بقبعات على طراز عساكر موسوليني وسراويل بألوان القوات النازيَّة، مسلَّحون بعصي وسكاكين وبنادق يتظاهرون في استعراضات شبه عسكرية تجوب المحافظات الهنديَّة. إهم مليشيات "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" المعروفة اختصاراً بـ"آر إس إس"، وهي قوات مسلحة تطوعيَّة هندوسية متطرِّفة يبلغ تعدادها 6 ملايين عنصر، مهمتها اضطهاد مسلمي البلاد تحت شعار الدفاع عن هويَّتها الهندوسية.
تعتنق مليشيات "آر إس إس" عقيدة الـ"هندوتفا"، وهي عقيدة دينية قومية متطرِّفة هي المحرك الأساسي لأعمال الجماعة، فـ"الهندوتفا والهندوسيَّة كلّ واحد يسري كالدم في عروق الهند"، يقول أحد عناصر "آر إس إس" في وثائقي مصوَّر لمنصة "ريدفيش" البريطانية. وتجمع هذه العقيدة بين التطرف الديني الهندوسي والغلو القومي الهندي، منتجة أعمالاً عنصريَّة دموية ترقى حسب باحثين إلى مرتبة الإرهاب.
فيما تعرف الهند خلال السنوات السبع الأخيرة لحكم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا" اشتداداً لسطوة الـ"آر إس إس" وهيمنة واسعة لعقيدة "هندوتفا" على الخطاب السياسي والإعلامي بالبلاد. ومع كل هذا حملات التحريض ضد المسلمين وعمليات اضطهادهم وتقتيلهم. آخرها ما يحدث في الأيام الأخيرة عقب عمل السلطات الهندية بشكل متعسف وقسري منذ 20 سبتمبر/أيلول الجاري، على تهجير أكثر من 800 عائلة مسلمة في ولاية آسام بحجة أنهم يقيمون على أرض مملوكة للدولة.
عقيدة دموية ومليشيات إرهابية
تعود أصول الشقاق بين مكونات الأمة الهنديَّة إلى فترة الاحتلال البريطاني للبلاد، بل ورجع باحثون أوليات العنف الدموي بين أتباع الديانتين إلى السياسات الطائفية التي انتهجها ذلك الاحتلال وفق استراتيجية "فرِّق تسد". بالتزامن مع تلك الحقبة نتجت عقيدة الـ"هندوتفا" بوصفها آيديولوجية قومية مقاومة للاستعمار، على يد منظِّرها فيناياك دامودار سافاركار.
هدف سافاركار كان هو التأسيس لنظام شمولي قائم على نمط الحياة الهندوسي وتمجيد الانتماء الهندي حدَّ الغلو. في نظره "الهندوس ليسوا فقط أمة جمعت بينها الثقافة والتاريخ والجغرافيا وروابط الدم"، فيما "المسلمون والمسيحيون هم ذُريَّة هذه الأمة الهندوسية قبل أن يتحولوا إلى ديانات أخرى"، وبالتالي "عليهم أن يعتنقوا الثقافة الهندوسية، وألا ينظروا إلى الهند باعتباره وطناً فقط، بل أرض مقدَّسة" يكتب في كتابه "هندوتفا: مَن الهندوسي؟".
أسست نظريات سافاركار توجهاً سياسياً وعسكرياً مقاوماً ضد الاستعمار، ومعادياً كذلك لتوجه المقاومة السلمية التي دافع عنها غاندي. واستمر حضور تلك النظريات إلى يومنا هذا متجسدة في مليشيات "آر إس إس" التي أسست 1925 لتنفيذ ما خطه منظِّرها، بما فيها العنصريَّة ضد غير الهندوس، وعلى وجه أخص المسلمين الذين يعتبرونهم أجساماً دخيلة على الجسد الهندي.
ومنذ تأسيسها دأبت عناصر الـ"آر إس إس" على استفزاز الأقلية المسلمة تزامناً مع كل احتفال ديني هندوسي قبل أن يعيثوا في المسلمين تعنيفاً وتقتيلاً. وسنة 1992 عمد الآلاف من مليشيات "آر إس إس" إضافة إلى جماعات هندوسية متطرِّفة أخرى إلى الهجوم على "مسجد بابري" التاريخي بولاية أرت بارديش المقدسة لدى الهندوس، وهدموه بدعوى أنه بني على أنقاض معبد للإله رام، مطلقين العنان لأعمال عنف دامت عدّة أشهر متسبّبةً في مقتل ما لا يقل عن 2000 شخص.
ابن المليشيا في رئاسة الحكومة!
منذ 2014 ومع اعتلاء ناريندرا مودي رئاسة حكومة الهند عرفت عقيدة الـ"هندوتفا" انتشاراً واسعاً، وبسطت مليشيات "آر إس إس" نفوذها على الساحة السياسية والاجتماعية الهندية. فيما يعود هذا الأمر إلى كون الحزب الحاكم منذ تأسيسه سنة 1980 الواجهة السياسية للمليشيات، وبالتالي مكنتها قيادته للحكومة من امتلاك كل الوسائل لتدعيم أذرعها داخل التنظيمات الطلابية والنقابات العمالية، كما يروج لأفكارها الإعلام الذي لم يعد يتوانى بشن حملات تحريضه ضد المسلمين.
هذا ويعد مودي أحد أبناء "آر إس إس" الأوفياء المتشبعين بعقيدة الـ"هندوتفا"، هو الذي انتمى إليها منذ سن الثامنة من عمره وتدرَّج ليصبح أحد قياداتها قبل أن يدخل الحياة السياسية. بل وشارك في عدد من أنشطتها، على رأسها أحداث هدم مسجد بابري سنة 1992، حسب ما يذكر وثائقي "ريد فيش".
أواخر سنة 2019 ومع اندلاع احتجاجات المسلمين الهنود على "قانون الجنسية الجديد" وقتها لعبت العصابات الهندوسية المتطرفة، وعلى رأسها "آر إس إس"، دوراً مهماً في قمع المظاهرات المناهضة للحكومة، بعد أن جنَّدتها شرطة العاصمة نيودلهي في ذلك. "ما شجع العصابات الهندوسية على زيادة الهجمات التي تشنها على المسلمين"، يقول تقرير سابق لوكالة الأناضول.
ومع تجدد أعمال العنف ضد المسلمين منذ أيام بولاية آسام إثر قتل الشرطة أحد المواطنين المسلمين ورفسه من قبل مصور كما نقل ذلك مقطع فيديو متداول على نطاق واسع، ناشد رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، مليشيات "آر إس إس" التدخل "لحماية الهندوس من أعمال عنف من المسلمين"، وشدد محرضاً قيادات المليشيا وعناصرها المسلَّحة بأنه "إذا لم تتدخَّلوا فستصبح آسام كاشمير جديدة".
هذا وتشير الأرقام التي كشفت عنها التقارير الاستقصائية إلى جرائم الكراهية في الهند، عن تجاوز الضحايا من المسلمين تحديداً خلال السنوات العشر الماضية نسبة 90%. وفي الوقت الذي تدين فيه القوانين الدولية مرتكبي جرائم الكراهية في العالم تكافئ السلطات الهندية المتورطين في أعمال عنف ضد الأقلية المسلمة هناك ولا تلاحقهم بأي نوع من العقوبة. لتكون الهند بذلك عنواناً لأبشع أنواع الإسلاموفوبيا في العالم كما يصفها ناشطون وحقوقيون.