تابعنا
تصرّ إسرائيل وواشنطن على إلقاء مسؤولية مذبحة المعمداني على فصائل فلسطينية، لكن الوقائع الميدانية والعسكرية تشي بغير ذلك، إذ إنّ حجم الانفجار والدمار في المستشفى، لا يمكن أن يكون إلا نتيجةً لقصف بأسلحة ثقيلة، لا تملكها الفصائل الفلسطينية.

فاقت المجزرة التي نفذتها إسرائيل، باستهدافها المستشفى المعمداني في غزة، كل التوقعات، ليس فقط لأنّ المستشفى مخصّص لمعالجة المصابين والجرحى، وهو ما يعطيه حُرمة وحماية قانونية وإنسانية، بل أيضاً لأنّه استُهدف عمداً، وهو المكان الذي تلجأ إليه العائلات الغزيّة مع أطفالها هرباً من جحيم القصف.

أمام ما جرى تتناسل الأسئلة حيال إمكانية توسع العمليات العسكرية رداً على مجزرة المعمداني من قِبل الفصائل الفلسطينية من جهة، وما يمكن أن تبادر به قوات الاحتلال الإسرائيلي من توسيع للعمليّات العسكرية والقصف والاغتيالات من جهة ثانية، وهو ما قد يطيل أمد الحرب وانعكاساتها الإقليمية.

سيناريوهات محتملة

تصرّ إسرائيل وواشنطن على إلقاء مسؤولية مذبحة المعمداني على فصائل فلسطينية، لكن الوقائع الميدانية والعسكرية تشي بغير ذلك، إذ إنّ حجم الانفجار والدمار في المستشفى، لا يمكن أن يكون إلا نتيجةً لقصف بأسلحة ثقيلة، لا تملكها الفصائل الفلسطينية.

وأمام هول الجريمة تكثر السيناريوهات المحتملة للمقبل من الأيام، فهي -وفقاً لخبراء- محطة مفصلية في معركة "طوفان الأقصى" لن يقتصر الردّ عليها من قطاع غزة، بل سيتعدّاه إلى جبهات أخرى، قد تشمل ضربات لـ"حزب الله" اللبناني وفصائل فلسطينية في مناطق محاذية للحدود اللبنانية- الإسرائيلية.

من هذا المنطلق، يعتبر المحلل السياسي ربيع دندشلي أنّ كل المؤشرات التي ترد من إسرائيل تفيد بتحضيرها لحرب طويلة بعد مجزرة المستشفى المعمداني، وهذا الأمر يتبدّى من نقاط عدّة، أبرزها استدعاء كل احتياطاتها من الجنود، ما يعني تعطل المصالح ووقف العجلة الاقتصادية، وهذه أجواء حرب شاملة.

ويبيّن دندشلي في حديثه مع TRT عربي، أنّ هذا المعطى "يتلاقى مع استهداف كتائب القسام لمطار بن غوريون والمرافق الأساسية مع ما صحب ذلك من شلل كامل"، مضيفاً أنّ "هذا الأداء يؤشر على أنّ المقاومة الفلسطينية لاتزال قادرة على الصمود وإطلاق الصواريخ، رغم كل الضغوط التي تُفرض على قيادتها السياسيّة في الخارج".

في المقابل، يعتبر الباحث السياسي إبراهيم ريحان أنّ هول الجريمة في مستشفى المعمداني في غزة يُعتبر محطة لتعزيز منطق المقاومة، على اعتبار أنّ ما جرى يعزّز سردية حركة حماس وحلفائها في قِوى المقاومة، وهي أنّ "عدواً بهذه العقلية العدوانية لا يمكن التعامل معه إلا بالنار".

ويعتبر ريحان في حديثه مع TRT عربي، أنّ المجزرة باتت تُراكم أسئلة لدى القوى الإقليمية بدورها، بخاصة أنّها تنتظر ردّة فعل "حزب الله" في لبنان، على اعتبار أنّه يضع نفسه في إطار الحليف لحركة حماس، بعدما أطلقت عملية العبور إلى غلاف غزة.

وثمة اعتقاد أنّ الفصائل الفلسطينية في غزة، التي تتحضر لاحتمالية الاجتياح البري لقطاع غزة، ستردّ على المجزرة من خلال مجموعة عمليات نوعية عبر إطلاق صواريخ جديدة ونوعية تطال مدناً أبعدَ، على اعتبار أنّ الجريمة التي جرت لا يمكن أن تمرّ من دون ردّ.

وحسب ريحان، فإنّ الرد على المعمداني بدأ من جبهات متعدّدة، الأولى الرد الصاروخي على إسرائيل من غزة، والضربات التي وجّهها "حزب الله" من لبنان، إضافةً إلى دخول عنصر جديد إلى المواجهة وهو إعلان "الجماعة الإسلامية" في لبنان عن إطلاق صواريخ من جنوب لبنان.

"ردّ مؤلم"

من جهته يعتقد المستشار السابق لرئيس الحكومة اللبنانية خلدون الشريف، أنّ جريمة المعمداني رغم ثقلها الإنساني والأخلاقي، فإنّ التكتيك العسكري يشير دائماً إلى أنّ الجهة المطلوب منها الردّ على العدوان، دائماً ما تتريث لتأخذ الأمور مداها.

