لم تكشف التصريحات الروسية الأخيرة وما سبقها وتلاها من تحركات أمريكية، والتي جاءت بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الأوكرانية، عن عدم وجود نهاية قريبة للحرب فحسب، بل ألقت الضوء على احتمال امتداد الصراع خارج رقعة اللعب الأوكرانية وتحوله إلى حرب إقليمية أو عالمية واسعة.
ورداً على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال زيارته لأوكرانيا الاثنين الماضي، بأن بوتين "فشل" في أوكرانيا وأن واشنطن ستواصل دعم كييف، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة مقتضبة أمام مهرجان وطني كبير بمناسبة "يوم المدافع عن الوطن" إن هزيمة روسيا في المعركة مستحيلة، منوهاً بالوقت ذاته إلى أنه سيجري التعامل بالشكل المناسب حيال تحويل الصراع إلى مواجهة عالمية.
وأكد بوتين خلال خطابه أن بلاده تحارب حالياً في أوكرانيا من أجل "أراضيها التاريخية"، الأمر الذي اعتبره خبراء ومراقبون إعلاناً عن رغبته في الاستيلاء على المزيد من الأراضي بعد ضم أربع مقاطعات أوكرانية في وقت سابق العام الماضي.
"أرضنا التاريخية"
وفي الخطاب المقتضب الذي ألقاه الأربعاء بمناسبة مهرجان نظم في موسكو لدعم العسكريين الروس المشاركين في الحرب الأوكرانية، صرح بوتين بأن القيادة العسكرية قد أخبرته بأن "معارك جارية داخل أراضينا التاريخية من أجل شعبنا".
كما أشاد بوتين بالعسكريين الروس المنتشرين في أوكرانيا الذين "يقاتلون ببطولة وشجاعة وبسالة: نحن فخورون بهم". وأضاف أن كل من يدعمون الجيش الروسي "هم أنفسهم مدافعون عن الوطن.. عاملون طبيون وموظفون في قطاع الدفاع والنقل.. أنتم جميعاً الذين جئتم اليوم لدعم مقاتلينا"، وفقاً لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأثناء ظهوره لبضع دقائق فقط في الفعالية التي شارك فيها عشرات الآلاف من الروس قبل يومين من الذكرى الأولى للحرب، برر بوتين قراره لإطلاق "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا باتهامه كييف بتدبير "إبادة جماعية" للناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي أعتبره معادلاً لـ"الحرب الوطنية العظمى" ضد ألمانيا النازية.
هل تخشى دول الجوار مصيراً مشابهاً؟
عقب تصريحات بوتين الأخيرة التي أشار فيها علانيةً إلى "أراضي روسيا التاريخية" والتي يقصد بها أراضي دول الاتحاد السوفيتي السابق، ومن ضمنها أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، تزايدت المخاوف في دول أوروبا الشرقية أيضاً من توسعة رقعة الحرب لأراضيها، لاسيما بعد زيادة حدة التهديدات النووية مع تعليق موسكو عملها باتفاقية "نيو ستارت" النووية.
ومع ارتفاع نبرة التهديدات المتبادلة بين مولدوفا وروسيا على خلفية مطالبة رئيس الوزراء الملدوفي المعين حديثاً دورين ديسيان بـ"إجلاء القوات الروسية من إقليم ترانسنيستريا"، ودعوة موسكو السلطات المولدوفية إلى "توخي الحذر"، يرى المراقبون أن مولدوفا اقتربت من الانزلاق إلى صراع عسكري لا يختلف كثيراً عما شهدته أقاليم لوغانسك ودونيتسك في أوكرانيا، وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا.
وجاءت زيارة بايدن لبولندا عقب زيارة رمزية لم يعلن عنها مسبقاً لأوكرانيا، في خطوة قال مراقبون إن الهدف منها هو إعطاء دفعة معنوية لكييف مع حلول الذكرى السنوية لتعرضها للهجوم الروسي، فضلاً عن إرسالها بطريقة غير مباشرة بعض الطمأنينة إلى مولدوفا على بعد مئات الأميال فقط من أوكرانيا، وفقاً لما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية.
تعهد أمريكي بالدفاع عن "كل شبر"
وبينما يعتبر الرئيس الروسي الغربيين الذين يدعمون أوكرانيا بالأسلحة مسؤولين عن التصعيد، وأن الأوروبيين والأمريكيين يخوضون حرباً بالوكالة لمحاولة تدمير روسيا، أكد الرئيس الأمريكي التزام بلاده بالدفاع عن "كل شبر" من أراضي حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي اجتماع له في بولندا مع دول مجموعة بوخارست التسع (B9) التي تمثل الجناح الشرقي لحلف الناتو الأقرب إلى روسيا، والتي تتشارك المخاوف من امتداد العملية العسكرية الروسية إليها، تعهد بايدن بأن الولايات المتحدة ستدافع "حرفياً عن كل شبر من أراضي الناتو". وأضاف موجهاً حديثه إلى دول مجموعة التسع: "أنتم خطوطنا الأمامية في دفاعنا الجماعي".
وفي بيان مشترك بعد الاجتماع، أعلنت مجموعة بوخارست التسع، والتي تضم كلاً من بلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، إنها ملتزمة بزيادة الوجود العسكري لحلف الناتو على أراضيها لردع روسيا التي وصفتها بأنها "التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء".