تابعنا
كشفت أبحاث جديدة، يوم الخميس، أن الحرب المستمرة في أوكرانيا لعامها الثالث تسرّع بشكل كبير تبعات الأزمة المناخية، إذ نفثت ملايين الأطنان من الغازات الحبيسة منذ اندلاعها في 24 فبراير/شباط 2022.

وتشمل الغازات الحبيسة التي تخلفها الحرب في أوكرانيا "غاز ثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز وسادس فلوريد الكبريت"، التي تعد الأكثر ضرراً على المناخ. وحسب خبراء، تعادل هذه الكمية المنبعثة تشغيل 90 مليون سيارة تعمل بالبنزين لمدة عام كامل، وتفوق إجمالي الانبعاثات الناتجة بشكل فردي من دول، بما في ذلك هولندا وفنزويلا والكويت، في عام 2022.

فيما ليست الحرب في أوكرانيا النزاع المسلح الوحيد الذي يسرع خطر الأزمة المناخية في عالم تتزايد فيه مثل هذه النزاعات، ما يضيف إلى حصيلتها الدموية المباشرة من قتلى ومصابين ودمار، تبعات قد تعاني منها البشرية لعقود طويلة، في وقت تغيب فيه آليات لمحاسبة المسؤولين عن هذا الضرر.

الحروب تسرع الأزمة المناخية

ووفق التقرير الذي نشره مركز "إيكو أكشن"، الذي يجمع عدداً من المنظمات العاملة في الشأن البيئي بأوكرانيا، فإن عوادم الآليات الحربية وحرائق الغابات، وتغيير مسارات الرحلات الجوية والهجرة القسرية، والتسريبات الناجمة عن قصف البنية التحتية للوقود الأحفوري في أوكرانيا، تسببت في انبعاث أكثر من 175 مليون طن غازات حبيسة منذ اندلاع الحرب.

وارتفع استهلاك وقود الطيران بشكل كبير مع منع شركات الطائرات التجارية الأوروبية والأمريكية من دخول المجال الجوي الروسي، في حين غيّرت شركات الطيران الأسترالية وبعض دول آسيا مساراتها، وهو إجراء احترازي. وأنتجت هذه المسافات الإضافية ما لا يقل عن 24 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.

تُضاف إلى كل هذا، التكلفة المناخية لإعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب، وهو ما قد يخلف نحو 56 مليون طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ورفعت دراسات أخرى توقعاتها لانبعاثات إعادة الإعمار بين 200 و400 مليون طن من غازات حبيسة.

وقال لينارد دي كليرك، المؤلف الرئيسي للتقرير: "إن انبعاث الكربون ناتج عن الصراع كبير الحجم وسيشعر به العالم أجمع. وأوكرانيا ودول جنوب الكرة الأرضية، ستعاني أكثر من غيرها من أضرار المناخ"، على حد تعبيره.

فيما ليست الحرب في أوكرانيا النزاع الوحيد المسبب لهذه الكميات الهائلة من الانبعاثات. وفي دراسة نشرت نهاية يناير/كانون الثاني، تسبب الشهران الأولان من العدوان الإسرائيلي على غزة في انبعاث أكثر من 281 ألف طن من غازات الاحتباس الحراري.

وقالت الدراسة، التي أجراها باحثون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إن الحرب التي أطلقتها إسرائيل عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، خلّفت في أول 60 يوماً منها فقط انبعاثات تعادل حرق 150 ألف طن من الفحم.

فيما رجّحت صحيفة الغارديان أن خلاصات هذه الدراسة قد تكون أقل بكثير مما هو موجود في الواقع، ذلك لكونها اعتمدت في تحليلها على رصد عدد قليل من الأنشطة كثيفة الكربون.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن بنجامين نيمارك، أحد كبار المحاضرين في جامعة كوين ماري، قوله: "هذه الدراسة ليست سوى لقطة من البصمة الكربونية الأكبر للحرب (...) صورة جزئية لانبعاثات الكربون الهائلة والملوثات السامة الأوسع التي ستبقى لفترة طويلة بعد انتهاء القتال".

وبشكل عام، تعد الجيوش مسؤولة عن 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم، وهي نسبة أكبر مما تنتجه دول، مثل روسيا واليابان، سنوياً من انبعاثات، وتحتل المركز الرابع مقارنة بانبعاثات البلدان، مباشرة خلف الهند والولايات المتحدة والصين.

آثار بيئية أخرى

وغير الانبعاثات، تتسبب الحروب في ضرر كارثي كبير للبيئة، خصوصاً في الأراضي التي تنشب عليها. ومثال على ذلك ما يقع في غزة، حيث تتعدد أشكال التأثيرات البيئية الضارة للعدوان الإسرائيلي، ومن بين أهمها استمرار تكدس جثث الشهداء تحت الأنقاض، وهو ما يهدد بانتشار الأوبئة والأمراض.

ويؤدي تحلل الجثث في المناطق المنكوبة إلى خطر الإصابة بالسل، والفيروسات المنقولة بالدم، مثل التهاب الكبد بي وسي، والتهابات الجهاز الهضمي كالكوليرا والإشريكية القولونية، والإسهال الناتج عن فيروس الروتا، وداء السالمونيلا، وداء الشيغيلات، وحمى التيفويد.

يُضاف إلى هذه الأخطار، الدمار الهائل الذي حلّ بالقطاع. ويتسبب تراكم حطام المباني في مشكلات صحية خطيرة على السكان، من بينها التسمم بمادة الأسبستوس، التي تتسبب في داء التليف الرئوي، كما تؤدي إلى عدة أنواع من السرطان كسرطان الرئة والحنجرة والمبيض، وفق ما ذكر موقع منظمة الصحة العالمية. وحسب تقرير لمنظمة "العمل ضد العنف المسلح" (AOAV)، فإن مادة الأسببستوس تتسبب في خطر تلوث طويل المدى.

ودمّر القصف على غزة شبكة الصرف الصحي، وهو ما قد يؤدي، حسب التقرير المذكور، إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية ومياه بحر القطاع. ومثالاً على هذا التلوث، خلال حرب 2008، تسبب القصف الإسرائيلي في تدمير حوض محطة المعالجة في حي الزيتون، وهو ما تسبب في تسرب 100 ألف متر مكعب من المياه العادمة، ولوث نحو 55 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية.

وخلال حرب 2021، قدرت خدمة المياه والصرف الصحي والنظافة بالقطاع، أن نحو مليون من السكان تأثروا بشكل مباشر بتدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وجرى تصريف المياه الملوثة في الشوارع والحقول وخزانات المياه وفي البحر الأبيض المتوسط.

وفي أوكرانيا أيضاً، حسب ما صرّح به الخبير البيئي الأوكراني بوهدان كوتشينكو، لـTRT عربي، فإن الحرب في أوكرانيا "أدت في عامها الأول فقط إلى تدمير 3% من الغطاء الغابوي، منها غابات دُمرت بشكل كلي، سواء بالحرق أو تقطيع الأخشاب لبناء التحصينات العسكرية".

وأضاف كوتشينكو أن ضرراً هائلاً أصاب التربة والمياء "بسبب القذائف المستخدمة، التي تعد بالملايين، وما ينتج عنها من مواد سامة تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية"، ناهيك بـ"التلوث الناتج عن الألغام والقذائف التي لم تنفجر، وهو ما يجعل استخدام تلك الأراضي غير آمن لعشرات السنوات".

TRT عربي