ويقول لـTRT عربي، إنّ السبّب في التريّث هو أنّ الجانب الإسرائيلي ينتظر ردّاً، "فيما المقاومة قد تفاجئه بردّ مؤلم لكنّه مؤجّل ربما لأيام أو أسابيع"، مرجحاً إمكانية أن "تتسارع الأمور خلال أيام قليلة في القطاع"، بحكم أنّ الدعم الذي تلقاه نتنياهو من الولايات المتحدة وبريطانيا، سيكون مناسباً لإصراره على العملية البرية، استباقاً لأي رد فلسطيني أو من قبل "محور المقاومة".

ووفق الشريف، فإنّ هذه الصورة تؤشر على تصميم نتنياهو على الذهاب إلى الحملة البرية في شمال غزة مهما كان الثمن، وترك التسويات السياسية للمرحلة اللاحقة.

ويلفت إلى أنّ "ما يزيد من هذا الاقتناع، عدم توقف الحكومة الإسرائيلية أمام موضوع الأسرى الموجودين لدى حماس والجهاد الإسلامي، الذي لطالما شكّل نقطة الضعف عند الإسرائيليين، وهذا يعني أنّ الحرب البرية لن تتأخّر كثيراً، ما يستدعي إجراء تقييم سريع لمسار الأمور على الجبهتين اللبنانية والسورية".

ويرى الشريف أنّ "أمام حماس أياماً قادمة من المعارك الحاسمة في شمال غزة، في ظل ما ينقله مسؤولون في المنطقة من أنّ هناك قراراً دولياً وإسرائيلياً بتصفية حماس وضرب بنيتها العسكرية، والسعي لاغتيال قادتها في القطاع وربما في الخارج، على غرار ما جرى في العقد الفائت بالصراع مع منظمة التحرير".

واشنطن وفشل المبادرات الإنسانية

وكان لافتاً أنّ المجزرة أرخت بظلالها على اللقاءات والاتصالات الدولية والإقليمية ما أدى إلى إلغاء "قمة عمّان الرباعية"، وتأجيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى القاهرة، والاكتفاء بزيارة إسرائيل، مستعيضاً عنها باتصالات هاتفية مع الرئيسين المصري والفلسطيني وملك الأردن.

وكان بايدن قد أعلن في تصريحات أنّ الرئيس السيسي وافق على فتح معبر رفح الحدودي مع غزة للسماح بإدخال دفعة أولى من شاحنات مساعدات إلى القطاع، ونفى بايدن بالمقابل أن يكون قد أبلغ إسرائيل بأنّ الولايات المتحدة ستدخل الحرب في حالة انضمام "حزب الله" إلى الصراع.

ويشير المحلل دندشلي إلى أنّ جريمة مستشفى المعمداني في غزة أسدلت عن محاولات كانت تجريها كل من قطر ومصر للاتفاق على دخول المساعدات الطبية والغذائية إلى غزة، مع هدنة إنسانية لمدة 48 ساعة مقابل خروج المواطنين المدنيين، إضافةّ إلى الأمريكيين المدنيين الذين تحتفظ بهم حركة حماس بعد عملية "طوفان الأقصى".

ويرى دندشلي أنّ إقدام نتنياهو على جريمة المعمداني، كان بهدف منع حصول هذا الاتفاق، على اعتبار أنّ كل ساعة هدنة ستعرّض نتنياهو لأزمات أكبر في الداخل الإسرائيلي، بحكم أنّه المسؤول المباشر عن الحرب ونتائجها.

"حزب الله" واحتمالية الرد

بدوره يعتبر المحلل العسكري إبراهيم فرحات، أن الجانب الإسرائيلي يعيش قمة الارتباك بدليل عودته إلى الحديث عن "أسابيع من المواجهة"، رغم صعوبة استمراره في حرب جوية طاحنة من دون تدخل بري.

ويرى فرحات في حديثه مع TRT عربي، أنّ حركة حماس مضطرة إلى الرد المباشر على المجزرة والإعلان عن ذلك، لكن "حزب الله" يرى نفسه غير معني بالإجابة عن السؤال المطروح عن ما إنْ كان سيعيد النظر في مواقفه وخطواته الميدانية، لأنّه شريك مباشر في المعركة الدائرة.

ووفقاً للمحلل العسكري، يفترض أن يحسب حلفاء حماس الحساب لأي مستجد وطارئ، إذ لا يمكن أن تترك الأمور للمصادفات وردود الفعل في معركة على هذا القدر العالي من التحدي.

ويلفت فرحات إلى أنّ أطرافاً دبلوماسية كانت تشير إلى أنّ إسرائيل استبقت من خلال المجزرة ردّ فعل عسكرياً لـ"حزب الله" من لبنان وسوريا، خصوصاً أنّه "كان قد ألهب الجبهة الجنوبية على نحو غير مسبوق"، لا سيّما بعد كلام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، بأنّ إيران "لن تبقى متفرّجة إذا استمرّ العدوان على غزة".

TRT عربي