء السياسي والأمني، المعروف بـ"الكابينت".

وقال نتنياهو: "بتوجيه من الكابينت، بدأت قوات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) وشرطة إسرائيل اليوم عملية عسكرية واسعة ومهمة في جنين".

من جانبه، صرّح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قائلاً: "بعد غزة ولبنان، غيّرنا اليوم (الثلاثاء) مفهوم الأمن في الضفة الغربية أيضاً".

وأوضح أن "هذه العملية جزء من أهداف الحرب التي أضيفت إلى قرارات الكابينت الجمعة بناء على طلب الصهيونية الدينية". وزعم سموتريتش أن عملية "السور الحديدي" تهدف إلى تنفيذ حملة قوية "لضمان أمن إسرائيل بأكملها، إذ تمثل المستوطنات "حزاماً أمنياً"، على حد تعبيره.

وحذرت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، من احتمال ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في الضفة الغربية على غرار تلك التي ارتكبتها في قطاع غزة.

جاء ذلك في منشور على منصة إكس، الأربعاء، علقت فيه على الحملة العسكرية التي أطلقتها إسرائيل في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية.

جباليا الثانية

قال مدير شؤون الأونروا في الضفة الغربية، رولاند فريدريك، إن مخيم جنين "أصبح شبه غير صالح للسكن، مع نزوح نحو 2000 عائلة منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول. وخلال هذه الفترة، لم تتمكن الأونروا من تقديم خدماتها بشكل كامل للمخيم".

الصحفية الفلسطينية في جنين، نور فارس، وصفت العملية الحالية بالأشد مقارنة بالعمليات السابقة، وأضافت في حديث لها مع TRT عربي أن "حصاراً مشدداً ومطبقاً فرضته قوات الاحتلال على المخيم، وسط إغلاق الشوارع الرئيسية والفرعية داخله".

وأشارت فارس إلى أن عملية نزوح المواطنين تخللتها "صعوبة كبيرة في التحرك، وصلت إلى منع سيارات الإسعاف من الوصول إليهم".

ونقلت فارس عن مواطنين في جنين تهديد الاحتلال لهم بتحويل المخيم إلى "جباليا ثانية"، في إشارة إلى مخيم جباليا الذي دمرته قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عملياتها في قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقال مراسل TRT عربي في الضفة الغربية، إبراهيم الرنتيسي، إن قوات الاحتلال "تكرر نموذج غزة، عبر اعتقال المواطنين وإجراء التحقيق الميداني، ومن ثم إلباسهم ملابس بيضاء التي كنا نراها في غزة".

وأضاف الرنتيسي: "يوجد شعور عام بأن المرة هذه مختلفة، الاقتحام كبير، وإسرائيل تروّج أن العملية سوف تستمر لأشهر، ونحن نتحدث عن مخيم صغير كيلومتر في كيلومتر، والحديث عن شهور يجعل الأمر صعباً".

ترضيات نتنياهو

وحول دوافع العملية العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، يشير الباحث والكاتب في الشأن الإسرائيلي صلاح الدين العواودة إلى أن "العمليات الحالية تتماشى مع سياسات إدارة ترامب السابقة التي دعمت الاستيطان، ونقلت السفارة إلى القدس، وسمحت بضم الجولان".

ويشير العواودة في حديث له مع TRT عربي إلى أن هناك "تسريبات عديدة إلى أن ترمب قدم لنتنياهو ثمناً سياسياً مقابل موافقته على وقف إطلاق النار في غزة، تمثل في إطلاق يد الكيان الإسرائيلي في الاستيطان والعمليات العسكرية في الضفة الغربية".

هذا الثمن دفعه نتنياهو لشريكه في الائتلاف الحكومي، بتسلئيل سموتريتش، الذي قدم له "مجموعة من الامتيازات المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية، ومن ضمنها هذه العملية، التي شملت مصادرة أراضٍ وإلغاء قرارات اعتقال إداري ضد مستوطنين".

ويؤكد العواودة أن هذه العملية تتوافق مع "منطق الصفقات السياسية داخل الكيان الإسرائيلي: "أقدّم لك هنا، وتقدّم لي هناك". ما حدث كان ثمناً سياسياً دفعه ترمب لنتنياهو من جهة، وثمناً آخر دفعه نتنياهو لسموتريتش، الذي يمثل الاستيطان في الضفة الغربية ويشغل منصباً في وزارة الدفاع والأمن".

توقيت العملية ومداها

يؤكد العواودة على الرابط ما بين توقيت بدء العملية العسكرية وإعلان وقف إطلاق النار بغزة، مشيراً إلى أن الاحتلال "استغل الهدوء هناك لنقل قواته إلى الضفة الغربية وتركيز جهوده عليها، فسياسات الاحتلال تعتمد دائماً على تقليص عدد الجبهات المفتوحة وتأخير فتح جبهات جديدة قدر الإمكان".

وفيما يتعلق بالمدى الزمني للعملية، يوضح الكاتب صلاح العواودة "أنه غير محدد بزمن معين، إذ يعتمد على التطورات الميدانية. الوضع في الضفة الغربية يختلف بشكل كبير عن قطاع غزة، إذ تُعتبر المقاومة هناك أضعف بكثير".

ومع ذلك، فإن العملية لن تستغرق وقتاً طويلاً، لكنها ستكون شديدة، لتلبية أهداف الاحتلال. من المتوقع أن تشمل تدمير البنية التحتية، واغتيالات جوية، وقصفاً مكثفاً، وسقوط العديد من الشهداء، كما يشير العواودة.

ويقول الخبير الفلسطيني أحمد أبو الهيجاء إن "العملية أيضاً هي فعل استباقي إسرائيلي لضرب المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية".

وتابع: "الضفة عادت اليوم بؤرة للحدث، وهذا متوقع. إسرائيل تريد أن تطلق العنان للمستوطنين وتنفيذ خطة الضم واقعياً، وعليه شنت عملية عسكرية في جنين، وقطعت أوصال الضفة الغربية خلال ساعات".

وفي مارس/آذار 2022، أطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية في الضفة الغربية سمّاها "كاسر الأمواج"، نفذ خلالها سلسلة اقتحامات في الضفة الغربية، تركزت شمالاً، وتحديداً في مدينة جنين ومخيمها.

وجاءت العملية في ظل تصاعد التوتر على خلفية اشتباكات متجددة بين الجيش والمستوطنين من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى. استخدم الاحتلال الإسرائيلي في العملية الطائرات المسيرة، وشارك فيها 25 كتيبة عسكرية، وأسفرت عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

وفي مايو/أيار 2022، بدأ جيش الاحتلال اجتياحاً عسكرياً لمخيم جنين، استشهد خلاله مراسلة قناة الجزيرة، الصحفية شيرين أبو عاقلة، برصاصة مباشرة في أثناء تغطيتها للاجتياح.

وفي يوليو/تموز 2023، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية هجوم جوي وبري على مدينة جنين ومخيمها، ما تسبب في سقوط شهداء وعشرات الجرحى، بالإضافة إلى دمار كبير.

وفي أغسطس/آب 2024، بدأ الاحتلال عملية عسكرية أطلق عليها "مخيمات صيفية" في شمالي الضفة. استهدفت العملية، التي بدأت اجتياحاً برياً تحت غطاء جوي، في مدينة جنين ومخيمها، وطولكرم ومخيميها، ومدينة طوباس ومخيم الفارعة. واستشهد خلال العملية، التي استمرت 3 أيام متتالية، 11 فلسطينياً.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً