في سرقة ثقافية جديدة، تغنَّت إسرائيل عبر صفحة "إسرائيل بالعربية" بتسمية شارع على اسم الرحالة المغربي ابن بطوطة، في وقت يجاهد المغاربة فيه لتنظيف الأماكن التي مرَّ بها القائم بأعمال إسرائيل، كحملة مفادها التعبير عن الرفض الشعبي للتطبيع معها.
هذا ونشرت على صفحتها، إسرائيل بالعربيَّة، مامفاده أن: "الرحالة ابن بطوطة انطلق في مثل هذا اليوم عام 1325 في أول رحلة له حول العالم من مسقط رأسه مدينة طنجة متجهاً إلى مكة لأداء فريضة الحج وطاف بلداناً عديدة قطع 121,000 كم وهي مسافة لم يقطعها أي رحالة منفرد حتى ظهور عصر النقل البخاري، بعد 450 سنة. ويقع الآن في شمال إسرائيل شارع على اسمه".
وليست هذه سابقة، أن تسطو دولة الاحتلال على رموز حضاريَّة وثقافية لتنسبها إلى اسمها أو لتتغنى بها في محاولة أن تصنع لنفسها امتداداً حضارياً تاريخياً، هي تفتقده. فمَن ابن بطوطة الذي سمت إسرائيل شارعاً باسمه؟ وكيف تسرق إسرائيل الرموز الثقافية للشعوب العربية؟
من يكون ابن بطوطة؟
اسمه الكامل حمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، وتقول الروايات إنه كٌنِّيَ ابن بطوطة على اسم أمه "بطوطة" وهي تحوير دارج لاسم "فطومة". ولد بطنجة (شمال المغرب) سنة 1304م، الموافق 703 حسب التقويم الهجري، لعائلة ذات نسب في القضاء وعلوم الدين.
وكان أبوه يجهزه لتولي منصب قاضي قبيلته، غير أنه وعندما بلغ من العمر السنة الحادية والعشرين، هجر منطقته نحو حج بيت الله، ولم يعد المغرب بعدها إلا بعد 24 سنة. فيما أصبح أشهر رحالة وجغرافي عرفه التاريخ، وقطع عبر رحلاته مسافة 121 ألف كيلومتر.
رحلته الأولى إلى الحجاز يدون عنها قائلًا: "من طنجة مسقط رأسي يوم الخميس 2 رجب 725ه/ 1324م معتمداً حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، حزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وَصَباً، ولقيت كما لقيا نَصَباً".
وبعد الحجة الأولى انطلق ابن بطوطة سائحاً في الأرض فبلغ الصين وتركستان شرقاً، وروسيا شمالاً، وإندونسيا جنوباً وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء والقرن الإفريقي.
ودوّن رحلاته في كتابات ما زالت شاهدة على مسيره، منها عندما زار جزر المالديف وكان قاضيها، يقول: "وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيا، وهي نحو ألفي جزيرة، ويكون منها مئة فما دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة، لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلّا منه، وإذا وصل المركب إلى إحداها فلا بدّ له من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي بإحداها عند الخروج من الأخرى". وجمع هذه الكتابات السلطان أبو عنان المريني في متن "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".
إسرائيل واعتياد السرقة الثقافية
.
عندما زار ابن بطوطة غزة وبيت المقدس وبيت لحم، كانت هناك أرض عربية خط اسمها بقلمه: فلسطين. وضمن نهجها المتواصل، لم تكف إسرائيل بنسب الثقافة والحضارة والتاريخ وحتى المطبخ المشرقي، من أكلات الحمص والتبولة والفلافل، لنفسها معتبرة إياه من تراثها. بل نسبوا إلى أنفسهم أيضا الحضارة الفرعونية، إذ ورد على لسان رئيس وزراء الاحتلال السابق، مناحم بيغين، واصفاً مفاوضات السلام التي جمعته وقتها بالجانب المصري، قائلًا: "عانيت فى المفاوضات كما عانى أجدادى فى بناء الأهرامات". وصرَّح عنذ زيارته مصر بأنه يشعر بالزهو والفخر وسط الأهرامات التى بناها أجداده.
وفي وقتنا الراهن، لم تعد إسرائيل تخفي ضلوعها في هذه السرقة، حيث يقول تقرير لموقع "ميدل إيست آي" بأن إسرائيل "وسّعت نطاق سرقتها الثقافية سنة 2018، خلال افتتاح صالة عرض جديدة، لأول مرة، بعنوان "الفن العربي المسروق"، وأوضحت أنها عرضت تلك الأعمال دون علم أو موافقة الفنانين وأنها مدركة لهذا التجاوز".