و"أيباك"، (لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية)، هي أقوى جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة، ولها تأثير واسع داخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكذلك في الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، بهدف تعزيز مصالح إسرائيل. وفي هذا التقرير نظرة على أبرز الشخصيات المرتبطة بـ"أيباك" في التشكيلة الوزارية المتوقعة لترمب.
بيت هيغسيث.. وزير الدفاع
من بين أكثر التعيينات إثارةً للجدل بيت هيغسيث، الجندي السابق في الجيش الأمريكي والمذيع في قناة فوكس نيوز الذي أظهر دعماً ثابتاً لسياسات إسرائيل المتشددة، وكان قد خدم سابقاً ضابطاً في الحرس الوطني للجيش بمهام في خليج غوانتانامو والعراق وأفغانستان.
ومن أبرز الأشياء التي تعكس مدى جدلية هيغسيث هي الرموز المنقوشة على جسده؛ مثل وشم "الصليب المقدس الكبير" على صدره، والآية من "إنجيل متى" 10:34، التي تقول: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً".
وتبرز المخاوف المتعلقة بهيغسيث من أن تؤثر صهيونيته الدينية الواضحة على السياسة الدفاعية الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل أكثر عدوانية. وكان قد أعرب في مؤتمر ديني في القدس عام 2018 عن أمله في "معجزة" قد تؤدي إلى إعادة بناء الهيكل على "جبل الهيكل" وفق التسمية اليهودية للمسجد الأقصى، وهو هدف مثير للجدل بين فصائل الصهاينة.
ويعكس تعيينه استعداد إدارة ترمب لتكثيف الدعم الأمريكي لأهداف إسرائيل الأكثر تشدداً، مما يثير القلق بشأن الحياد في الدبلوماسية الشرق أوسطية.
مايك والتز.. مستشار الأمن القومي
مايك والتز، عضو الكونغرس من فلوريدا والعضو السابق في القوات الخاصة الأمريكية، جرى اقتراحه مستشاراً للأمن القومي في إدارة ترمب، مما يشير إلى انحياز أقوى تجاه إسرائيل في البيت الأبيض، خصوصاً في ما يتعلق بما سُميت اتفاقات "أبراهام" المثيرة للجدل.
ودعم والتز علناً سياسات إسرائيل المتشددة، إذ حصل على تبرعات تبلغ 235.966 ألف دولار من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل بما في ذلك "أيباك"، كما دافع عن ضربات إسرائيل ضد حزب الله ودعا إلى موقف عسكري ضد طهران، مؤيداً ضربات على منشآت النفط الإيرانية في جزيرة خرج والمنشآت النووية في نطنز.
والتز أيضاً داعم صريح لـYPG/PKK الإرهابي في سوريا، ويصفه بأنه "أفضل حلفائنا في الشرق الأوسط بعد إسرائيل"، على حد تعبيره، ويدافع عن تأشيرات أمريكية خاصة لأعضاء PKK الإرهابيين، وهو موقف يتعارض مع الأمن القومي لحليف واشنطن الرئيسي في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تركيا.
يُتوقع أن يركز والتز في دوره الجديد على توسيع "اتفاقات أبراهام"، ودفع السعودية للانضمام إلى التحالف الإقليمي الذي يضم إسرائيل في مواجهة إيران.
ويشير تعيينه إلى استمرار تقوية الموقف الأمريكي المؤيد لإسرائيل، مع استعداد للتصعيد مع إيران ودعم استراتيجيات إسرائيل العسكرية في المنطقة.
تولسي غابارد.. مديرة الاستخبارات الوطنية
تولسي غابارد هي شخصية مثيرة للجدل كانت تنتمي إلى الحزب الديمقراطي من 2013 إلى 2021، وفي فترة رئاسة ترمب الأولى وصفته بـ"دمية السعودية" بسبب توقيعه اتفاقيات دفاع مع المملكة.
