في صباح يوم الأربعاء 31 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1984، وبينما كانت في طريقها لمقابلة الممثل البريطاني بيتر أوستينوف الذي كان يصور فيلماً وثائقياً للتلفزيون الأيرلندي اغتيلت أنديرا غاندي "سيدة الهند الحديدية" في نحو الساعة 9:10 صباحاً في حديقة منزل رئيس الوزراء بنيودلهي.
نفذت عملية الاغتيال في أعقاب "عملية النجمة الزرقاء" التي نفذها الجيش الهندي بأمر من رئيسة الوزراء أنديرا غاندي (لا تربطها علاقة قرابة بالمهاتما غاندي)، في يونيو/حزيران 1984، ودُمر معبد السيخ الذهبي، إذ قام حراسها الشخصيين ساتوانت سينغ وبينت سينغ، وكلاهما من السيخ، بإطلاق أكثر من 30 رصاصة عليها من مسافة قريبة.
بعد اغتيالها خَلَفَها ابنها راجيف غاندي في رئاسة الوزراء بعد أن رشحه قادة حزب المؤتمر الوطني الهندي ليكون ممثلهم في الانتخابات المقبلة التي حسمها بفارق كبير جداً. إلا أن مصير راجيف لم يكن مختلفاً عن مصير والدته، فقد اغتيل هو الآخر في عام 1991 أثناء حملته الانتخابية.
الدافع الأساسي وراء عملية الاغتيال
في عام 1980 وبعد انتخابات حرة ونزيهة عادت أنديرا غاندي إلى رئاسة الوزراء للمرة الرابعة، وقد شغلت منصب رئاسة الوزراء ثلاث فترات متتالية بين عامَي 1966 و1977، والفترة الرابعة بين عامَي 1980 و1984.
وخلال السنوات الأربع الأخيرة من وجودها على رأس السلطة في الهند واجهت غاندي حزب السيخ الهندي المتطرف الذي نظم مظاهرات بجميع أنحاء الهند للحصول على دولة سيخية ذات حكم ذاتي في منطقة "خالستان" وسلح أعضائه وحوّل المعبد الذهبي في "أمريتسار" إلى حصن قوي، فأمرت أنديرا القوات الهندية النظامية بمهاجمة المعبد والاستيلاء عليه في عملية عسكرية أطلق عليها اسم "النجمة الزرقاء".
أدى هجوم الجيش الهندي في يونيو/حزيران 1984 إلى قتل المئات وتدمير المعبد بالكامل، الأمر الذي ولَّد دوافع لدى طائفة السيخ من أجل اغتيال أنديرا غاندي انتقاماً للقوة المفرطة التي استخدمتها ضدهم، وهو ما حدث بعد رميها بأكثر من 30 رصاصة من قبل حراسها السيخ في حديقة منزلها في العام نفسه.
لكن ما أعقب الاغتيال كان وحشياً للغاية، فخلال الأيام الأربعة التي تلت اغتيالها غرقت الهند في نيران شغب أسفرت عن مقتل أكثر من 3 آلاف سيخي في نيودلهي وما يقدر بنحو 8 آلاف في جميع أنحاء الهند.
نشأتها وحياتها السياسية
ولدت أنديرا غاندي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 في مدينة الله آباد، وكانت الطفلة الوحيدة لجواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند الذي سعى لتشكيل أمة موحدة من بين العديد من الفصائل الدينية والعرقية والثقافية بعد نيل البلاد استقلالها عام 1949.
بعد وفاة والدها عام 1964 انتخبت غاندي عضواً في البرلمان لأول مرة وتسلمت وزارة الإعلام في وزارة لال باهادور شاشتري، خليفة نهرو.
وعقب وفاة شاشتري عام 1966 انتخبت أنديرا رئيساً لحزب المؤتمر الهندي ثم رئيساً لمجلس الوزراء، وكانت أول امرأة تصبح رئيسة للوزراء في الهند وثاني امرأة تشغل منصب رئاسة الوزارة في العالم بعد رئيسة وزراء سريلانكا.
يُذكر أن مسيرتها السياسية كانت متقلبة من أعلى مستوياتها بعد انتصار الهند على باكستان واحتلال بنغلادش عام 1971 إلى أدنى مستوياتها بعد طردها من المنصب عام 1977 بعد إعلان حالة الطوارئ في عام 1975، إذ علقت خلالها الحريات المدنية وسجنها سياسياً المعارضين. وعلى الرغم من أن الكثيرين انتقدوها لكونها استبدادية فإن غالبية السكان دعموها بسبب برامجها الاجتماعية الواسعة، ومساهمتها في بناء جيش قوي للهند وإنتاج القنبلة النووية الهندوسية.
واشتهرت أنديرا بميلها نحو فكرة عدم الانحياز في نطاق التعاون مع جمال عبد الناصر والمارشال تيتو، كما أظهرت دعمها للفلسطينيين في مقاومتهم ورفضت التطبيع مع إسرائيل.
ابنها راجيف خلفاً لها
عقب مقتل أنديرا غاندي رشح قادة مؤتمر الحزب الوطني ابنها راجيف غاندي ليشغل منصب رئيس الوزراء، وكان منعزلاً عن السياسة حتى وفاة أخية الأصغر سانجاي الذي كانت تحضِّره أنديرا لخلافتها.
وفي الفترة التي أعقبت اغتيال والدته نجح راجيف في قياد الحزب لاكتساح الانتخابات وأصبح سابع رئيس وزراء للهند والثالث بعائلة نهرو.
وعلى الرغم من شعبيته الواسعة طعنت فضيحة "بوفورس" في أمانته منتصف عام 1987، مما أسفر عن هزيمة حزبه في انتخابات عام 1989.
وفي 21 مايو/أيار 1991 وأثناء حملته الانتخابية في "سريبرمبودر" واجه راجيف نفس المصير الذي واجهته والدته، فاغتيل هناك بقنبلة بعد أن فجرت متطوعة في منظمة "نمور التاميل" القنبلة التي تحملها وتقتل راجيف مع آخرين.