لا تزال الأزمة تهز العلاقات بين مدريد وجارتها الجنوبية الجزائر، ذلك إثر قرار الأخيرة، يوم الأربعاء، تعليق العمل بـ "اتفاقية الصداقة والجوار" التي كان وقعها البلدان عام 2022، رداً على تغيير إسبانيا موقفها من ملف الصحراء ودعمها مقترح الحل المغربي.
بل قررت الحكومة الجزائرية تجميد عمليات التصدير والاستيراد مع إسبانيا، ابتداءً من يوم الخميس. وحسب مراسَلة اطلعت عليها وكالة الأناضول، عممت جمعية البنوك (حكومية) قراراً على مسؤولي المؤسسات المالية في البلاد، يفيد بتجميد عمليات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا. ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية مع إسبانيا.
على خط هذا التوتر دخلت بروكسيل، على لسان مسؤولي الاتحاد الأوروبي، منحازة لمدريد ومحذرة الجزائر من مغبة التصعيد في هذا السياق. هكذا، وفي بيان مشترك، اعتبر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ونائب رئيسة المفوضية المسؤول عن التجارة فالديس دومبروفسكيس أن هذا القرار "مقلق للغاية".
وأضاف البيان "نقيّم تداعيات الإجراءات الجزائرية" ولا سيما التعليمات الصادرة إلى المؤسسات المالية "لوقف المعاملات بين البلدين والتي يبدو أنها تنتهك اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، خصوصاً في مجال التجارة والاستثمار". هذا قبل أن يلوح بأن الاتحاد الأوروبي "مستعد لمعارضة أي نوع من الإجراءات القسرية المطبقة على دولة عضو".
"تحيز أوروبي غير لائق"
في ردها على موقف الاتحاد الأوروبي، عبَّرت الجزائر عن أسفها لما اعتبرته تصريحات "متسرعة وغير لائقة" لمسؤولي الاتحاد رداً على قرارها "السيادي" بتعليق "اتفاقية الصداقة والجوار" مع إسبانيا.
وقال بيان للخارجية الجزائرية: "التسرع والتحيز في هذه التصريحات يسلطان الضوء على الطابع غير اللائق لمحتواها لكون الأمر يتعلق بخلاف سياسي ذي طابع ثنائي مع دولة أوروبية ليس له أي تأثير على التزامات الجزائر تجاه الاتحاد الأوروبي ولا يستلزم، بالتالي، قط إطلاق أي مشاورة أوروبية لالتماس رد فعل جماعي".
واسترسلت الخارجية الجزائرية موضحة أنه: "وعلى هذا الأساسي حرصت الحكومة الجزائرية على التوضيح علنياً لنطاق الإجراء التحفظي الذي حملت على اتخاذه للحفاظ على المصالح العليا ذات الطابع الأخلاقي والاستراتيجي للبلد في مواجهة أعمال تمس بهدف وغرض المعاهدة".
قبل أن تخلص إلى أن: "هذا التدخل المؤسف هو نتيجة لعمل أقدمت عليه شخصية تعمل على تضخيم نظريات دبلوماسيتها الوطنية على حساب الحفاظ على مصالح الاتحاد الأوروبي الذي تتشرف الجزائر بامتلاكها ضمن عديد من الأصدقاء والشركاء الموثوقين والمسؤولين".
لعبة ورق الأزمة
تأتي هذه الأزمة في ظل مناخ عالمي تطبعه الحرب في أوكرانيا، والتي تهدد بشكل رئيسي الاتحاد الأوروبي، أكثر من غيره من مناطق العالم. ومن هذا الواقع، حسب مراقبين، يأتي تفسير الدور الذي تحاول بروكسيل لعبه في الأزمة ما بين الجزائر وإسبانيا.
في هذا السياق، يلقي التقارب التاريخي بين روسيا والجزائر، والذي يأخذ أبعاداً كثيرة أهمها الاستراتيجية والعسكرية، خلف التحرك الأوروبي في خط الأزمة الحاصلة. هذا ما يمكن أن يستشف من حديث الإعلام الإسباني عن "دور روسي محتمل في التوتر الناشب" بين مدريد وجارتها الجنوبية.
ونقلت صحيفة "القدس العربي" عن نظيرتها "كونفدنسيال" الإسبانية، حديثها عن أن وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس اتصل مساء الجمعة بعدد من مسؤولي الأحزاب السياسية وبعض رجال الأعمال الذين لديهم مشاريع في الجزائر، ليخبرهم بأن المفوضية الأوروبية أبلغته بدور روسي في هذه الأزمة لخلق أزمة في الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي بعد الحرب التي تشهدها الحدود الشرقية للاتحاد جراء حرب أوكرانيا.
ونقلاً عن ذات المصدر، كبت جريدة "الباييس" الإسبانية بأن: "الاتحاد الأوروبي يرى يد روسيا في الضغط الجزائري على إسبانيا، وأن مصادر أوروبية تحدثت عن الدور الذي لعبه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في هذا الشأن عندما زار الجزائر 10 مايو/ أيار الماضي.
وغير بعيد عن ورقة التنافس الاستراتيجي الروسي الغربي في هذه المسألة، تأتي أزمة الطاقة لتلقي هي الأخرى بظلالها حول التوتر. إذ تعد الجزائر أبرز مورد للنفط والغاز للاتحاد الأوروبي، وتغطي 43% من مجمل واردات إسبانيا من الغاز، هذا في وقت يكثر فيه اللغط عن ضرورة تخلص دول الاتحاد من ارتهانها الطاقي لروسيا.
وفي هذا السياق، تجذر الإشارة إلى أن مفاوضات جارية حول مراجعة أسعار عقود الغاز التي تربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي, ما يمكن من خلاله، حسب محللين، اعتبار أن ردة فعل بروكسيل تأتي في سياق الضغط المعاكس على مسار المفاوضات بين إسبانيا وسوناطراك الجزائرية.
وسبق أن نبهت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا إلى هذا الأمر، حينما لم تُخْفِ مخاوفها من أن يلقي الخلاف بظلاله على مفاوضات البلدين حول عقود إمدادات الغاز.