في 23 يونيو/حزيران الماضي، بعد أربعة أشهر على اندلاع الحرب، وافقت بروكسل على منح أوكرانيا صفة المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في خطوة رحب بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، واصفاً قرار التكتل بأنه "لحظة فريدة وتاريخية"، وأن "مستقبل أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي".
غير أن الأوكرنيين، على ما يبدو، يريدون هذا المستقبل أقرب من أي تجربة سابقة للانضمام إلى الاتحاد. وهو ما أعرب عنه رئيس وزراء البلاد دينيس شيميكال، متحدثاً عن رغبة بلاده في أن لا يتعدى مسار انضمامها العامين، بخلاف كل سابقاتها اللواتي ظللن مرشحات لسنوات طويلة.
وتطرح هذه التصريحات أسئلة عدة حول إمكانية تطبيق هذا الإجراء غير المسبوق، الذي كشفت تسريبات أنه نوقش داخل المفوضية الأوروبية. في المقابل لا تزال أمام أوكرانيا الكثير لتقدمه كي تستجيب للشروط الأوروبية، وعلى رأس ذلك مكافحة الفساد المالي والإداري، وهو ما يبدو بعيداً بعد فضيحة الكسب غير المشروع الأخيرة التي هزت حكومة البلاد.
انضمام خلال عامين؟
تخطط أوكرانيا لأن يكون مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الأقصر على الإطلاق، وهو ما كشف عنه رئيس وزرائها دينيس شيميكال، الاثنين، قبيل أيام قليلة من القمة الأوكرانية الأوروبية، في 3 فبراير/شباط المقبل، والتي سيجري خلالها التفاوض حول الإجراءات القادمة للدفع بمسار الانضمام إلى الأمام.
وقال شيميكال في حديثه لموقع "بوليتيكو" الأمريكي: "لدينا خطة طموحة للغاية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في غضون العامين المقبلين. لذلك نتوقع أن نشرع في مرحلة ما قبل الدخول هذا العام، وهو ما سنفاوض من أجله خلال القمة".
وأردف رئيس الوزراء الأوكراني بأنه يأمل أن تتمكن أوكرانيا من تحقيق "قفزة كبيرة إلى الأمام" خلال القمة المرتقبة، لا سيما بشأن إعفاء الصادرات الأوكرانية من التأشيرة والانضمام إلى نظام الدفع الموحد (SEPA)، وإدراج شبكة هواتف البلاد ضمن الشبكة الأوروبية، قبل أن يختم حديثه مؤكداً: "نتوقع تقدماً وتسريعاً في طريقنا نحو توقيع هذه الاتفاقيات".
وحسب الموقع الأمريكي، فإن إدارة هذه التوقعات ستكون بين المهمات الرئيسية للوفد الأوروبي الذي سيزور كييف هذا الأسبوع. في المقابل، سيضغط الأوكرانيون على نظرائهم الأوروبيين بمسؤوليتهم تجاه البلاد، في ظل الحرب التي تعيشها منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
ويتبنى عديد الأطراف الأوروبيين طرح هذه المسؤولية، كما يدعم حلفاء أوكرانيا المقربون في الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا ودول البلطيق، بقوة تسريع عضوية كييف ويرون أنها "ديمقراطية تقاوم اعتداء روسيا"، على حد وصف الموقع الغربي.
أحلام أوكرانية صعبة التحقق!
في السياق نفسه، يرى محللون أن هذا الطموح الأوكراني بعيد عن أن يكون واقعياً، لسببين أولهما استراتيجي، إذ إن أي انضمام لأوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي دون حسم الحرب، سيفرض بموجب بند الدفاع المشترك في اتفاقية ماستريخت المؤسسة للتكتل القاري، على الدول الـ27 أن تشارك في القتال ضد روسيا.
أما السبب الثاني فهو إجرائي متعلق بمبدأ سيادة القانون ومحاربة الفساد، والذي يلزم أوكرانيا العمل أكثر على تحقيق استقلالية قضائها وتطهير مؤسساتها من الارتشاء والكسب غير المشروع. ناهيك عن الإجراءات الأخرى المتعلقة بالاندماج الاقتصادي، التي قد تستغرق وقتاً أطول للتفاوض حولها وحول صيغ تنفيذها.
