ويؤكد الخبراء أن انهيار النظام السوري أتاح الوصول إلى أدلة دامغة تثبت تورطه في جرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، مشيرين إلى أنه مع الحديث عن إمكانية انضمام سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، قد يصبح إصدار "قرار اعتقال" بحق الأسد خطوة قريبة على الصعيد الدولي.
"ملاحقة الأسد أصبحت أسهل"
وفي هذا الصدد يقول الدكتور لوند أرسين أوراللي من جامعة "حاجي بيرم والي" التركية في أنقرة إن سقوط النظام فتح المجال أمام عمل جميع الجهات الفاعلة في إطار القانون الدولي، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، لافتاً في حديثه لوكالة الأناضول إلى أن جمع الأدلة كان صعباً في أثناء فترة حكم النظام المنهار بسبب المخاطر الأمنية والتحديات في المنطقة.
ويتفق معه في الرأي فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الذيي أشار لوكالة الأناضول إلى أن "سوريا كانت تحت حكم ديكتاتوري خلال فترة الأسد، ولذلك لم يكن من الممكن محاكمة الأسد على الانتهاكات المرتكبة"، معتبراً أن "إمكانية ملاحقة الأسد، الذي أصبح الآن مطلوباً للعدالة، باتت أسهل بعد سقوط نظامه".
لكن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك صلاحية مباشرة لمحاكمة الأسد بسبب عدم توقيع سوريا على اتفاقية روما، ولكي تتمكن المحكمة من التدخل، يجب أن تقبل سوريا اختصاص الجنائية الدولية أو أن يحيل مجلس الأمن الدولي الملف إلى المحكمة.
ولكن وفقاً للفقرة 3 من المادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمكن لدولة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تقدم إعلاناً توافق من خلاله على اضطلاع المحكمة بالاختصاص القضائي.
إضافة إلى ذلك، يمكن للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ما دام لم يُستخدم حق النقض، أن تقدم طلباً إلى الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبها الأسد.
وفي هذا الإطار، أوضح أوراللي أن القانون الدولي سيدخل حيز التنفيذ إذا وصلت الجرائم المرتكبة في سوريا إلى حد الإبادة الجماعية، واستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، بما يؤدي إلى تعرض المدنيين لأضرار كبيرة، لافتاً إلى أن الاتهامات الموجهة ضد نظام الأسد تتوافق مع هذه المعايير.
من جانبها، ترى نوشا قبوات، مسؤولة سوريا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، إنه من الممكن محاكمة الأسد بسبب "جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المحتملة"، مشيرة في حديثها لوكالة الأناضول إلى أن الاتفاقيات الدولية مثل جنيف والنظام الأساسي لروما "توفر الإطار القانوني لهذه المحاكمات".
وأكدت أن عملية المحاكمة قد تستغرق سنوات، وأن تسليم الأشخاص المتهمين إلى المحكمة يعتمد في النهاية على تعاون الدول الأطراف واستعدادها للمشاركة في الإجراءات القضائية.
هل يمكن محاكمة الأسد خارج "الجنائية الدولية"؟
وأكد الخبراء وجود آليات بديلة لمحاكمة الأسد، خارج إطار المحكمة الجنائية الدولية، وذلك من خلال المحاكم الخاصة، إضافة إلى المحاكم المختلطة، والمحاكم الوطنية ذات الاختصاص القضائي الدولي.
وأضاف أوراللي: "الجرائم التي ارتكبها الأسد ذات طابع دولي، ولهذا السبب، يحق لجميع الدول ممارسة سلطتها القضائية على هذه الجرائم، التي تتجاوز حدود الاختصاص القضائي الوطني".
بدوره أكد عبد الغني إمكانية رفع القضايا ضد الأسد في المحاكم الدولية والمحلية، "فهو لم يعد يمتلك السلطة ولا أعتقد أن روسيا ستضحّي بعلاقاتها مع سوريا من أجل حماية الأسد".
من جهتها أشارت قبوات إلى إمكانية المحاكمة خارج نطاق المحكمة الجنائية الدولية، قائلة: "يجب أخذ الأحكام التي صدرت في فرنسا وسويسرا ضد الأسد ومسؤولي النظام المنهار الآخرين في الاعتبار".
وفي السياق، شددت منظمة الأمم المتحدة، الخميس، على ضرورة محاسبة ومساءلة مرتكبي الجرائم في سوريا من أجل شعبها الذي عانى سنوات طويلة تحت حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأشار متحدث المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك إلى أن الأمم المتحدة لديها آليات مختلفة لضمان المساءلة، ومن بينها المحاكم ولجان التحقيق.
وفي أعقاب انهيار نظام البعث بسوريا، اكتُشفت مقابر جماعية في إطار عمليات البحث والتفتيش في جميع أنحاء البلاد.
ويُعتقد أن الجثث في منطقة جسر بغداد تعود لمدنيين قُتلوا في أثناء التعذيب بسجون الأسد، ومن بينها سجن صيدنايا، ثم دُفنوا في هذه المقبرة.
كما عُثر على أكياس يُعتقد أنها تحتوي على رموز السجون وأسماء القتلى في حفر طويلة وعميقة للجثث المدفونة بعضها فوق بعض.
وفي 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام المنهار من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاماً من حكم نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.