بين أوكرانيا وغزة.. ما أسباب ازدواجية الموقف الغربي من الحروب؟
واختلف الموقف الغربي بين الحربين، فبينما تصاعدت الدعوات ضد روسيا وجرى تقديم مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا واستقبال اللاجئين منها لكي تستطيع مواجهة الآلة العسكرية الروسية، تجاهل الغرب تماماً هذا مع غزة.
بعد أكثر من شهر على بداية الحرب في غزة، تخطى عدد من استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي 11 ألف شخص، قرابة نصفهم من الأطفال، بينما قتل نحو 9806 أوكرانيين حتى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي./ صورة: Reuters (Reuters)

في الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل حربها ضد قطاع غزة رداً على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت الحرب الروسية في أوكرانيا قد مرّ عليها قرابة 20 شهراً، إذ بدأت روسيا هجومها أو ما تطلق عليه "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" في 24 فبراير/شباط 2022.

واختلف الموقف الغربي بين الحربين، فبينما تصاعدت الدعوات ضد روسيا وجرى تقديم مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا واستقبال اللاجئين منها لكي تستطيع مواجهة الآلة العسكرية الروسية، تجاهل الغرب تماماً هذا مع غزة، ولم يكن دعمه المالي والسياسي والإنساني على المنوال نفسه.

الموقف السياسي والعسكري

مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية، كان موقف الاتحاد الأوروبي من التدخل الروسي، هو الانخراط مباشرة في الصراع لمساعدة أوكرانيا وشعبها، باعتبار أن روسيا تهاجمهم "دون أي مبرر".

واعتبر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي أوكرانيا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد، وذلك في اجتماعهم خلال شهر يونيو/حزيران 2022، وقدموا السلاح والمال والمساعدات الإنسانية العاجلة لكييف لكي تدافع عن نفسها أمام "الغزو الروسي" حسب ما يطلق عليه الغرب.

وقد كان موقف الولايات المتحدة أيضاً مع أوكرانيا، معتبرة ما تفعله موسكو "عدواناً"، وتعد واشنطن الجنود من أوكرانيا "مدافعين شجعاناً"، حسب بيانات الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى أنه جرى توقيع قرارات عقوبات اقتصادية من قبل أوروبا وأمريكا على موسكو وأشخاص في الحكومة الروسية، بالإضافة إلى الدعم العسكري لأوكرانيا الذي يقدر بمليارات الدولارات.

أما الموقف الغربي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد أجمع قادة أوروبا على إدانة حركة حماس خلال اجتماعهم الأخير قرب نهاية الشهر الماضي. وفي حين اكتفت الدول الأوروبية مثل فرنسا وهولندا وإيرلندا بتأييد دعوات الأمم المتحدة لوقف القتال في غزة لأسباب إنسانية، كانت دول ألمانيا والنمسا والتشيك ترفض هذه الدعوات واعتبرتها تعمل على "الحد من قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها"، وهي دول مؤيدة لإسرائيل في حربها.

ويعتبر المستشار الألماني أولاف شولتز، أن "إسرائيل دولة ديمقراطية وجيشها يحترم القانون الدولي عند التعامل مع الفلسطينيين في القطاع"، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اقتراحه توسيع التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي لكي يشمل حركة حماس.

وفي هذا الإطار يجري قادة أوروبيون وأمريكيون زيارات متتالية إلى إسرائيل لإعلان الدعم والمساندة، كما تستخدم أمريكا "الفيتو" لوقف أي قرار يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة، بينما كان الغرب وأمريكا يدفعان مجلس الأمن لتبني قرارات تدين روسيا بسبب أوكرانيا وهو ما واجهته أيضاً موسكو بالفيتو.

عدد القتلى والمصابين

بعد أكثر من شهر على بداية الحرب في غزة، تخطى عدد من استشهدوا جراء القصف الإسرائيلي 11 ألف شخص، قرابة نصفهم من الأطفال، بينما قتل نحو 9806 أوكرانيين حتى الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الأمم المتحدة أنه بعد مرور 500 يوم من بداية الحرب الروسية الأوكرانية وصل قتلى أوكرانيا إلى 9 آلاف بينهم 500 طفل، ويعادل قتلى أوكرانيا خلال نحو 17 شهراً، قتلى قطاع غزة -بل وأكثر منهم- خلال شهر فقط.

وقدمت الدول الأوروبية الدعم الصحي والنفسي والتعليمي للأطفال والنساء من أوكرانيا، خصوصاً من وصلوا إلى حدود الدول الأوروبية ويقدرون بـ90% من إجمالي لاجئي أوكرانيا.

وتكرس فرنسا مثلاً 58% من مشاريعها الإنسانية لدعم الأوكرانيات، في المقابل تمتنع إسرائيل عن إخراج الجرحى للعلاج في مصر من دون إدانة غربية للأمر، ويلقى الجانب الإسرائيلي الدعم الغربي والحديث عن حق تل أبيب في "الدفاع عن نفسها" بشكل دائم.

الدعم المالي والمساعدات

وقبيل الحرب في قطاع غزة، عرض قادة أوروبا خطة تمويل تصل قيمتها إلى 20 مليار يورو يجري من خلالها تقديم الدعم إلى أوكرانيا على مدار أربع سنوات، إذ يقيم الاتحاد صندوق دفاع أوكرانيا، كما يعمل الاتحاد على استخدام أصول روسية مجمدة لمساعدة كييف.