وحسب "بوليتيكو"، لا أحد في بروكسل ولا العواصم الأوروبية الأخرى، يعتقد أن الجدول الزمني المختصر في عامين "كافٍ وواقعي" لتأمين انضمام أوكرانيا الكامل إلى الاتحاد. والعام الماضي، إثر إعلان منح كييف صفة المرشح، قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إن "الأمر قد يستغرق عقوداً" قبل أن تحصل أوكرانيا على فرصة حقيقية للانضمام.
فضلاً عن أن عدداً من قادة الاتحاد يتشبثون بمطلب أن لا يخرج البيان الختامي للقمة عن لغة سابقه الذي تلى إعلان منح أوكرانيا صفة المترشح، أي تفادي تصعيد الطموحات إلى اختصار مدة مسار الانضمام، وتأكيد ضرورة استجابة كييف للمعايير المحددة من قبل المفوضية. وهو ما سيجري تدارسه خلال قمة أوروبية، يوم الثلاثاء.
وتؤكد تسريبات لمسودة بيان هذه القمة الأوروبية، التي نشرها موقع "يورواكتيف"، أنه من المقرر أن يدرس قادة الاتحاد وأوكرانيا "مستقبل أوكرانيا ومواطنيها داخل الاتحاد الأوروبي" و "التزامها بدعم التكامل الأوروبي الإضافي لأوكرانيا". هذا دون الحديث بإيجابية زائدة عن مدى استجابة أوكرانيا للمعايير الأوروبية.
وحسب ما نقل الموقع عن أحد الدبلوماسيين الأوروبيين، قوله: "لن يقبل عدد كبير من الدول الأعضاء لغة إيجابية للغاية (بشأن مسار انضمام أوكرانيا) ليس الآن على الأقل، ولا أحد مستعد لإعادة فتح مناقشة صعبة انتهينا منها للتو".
وتعتبر الأطراف الأوروبية الأكثر تشككاً في أن الإشارة إلى "التقدم الكبير" مسألة سابقة لأوانها و "تستبق الخطوات العادية في عملية الانضمام" حيث لم يجرِ تقييم، حتى الآن، أي من الإجراءات الأوكرانية.
فضائح تعترض أوكرانيا
تزيد فضائح الكسب غير المشروع التي طالت مسؤولين كباراً في وزارتي التنمية الحضرية والدفاع الأوكرانيتين، وسوء إدارة المساعدات المالية الخاصة بالحرب، من التشكك الأوروبي في استجابة أوكرانيا إلى معايير الانضمام إلى الاتحاد، على الرغم من الاستجابة السريعة للرئيس فلودومير زيلينسكي، متمثلة في الاستقالات الواسعة التي طالت المسؤولين المتورطين.
ويؤكد ذلك تقرير لصحيفة "بوليتيكو" لفت إلى أن "المسؤولين في كييف عانوا كثيراً في محاولة إظهار تكاتف الأمة في وجه الحرب، ويشمل ذلك أمر مكافحة الفساد في محاولة لرسم مسار نحو الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن ما كشفته تحقيقات الفساد كان ضربة شديدة لهذه المساعي".
وعدا ذلك، يعتمد المجهود العسكري والمدني الأوكراني، منذ اندلاع الحرب، على المساعدات المالية الغربية والأوروبية بالأساس. وفي وقت سابق، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن دعم مالي كبير لفائدة أوكرانيا، لكنها اشترطت في اتفاقها على كييف إبداء نيتها السليمة واتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد.
وبالتالي، فإن الرئيس زيلينسكي وحكومته يقفون اليوم أمام محك بشأن إعادة الثقة إلى شركائهم وداعميهم في الغرب. وهو ما أشار إليه الصحفي الاستقصائي يوري نيكولوف، خلال تصريحه لـ"بوليتيكو"، قائلاً: "إذا أراد شخص ما سرقة ملايين اليوروهات منا خلال الحرب، في وقت يعتمد اقتصادنا بنسبة 60% على مساعدات الاتحاد الأوروبي، فعلينا أن نوقفه".
وتُعرف أوكرانيا، حسب مراقبين، بتفشي الفساد الإداري والمالي داخل هياكلها الحكومية، وهو ما تبرزه مراتبها المتأخرة في التصنيفات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، إذ احتلت في عام 2021 المرتبة 122 في ترتيب تضمن 180 بلداً، كما كشفت منظمة "ترانسبارنسي إنترناشونال" عن أن 23% من الأوكرانيين فُرض عليهم دفع رشاوى مقابل حصولهم على خدمات عمومية.