في عام 2019، أفادت صحيفة "إنترسبت" بأن حملاتها الانتخابية في مجلس النواب تلقت أموالاً من أكثر من 100 شخص مرتبطين بالجماعات الهندوسية القومية المتطرفة. وعلى مدار سنوات، أصبح القوميون الهندوس حلفاء للصهاينة بسبب كرههم المشترك للمسلمين.
تتصف غابارد بدعمها الثابت لإسرائيل، وأظهرت تعليقاتها على الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين هذا الانحياز، حيث وصفت المحتجين بأنهم "دمى" في يد "منظمة إسلامية متطرفة" على حد تعبيرها، مشيرةً بشكل ضمني إلى حماس.
وحظي موقف غابارد بدعم من الجماعات المؤيدة لإسرائيل، وهو ما انعكس في حصولها على ما يقرب من 40 ألف دولار من التبرعات من تلك الجماعات، وفق متتبِّع للجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (أيباك).
جون راتكليف.. مدير وكالة المخابرات المركزية
جون راتكليف، الذي رشحه ترمب مديراً لوكالة المخابرات المركزية، هو أيضاً من الشخصيات التي تتماشى مواقفها مع السياسات الصهيونية المتشددة، وكان عضواً في الكونغرس عن ولاية تكساس ومديراً سابقاً للاستخبارات الوطنية، وسبق أن انتقد إدارة بايدن علناً، متهماً إياها بتحويل موارد استخباراتية بعيداً عن مراقبة جماعات مثل حماس.
وأيَّد راتكليف ضربات إسرائيل العسكرية ضد الأهداف الإيرانية، مشيراً إلى أن ما فعلته إسرائيل هو مثال رئيسي على "عقيدة ترمب" في ممارسة الضغوط القصوى. وتعكس تصريحاته حول إيران دعمه المستمر للموقف العسكري الإسرائيلي العدواني في المنطقة.
كما هاجم نائبة الرئيس كامالا هاريس، لترويجها لما وُصف بـ"سردية كاذبة" حول استهداف إسرائيل للفلسطينيين المدنيين في غزة.
ستيفن ويتكوف.. المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط
ستيفن ويتكوف، الذي رُشح مبعوثاً خاصاً لواشنطن إلى الشرق الأوسط، شخصية رئيسية أخرى في حكومة ترمب، لا يحمل أي خبرة دبلوماسية ولكنه يحمل ارتباطاً راسخاً بأجندة إدارة ترمب المؤيدة لإسرائيل.
ويتكوف، وهو قطب عقارات ومانح رئيسي، مندمج بشكل جيد في الدائرة الداخلية لترمب، خصوصاً من خلال علاقاته مع جاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره الكبير السابق، الذي لعب دوراً حاسماً في صياغة خطة ترمب للسلام و"اتفاقيات أبراهام".
علاقة ويتكوف بإسرائيل هي علاقة شخصية وآيديولوجية بشكل ملحوظ، ويُظهر ذلك رد فعله على آخر خطاب ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس، حيث وصف الخطاب بـ"الروحي"، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع الردود الأكثر تحفظاً من عديد من المشرعين الديمقراطيين.
ويعد إعجاب ويتكوف بنتنياهو وانخراطه العميق مع مجتمع الأعمال اليهودي عاكساً لتأثير مصالح ذوي الثروات والمؤيدين لإسرائيل في تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما أن تعيينه يعزز موقف ترمب الثابت المؤيد لإسرائيل، ويعزز الرواية القائلة بأن الولايات المتحدة متحالفة مع مواقف إسرائيل الأكثر تشدداً.
مايك هاكابي.. السفير الأمريكي لدى إسرائيل
على الرغم من افتقاره إلى الخبرة الدبلوماسية أيضاً، وهو ما يجعله أول سفير غير يهودي للولايات المتحدة لدى إسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمان، فإن ترشيح مايك هاكابي يسلط الضوء على نفوذ الصهيونية المسيحية داخل إدارة ترمب.
