تنقسم طقوس عيد الأضحى في المخيال المغربي إلى قسمين، أحدها إسلامي مرتبط بقصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، وآخر شعبي تمتد جذوره عميقاً في المعتقدات والأساطير الأمازيغية قبل دخول الإسلام أرض المغرب.
وفي قلب هذا القسم الثاني يأتي احتفال "بوجلود" الكرنفالي الأمازيغي الأصيل، الذي يتوارثه المغاربة جيلاً بعد جيل، مصرين على أن فرحة العيد لا ترتهن فقط بيومه، بل تمتد إلى ما بعده، مانحين إياه احتفالية هي الأكثر زخماً.
كرنفال "بوجلود"
"بوجلود"، "بيلماون" أو "بولبطاين"، تختلف أسماؤه من منطقة إلى أخرى، لكن الاحتفال يبقى واحداً. هو كرنفال مغربي شعبي يُحتفل به ثاني أيام العيد، تعود أصوله إلى الهوية الأمازيغية للبلد.
ويدخل، حين ينطلق الكرنفال أبناء البلدات، الأحياء أو المدن، في مغامرة احتفالية تطوف الشوارع والأزقة بشكل جماعي أو متفرق متنكرين بجلود الأضاحي من الماعز والغنم، بعد أن حيكت يدوياً في أزياء بدائية وبشكل متقن لتتناسب مع الجسد، بما فيها الوجه والرأس، وهؤلاء يسمون "بيلماون".
ويمسك كل "بيلماون" بساق غنم أو ماعز، التي تشبه في حدتها قطعة خشبية أو عصا شرطي، ويأخذ في ضرب المتفرجين حوله. وهؤلاء يعتقدون بأن هذا الضربات تحل "البركة" إذا ما نزلت على ظهر أو ورك أحد ضحاياه.
فيما يشيع الاعتقاد، في الأوساط الشعبية المغربية والقروية في غالبيتها، بأنه إذا ضربهم بوجلود بظلف الأضحية، فإنه سيجلب لهم البركة بهذه الحركة ويُذهب عنهم النحس ويشفي المريض منهم.
وفي خضم هذا الطواف الكرنفالي الصاخب، يجوب الفتية مرددين أهازيج بالأمازيغية، متحلقين حول من يرتدي الجلود، صائحين: «أهرمة ليس ليس أهرمة بولحلايس»، بمعنى: «لا لا تدعه وشأنه». أما «بولحلايس» فهي كلمة أمازيغية تعني الرجل الذي يرتدي جلود الخرفان أو الماعز. كما أن هذا الاحتفال لا يخلو من انفلاتات، وتحرشات ساخرة.
الأضحية رمزيات بوجلود
يرتبط هذا الاحتفال بالهوية الأمازيغية للمغرب، فيما يجمع الأنثربولوجيون المغاربة، وعلى رأسهم عبد الله الحمودي، صاحب دراسة "الضحية وأقنعتها" التي اختصت بالبحث في احتفال "بيلماون"، على أصوله الثقافية الأورو متوسطية في اختلافها عن الرافد العربي بالبلاد.
يقول عبد الله حمودي: إن "كلاً من عيد الأضحى وعاشوراء كانا يؤرخان للزمن قديماً: الأول يختم السنة المنقضية، والآخر يفتتح السنة المستهلة، وكلاهما يشهد احتفاليات يهيمن عليها اللعب والمضاحك والضوضاء، مغلفة بطقوس دينية، تختلف حسب المجتمعات".
وفي هذا الإطار يُقحم طقس "بيلماون"، كتقليد شعبي لا يكف فاعلوه عن خرق القواعد نفسها التي يقوم عليها العيد الإسلامي. لكنه في الآونة الأخيرة أخذ طابعاً أكثر رسميةً، حيث عاد احتفالاً مؤطَّراً من طرف جمعيات المجتمع المدني المشتغلة على النهوض بالثقافة الأمازيغية، وأصبح يحوز رعاية المؤسسات الحكومية.