وفي بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنهم قدموا 80 مليار يورو لدعم أوكرانيا تشمل الإنفاق العسكري.

كما تجاوز إجمالي مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية وحدها إلى أوكرانيا نحو 42 مليار دولار، منذ بداية فترة حكم جو بايدن.

أما قطاع غزة، فقد دعا قادة الاتحاد الأوروبي إلى دخول المساعدات بشكل سريع وآمن لكل من يحتاجون إليها في القطاع، من دون العمل بشكل كبير وفعال على ذلك، ما يؤدي إلى بطء في دخولها إلى القطاع عبر معبر رفح المصري.

وزاد الاتحاد الأوروبي دعمه المالي لغزة بمقدار 25 مليون يورو، ليصل ما قدمه خلال هذا العام إلى 100 مليون يورو، ومع الحرب أعلن الرئيس الأمريكي عن تقديم 100 مليون دولار إلى قطاع غزة والضفة الغربية تقدم كمساعدات من خلال الأمم المتحدة ومنظمات أخرى غير حكومية.

البنية التحتية

دمرت إسرائيل، ومن خلال القصف المستمر على قطاع غزة، 7 منشآت كانت تتيح مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي لنحو مليون شخص، كما قصفت مقر وزارة الاتصالات في القطاع، ما أدى لانقطاع الإنترنت في أماكن عدة.

وفي حين تضم غزة 32 مستشفى، توقفت عن العمل منها 18 مستشفى حسب تصريحات وزارة الصحة الفلسطينية، وتعمل البقية بشكل جزئي نتيجة القصف ووقف الإمدادات الصحية والوقود. كما دمرت إسرائيل خلال عشرين يوماً قرابة 200 ألف وحدة سكنية بالقطاع حسب وزير الأشغال والإسكان الفلسطيني محمد زيارة.

أما في أوكرانيا، دُمرت 167 ألف وحدة سكنية منذ بداية الحرب وفق أرقام الأمم المتحدة، وأدان الغرب الهجوم الروسي على المناطق الصناعية في "ماريوبول"، وكذلك ميناء ماريوبول الذي كان يستخدم في رسو السفن والتصدير، ونشرت الميديا الغربية صوراً للميناء قبل وبعد القصف، وكذلك الحال لمتنزهات ومسارح وأماكن أثرية تقع وسط المدن الأوكرانية.

وسعى الغرب مع منظمات دولية إلى الحشد لحماية مناطق التراث الأوكراني، فيما لم تجد مستشفى المعمداني التاريخية عندما قصفتها إسرائيل في غزة تضامناً بهذا الشكل.

المحاسبة الدولية

تعددت الاتهامات الغربية لروسيا بارتكاب "جرائم حرب" في أوكرانيا، وتحديداً في مدينة بوتشا، بعد العثور على مقابر جماعية في مدن صغيرة قرب كييف، وهو ما نفته موسكو.

وأعلن القضاء الألماني بداية شهر أبريل/نيسان 2022، عن وجود "أدلة في نطاق المئات" على ارتكاب روسيا لـ"جرائم حرب" في أوكرانيا، ودعا المجلس الأوروبي إلى إنشاء محكمة تختص بمحاسبة المسؤولين الروس عن حرب أوكرانيا.

إلى ذلك، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في مارس/آذار 2023، مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متهمة إياه بترحيل 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا بشكل غير قانوني.

أما في غزة، يحفر أهالي القطاع المقابر الجماعية لدفن آلاف من قتلاهم، إلا أن إسرائيل لم تواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب من قبل الحكومات الغربية وأمريكا.

يُذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أن المحكمة الجنائية الدولية تعادي "السامية"، رداً على فتحها لتحقيق حول "جرائم حرب" في الأراضي الفلسطينية قبل الحرب الحالية، مضيفاً أن بلاده لن تتعاون مع المحكمة.

لماذا الاختلاف في التعامل مع غزة وأوكرانيا؟

يرى نبيل رشوان، الخبير المتخصص في الشأن الروسي، أن المسألة الأساسية في تعامل الغرب مع أوكرانيا وغزة، هي أن الأولى دولة ذات سيادة ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة، أما في غزة، فالغرب يعتبر حماس حركة "إرهابية".

ويضيف رشوان لـTRT عربي، أن "الغرب والولايات المتحدة الأمريكية يريدان بقاء إسرائيل في المنطقة"، وبالتالي "الموافقة على تعاملها مع ما يهددها من أخطار".

ويشير رشوان إلى أنه رغم الحصار استطاعت حماس تنفيذ عملية طوفان الأقصى، وهو ما يؤكد أنه مهما طال أمد الحرب في غزة لن تستطيع إسرائيل القضاء على الحركة تماماً، لافتاً إلى أن هذا هو "الأمر الذي ترغب فيه القوى الغربية، ولذلك تعارض أي هدنة إنسانية تجري الدعوة إليها من خلال مجلس الأمن".

ويبيّن أن الغرب لا يعول على أحد في أوكرانيا، بينما في غزة ينتظر ردوداً وجهوداً عربية وإسلامية، وفي الوقت نفسه لا يدعم غزة كما فعل مع كييف، رغبة منه في التخلص من حماس أو تقويضها لسنوات مقبلة على الأقل.

ويتوقع نبيل رشوان أن هذه الحرب قد تتكرر مرة أخرى، طالما استمرت إسرائيل في تصرفاتها تجاه القطاع، وبقاء حركة حماس في غزة.

TRT عربي