وتتوافق آراؤه بشكل وثيق مع آراء زعماء اليمين المتطرف الإسرائيليين، مثل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي احتفل بتعيين هاكابي، الأمر الذي أدى إلى تعميق الانقسام الآيديولوجي بشأن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين.
ومن المحتمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى تهميش الحياد الدبلوماسي وجر واشنطن بدلاً من ذلك نحو الأجندة المتطرفة لإسرائيل، التي تواجه انتقادات شديدة بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها منذ أكثر من عام في غزة.
وهاكابي هو واعظ سابق تحول إلى رجل سياسة، وألقى أول عظة كنسية له في سن الخامسة عشرة، وعمل لعدة سنوات مع القس التليفزيوني جيمس روبيسون، كما عمل لاحقاً قسيساً في الكنائس المعمدانية بولاية أركنساس، كما كان رئيساً لقناتين تليفزيونيتين مسيحيتين.
زار هاكابي إسرائيل أكثر من 100 مرة، وله علاقة وثيقة مع نتنياهو، ويؤكد دعمه الثابت لأجندة إسرائيل اليمينية.
وصرح هاكابي سابقاً بأنه "لا يوجد حقاً شيء اسمه فلسطين"، وهي ملاحظة تمحو التاريخ والهوية الفلسطينية. وقد قلل باستمرار من شأن احتلال إسرائيل على الطراز الاستعماري، مشيراً إلى الضفة الغربية باسم "يهودا والسامرة"، ومصوراً المستوطنات اليهودية غير القانونية على أنها "أحياء" و"مدن".
في مقابلة أُجريت معه عام 2017، زعم هاكابي أنه "لا يوجد شيء اسمه احتلال"، متحالفاً مع العصابات الصهيونية العنيفة التي تعمل انطلاقاً من الضفة الغربية المحتلة، وأعطى هاكابي "الضوء الأخضر" لإسرائيل، مطالباً الدولة الصهيونية بالمضي قدماً في فرض التغيير الديمغرافي وإجبار الفلسطينيين الأصليين على مغادرة منازلهم.
وأثار ترشيحه ردود فعل قوية، إذ أعرب عديد من المنتقدين عن مخاوفهم بشأن العواقب الخطيرة التي قد يُخلِّفها تعيينه على كلٍّ من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والسياسة الخارجية الأمريكية.
إليز ستيفانيك.. سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة
إليز ستيفانيك، التي اختارها ترمب لتكون سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، كانت قد تلقَّت أكثر من 917 ألف دولار من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، بما في ذلك "أيباك"، وتؤكد باستمرار دعمها لسياسات إسرائيل.
كانت ستيفانيك قد قالت إن "إسرائيل معجزة" ومثال على "إمكانات الإنسان"، ودافعت بنشاط عن سياسات إسرائيل، وغالباً ما اصطفّت مع نهجها المتشدد.
وأدانت ستيفانيك علناً حركة الاحتجاجات التضامنية مع الفلسطينيين في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بنسلفانيا، بما في ذلك عبارات مثل "من النهر إلى البحر" و"انتفاضة"، التي وصفتها بأنها "دعوة لقتل اليهود".
وفي اجتماع الكتلة البرلمانية للكنيست (البرلمان) الإسرائيلي في القدس المحتلة في مايو/أيار 2024، أكدت ستيفانيك ولاءها لأجندة ترمب المؤيدة لإسرائيل، قائلةً: "إنه من شرف ومسؤولية الولايات المتحدة الكبرى دعم جهود إسرائيل للقضاء على حماس"، على حد تعبيرها، وأشادت بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، قائلةً إن إسرائيل "هي التجسيد المادي لمقولة هرتزل: إذا أردتها فهي ليست حلماً".
كريستي نوم.. وزيرة الأمن الداخلي
اختار ترمب كريستي نوم، حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، لتكون وزيرة الأمن الداخلي، وأثار قرارها إقرار قانون يفرض استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) في التحقيقات المتعلقة بالتمييز ضد اليهود، جدلاً كبيراً.
ويُنتقد التعريف بشدة بسبب خلطه بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، مما يحد من حرية التعبير ويخنق النقاش حول سياسات إسرائيل.
تؤمن نوم بالآيديولوجية الصهيونية التي تقول إن اليهود هم "شعب الله المختار"، وفق تعبيرها، وذكرت أن مشروع القانون يضمن "أمن شعب الله المختار"، ولكنه يحد فعلياً من أي انتقاد لإسرائيل تحت ستار "حماية المجتمعات اليهودية".
ماركو روبيو.. وزير الخارجية
ماركو روبيو، الذي كان ترمب قد وصفه سابقاً بـ"الخفيف وغير الجدير حتى بإدارة شركة صغيرة"، اختير الآن لدور محوري وزيراً للخارجية، بعد سنوات من العلاقات القوية مع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل.
في عام 2015، وصف ترمب ماركو روبيو بأنه "دمية لعائلة أديلسون اليهودية" المليارديرة، لكن بحلول عام 2024، قَبِل ترمب مبلغ 100 مليون دولار من مريم أديلسون، وعيّن روبيو وزيراً للخارجية.
ظل روبيو يردد الخطاب المتشدد المؤيد لإسرائيل الذي تبناه ترمب، موافقاً على عقيدة "السلام من خلال القوة"، وفي فيديو حديث أصبح شائعاً، دعا إلى "تدمير كل عنصر من عناصر حماس".
ولروبيو روابط مالية قوية مع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، حيث تلقى أكثر من مليون دولار تبرعات من منظمات مثل "أيباك".
وعلى الرغم من دعمه العميق لإسرائيل، فإن تصرفات روبيو أثارت أحياناً ردود فعل عنيفة داخل دوائره السياسية، بما في ذلك تصويته في 2022 ضد التمويل الطارئ لإسرائيل بسبب المخاوف المتعلقة بإنفاذ الحدود.
أما علاقته السياسية السابقة مع نورمان برامان، الشخصية المؤثرة في المجتمع اليهودي في ميامي، فقد عززت مكانته في معسكر المؤيدين لإسرائيل.
لي زيلدين.. مدير وكالة حماية البيئة
لي زيلدين، الذي اختاره ترمب لقيادة وكالة حماية البيئة، هو أيضاً من المدافعين عن السياسات المؤيدة لإسرائيل. ويعكس دعم زيلدين المتواصل لإسرائيل سياساته المثيرة للجدل في مجال البيئة، إذ لا يرتبط منصب مدير وكالة حماية البيئة عادةً بالدبلوماسية الدولية.
وتلقى زيلدين ما يقرب من مليون دولار من جماعات الضغط الصهيونية، بما في ذلك "أيباك".
انحيازه القوي إلى مواقف إسرائيل المتشددة واضح في معارضته الصريحة لوقف إطلاق النار في غزة، ووصف حماس بأنها منظمة عازمة على "محو إسرائيل من على الخريطة".
وعارض زيلدين بشدة الدعوات إلى وقف إطلاق النار، مدَّعياً أن حماس ستستخدم أي توقف "لإعادة التنظيم" و"العودة إلى الهجوم"، بحجة أن إسرائيل ليس لديها خيار سوى مواصلة القتل الجماعي للمدنيين لـ"القضاء على حماس".
التزام زيلدين بإسرائيل ودعمه سياسات ترمب يجعلانه اختياراً لوكالة حماية البيئة مثيراً للجدل، وهو الدور المرتبط تقليدياً بالسياسة البيئية بدلاً من الدبلوماسية الدولية.
وشكَّلت خلفيته اليهودية، خصوصاً جذور عائلته الصهيونية، روايته السياسية، مما عزز مكانته بصفته موالياً لحملة ترمب "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً".