سلطت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ضوءاً قبيحاً على العلاقات بين الغرب والمملكة العربية السعودية - إذ ترفض وسائل الإعلام الغربية إغفال القصة - وسلطت كذلك الضوء بصورة خاصة على الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن.
تقترن الحرب بشكلٍ حاسم بكلٍ من دعم الولايات المتحدة الأميركية للرياض ومبيعات واشنطن من الأسلحة للمملكة، والآن تركز وسائل الإعلام على نهاية محتملة للحرب في اليمن.
مع ذلك، لا ينبغي أن نتحمّس بشدة للفكرة القائلة إنَّه تحت الضغط سيدعم ترمب إنهاء الحرب في اليمن فقط لأنَّ سياساته في الشرق الأوسط تبدو متخبطة، على الرغم من دعوة أقرب جنوده في تلك الحرب، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، إلى بدء وقف إطلاق النار في غضون ثلاثين يوماً.
يبدو الحديث عن الضغط على السعودية وكأنَّه مهمة إنقاذ تهدف إلى حفظ ماء وجه ترمب.
ووفقاً لشبكة CNN الأميركية، قال بومبيو في بيان: "حان الآن الوقت لوقف جميع الأعمال القتالية، بما في ذلك الهجمات الصاروخية وغارات الطائرات بدون طيار التي يشنها الحوثيون من المناطق الخاضعة لسيطرتهم ضد السعودية والإمارات. ولاحقاً، يجب أن تتوقف الضربات الجوية التي يشنها التحالف على جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن".
وقال ماتيس: "يجب أن نمضي قدماً صوب بذل جهد لإحلال سلام هنا، ولا يمكن القول إنَّنا سنفعل ذلك في وقتٍ ما في المستقبل. نحن بحاجة إلى فعل ذلك خلال الأيام الثلاثين المُقبلة. لقد تحمَّلنا هذه المشكلة لوقت طويل بما فيه الكفاية، وأعتقد أنَّ السعوديين والإماراتيين جاهزون (لجهود السلام)، ولولا انسحاب الحوثيين من آخر جهد شَرع فيه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، لكنّا على الأرجح الآن في طريقنا إلى وقف إطلاق النار".
لكن ما الدافع وراء هذه المبادرة الجديدة؟ وهل تمتلك أي فرصة للنجاح؟
يبدو الحديث عن الضغط على السعودية وكأنَّه مهمة إنقاذ تهدف إلى حفظ ماء وجه ترمب أكثر من كونها رغبة حقيقية في إنهاء الحرب المؤسفة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأرواح، وتركت 14مليون مواطن يمني على حافة المجاعة، وتسببت في وفاة 25% من إجمالي الأطفال حديثي الولادة خلال الشهر الأول من ولادتهم.
يبدو أنَّ الضغط من أجل إنهاء الحرب يأتي من جهة ماتيس وبومبيو وحدهما وليس من ترمب الذي لم يقل علناً إنَّه يريد إنهاء الحرب. ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة لكي يدعم ترمب مساعي إنهاء الحرب في اليمن، على الرغم من أنَّ حدوث ذلك ربما يُفسد صفقة أسلحة كان ترمب قد توسط فيها عند وصوله إلى السلطة، والتي يُعتقد أنَّها تُقدّر بحوالي110مليارات دولار.
ووفقًا للتقديرات، يَتَكبّد السعوديون خسائر بقيمة 5 مليارات دولار شهرياً في الحرب في اليمن. وبالنظر إلى وجود مسعىً حديث في الرياض لجذب الاستثمار الأجنبي- لم يجمع سوى ما يزيد قليلاً عن 50 مليار دولار من الشركات الأجنبية، فمبلغ الخمس مليارات دولار السابق هذا لا يُعدُّ قليلاً.
لكن معضلة ترمب تكمن في أنَّه إذا استمرت وسائل الإعلام الأميركية في نشر تقارير عن عمليات القتل المُروّعة في اليمن، والتي تُنفّذ بمساعدة عسكرية أميركية (فضلاً عن المرتزقة الأميركيين)، فعند مرحلة ما، ستوجِّه وسائل الإعلام الأميركية غضبها تجاه ترمب نفسه.
من ناحية أخرى، إذا دفع ترمب السعوديين في اتجاه وقف إطلاق النار، وبالنظر إلى العلاقات الصعبة بين واشنطن والرياض الآن، قد يتحول السعوديون إلى روسيا والصين من أجل الحصول على أسلحة ويُقلّلون حجم إنفاقهم على الأسلحة من الولايات المتحدة.
وهناك جدل حول تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة في اليمن. لا يدرك الصحفيون الأميركيون عادةً أو يهتمون بفحص التناقض في السياسة الأميركية هناك عن كثب، حيث يصطف التحالف السعودي إلى جانب تلك الجماعات المُتطرّفة التي تقاتل الحوثيين، والتي هي الجماعات نفسها التي تعهَّد ترمب مراراً وتكراراً بأنَّه يرغب في تدميرها.
لكن إذا كانت الحُجّة الإنسانية مقنعة قليلاً لترمب بقدر إقناع الصفقات التجارية، فهل هناك سبب آخر ينبغي أن يتبناه لإنهاء الحرب في اليمن؟
يبدو أنَّ الضغط من أجل إنهاء الحرب يأتي من جهة ماتيس وبومبيو وحدهما وليس من ترمب الذي لم يقل علناً إنَّه يريد إنهاء الحرب.
بالفعل، هناك سبب آخر يوضَّح لماذا ينبغي أن يفكر ترمب في دفع السعوديين نحو إنهاء الحرب، وهو الصين. على الرغم من أنَّ بكين تدعم على نطاق واسع محاولات السعودية والإمارات لهزيمة الحوثيين، فهي تطلع أيضاً على قدم المساواة إلى وقف إطلاق النار لتعزيز مصالحها التجارية في المنطقة، حالما تكون ممرات الملاحة البحرية اليمنية آمنة.
والسؤال الآن يتعلق بما إذا كان هذا يُنظر إليه بصورة إيجابية أم لا، إذ يقول بعض النقاد المُتابعين للنزاع التجاري الصيني-الأميركي إنَّ الرئيس الأميركي يريد الآن بالفعل إبرام صفقة تجارية مع بكين.
إنَّ النجاح في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن يمكن أن يكون بمثابة حافز لإبرام الصفقة ويستخدمه ترمب كأداة نفوذ مع الصين وقد يؤدي حتى إلى تسريع المحادثات التجارية ودفعها في الاتجاه الصحيح.
بالنظر إلى هوس ترمب بالاستثمار وفرص العمل، وعدم اكتراثه المؤسف بالفظائع التي يمكن أن تَنتُج عن هوسه البغيض بصفقات الأسلحة - من حيث التغطية الصحفية السلبية التي قد يحظى بها- فلم تكن هناك أبداً لحظة أفضل بالنسبة له من تلك الحالية لاستخدام كل نفوذه لدعم دعوة ماتيس وبومبيو وإقناع العاهل السعودي، وولي العهد محمد بن سلمان، بالتوصل إلى إقرار لوقف دائم لإطلاق النار في اليمن.
لا أحد يحتاج إلى استمرار الحرب هناك، وإذا كان ترمب يميز بالفعل الزاوية المربحة لجميع الأطراف في وقف إطلاق النار، فهو - حتى - قد يقتنص صفقة تجارية مع الصين، وأخيراً في نفس الوقت جذب انتباه الإعلام الأميركي بعيداً عن المشكلة السعودية.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي