منذ أن أصبح حزب الحرية اليميني المُتطرِّف جزءاً من الحكومة النمساوية، تغيَّر المناخ السياسي في البلاد بشكلٍ كبير.
التصريحات العنصرية أصبحت الوضع الطبيعي الجديد، ويتحكَّم الساسة اليمينيون المُتطرِّفون في الشرطة والقضاء ويجري إنفاذ سياسات الإسلاموفوبيا.
كان واضحاً أن اللاجئين سيكونون أول ضحايا اليمين المُتطرِّف في النمسا. تفيد التقارير بأن المشاعر المناهضة للاجئين قد شهدت ازدياداً ملحوظاً خلال الأشهر القليلة الماضية. وهذه ليست حالة عامة في المجتمع فحسب، بل إنها تظهر بصورةٍ خاصة في المكاتب العامة والأماكن الحكومية الأخرى التي يجب على اللاجئين زيارتها بانتظام.
وفقاً لصحيفة Die Presse اليومية النمساوية، فقد كانت هناك حالات سَخِرَ فيها مُوظَّفون رسميون من طالبي لجوء عند مشاركة قصصهم. كانت هناك أيضاً حالاتٌ أخرى لم يُصدِّقوا فيها قصص اللاجئين الذين قابلوهم دون سببٍ حقيقي.
قال أحد العراقيين: "أخبرتني أنني لا يمكن أن أكون عراقياً لأنني أبدو كشخصٍ من رومانيا". ووفقاً لفاردين رحيمي، وهو لاجئ أفغاني يعيش في مدينة إنسبروك النمساوية، يشعر العديد من طالبي اللجوء بازدراء الموظفين العموميين لهم.
وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية لاجئين مثيرةً للجدل مع الحكومة الأفغانية. تضمَّنت الاتفاقية ترحيل عدد غير محدودٍ من اللاجئين الأفغان، وفي المقابل وعد الاتحاد الأوروبي الحكومة الأفغانية بالحصول على مليارات الدولارات.
وأخبرني رحيمي: "نعلم أن الفاشيين حالياً جزءٌ من الحكومة، ونستطيع الشعور بذلك. أُناسٌ أمثالنا يُجرَّدون من إنسانيتهم في المكاتب العامة هذه الأيام. هذا أمرٌ واقعٌ".
وصل رحيمي إلى النمسا منذ ست سنوات. رفضت السلطات طلب لجوئه ثلاث مرات. وعلى الرغم من عمله وتعليمه لنفسه، لا يرى رحيمي فرصةً للبقاء في النمسا حتى يتولَّى محام٬ٍ قضيته.وأضاف: "كان حظي جيداً. رحَّلَت السلطات كثيرين آخرين. خاصةً عندما جاءت الحكومة الجديدة إلى السلطة".
رُفضت طلبات رحيمي للجوء حينما كانت الحكومة النمساوية تتألَّف، حتى العام الماضي، من ائتلاف الاشتراكيين الديمقراطيين والمحافظين.
وخلال ذلك الوقت أيضاً، تبنَّت السلطات عدداً من السياسات المعادية للاجئين. أفغانستان على سبيل المثال، ذلك البلد الذي مزَّقَته الحرب والفوضى لعقود، اعتُبِرَت مكاناً آمناً لترحيل اللاجئين.
في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وقَّع الاتحاد الأوروبي اتفاقية لاجئين مثيرةً للجدل مع الحكومة الأفغانية. تضمَّنت الاتفاقية ترحيل عدد غير محدودٍ من اللاجئين الأفغان، وفي المقابل وعد الاتحاد الأوروبي الحكومة الأفغانية بالحصول على مليارات الدولارات.
بدأت دولٌ أوروبيةٌ رائدةٌ، مثل ألمانيا والسويد، باختلاق أكذوبةٍ وصفت فيها بعض المناطق بأنها "آمنة". فعلت النمسا الشيء نفسه وبدأت ترحيل اللاجئين الأفغان.
كشف سياسيو حزب الحرية النمساوي، مراراً وتكراراً، نواياهم وادَّعوا أن البلاد يجب أن تصبح "أكثر أماناً" من خلال ترحيل "اللاجئين المجرمين". كانت تلك خطوةً في إطار سعيهم لتسهيل عمليات الترحيل وجعلها غير مُتوقَّعة.
كشف سياسيو حزب الحرية النمساوي نواياهم وادَّعوا أن البلاد يجب أن تصبح "أكثر أماناً" من خلال ترحيل "اللاجئين المجرمين".
أخبرني رحيمي، قائلاً: "يظهرون من العدم في منتصف الليل، ويضعونك على متن طائرةٍ، ومن ثم ينتهي أمرك". خلال الأشهر الأخيرة، رحَّلَت السلطات العديد من أصدقائه. وكان معظمهم من الشباب الذين يعانون من صدماتٍ نفسية ناجمة عن الحرب أو بسبب رحلتهم المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا. العديد من الأشخاص الذين يعرفهم ما زالوا هاربين ويختبئون من السلطات.
ولكن لم يكن النجاح حليف الجميع. قال نور الهادي، الذي يعيش في مدينة جلال أباد شرقي أفغانستان: "كنت يائساً للغاية، فقبلت الترحيل طوعاً".
وصل نور إلى أوروبا في أواخر صيف 2015 عندما توجَّه العديد من اللاجئين من أفغانستان والعراق وسوريا وغيرهم إلى أوروبا. ترك نور الهادي عائلته وراءه وكان يعاني صدمةً شديدةً جرَّاء الحرب.
قُتِلَ العديد من أقاربه، وكانت قريته النائية في ولاية ننكرهار الأفغانية تحت السيطرة الكاملة للمتمردين. اليوم، سيطر مُسلَّحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أجزاء كبيرة من القرية، حيث يعيش نور الهادي مع أمه وأخته. كان ترحيله في أغسطس/آب الماضي. وأضاف: "أخبرتُ السلطات مراراً وتكراراً أن حياتي كانت في خطر. لكنهم لم يهتموا".
على ما يبدو، فقد تجاهلت السلطات النمساوية أيضاً اضطراب "كرب ما بعد الصدمة" الذي عانى منه نور الهادي، على الرغم من تشخيص العديد من الأطباء النفسيين المحليين لعلته. يؤمن نور الهادي أن رفض لجوئه كان مرتبطاً باتجاه النمسا إلى سيطرة اليمين السياسي.
وأخبرني نور الهادي: "نحن لاجئون ولكننا لسنا أغبياء. شعرتُ أنَّ الموظفين العموميين لم يأخذوا حالتي بمحمل الجد، حتى أن البعض أظهر سعادته بالحكومة الفاشية الجديدة".
اليوم، تُعَد جلال أباد واحدةً من أخطر المقاطعات في أفغانستان. ولكن الحقيقة هي أن الأمر لا يقتصر فقط على جلال أباد، إذ يمكن العثور على الحرب والمذابح في جميع أرجاء أفغانستان. وفقاً لأحدث تقارير بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة لأفغانستان، فإن على الأقل 8050 مدنياً قُتِلوا أو أُصيبوا خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول لعام 2018.
عندما كنت أعمل مترجماً فورياً للاجئين الأفغان، شهدت بنفسي كل ما يزعمه اللاجئون منذ سبع سنوات، قبل فترة طويلة من الصعود الكلي لليمين المُتطرِّف.
في بعض الأحيان، شاهدت موظفين رسميين عبَّروا عن عنصريتهم وآرائهم اليمينية أمامي. قال واحدٌ منهم ذات مرة: "كفى منهم. أنتظر بشدة اليوم الذي سيصبح فيه ستراتش مستشاراً"، في إشارةٍ إلى زعيم حزب الحرية ونائب المستشار الحالي هاينز كريستيان ستراتش، وهو عنصريٌّ صارخٌ وكاره للمسلمين ولديه ماضٍ يتعلَّق بالنازية الجديدة.
ما زلت أقوم بمساعدة الأصدقاء والأقارب تطوعياً مع المكاتب العامة، والجهل والعنصرية اللذان أواجههما هناك صادمان. هذا الحال ليس في النمسا فقط، ولكن أيضاً في ألمانيا، حيث حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني في تصاعد أيضاً.
ولهذا السبب، يعتقد الكثير من الناس أنَّ لديهم الآن الحرية في أن يكونوا عنصريين علانيةً، ولا يبدو أن هذا سينتهي قريباً.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عنTRT عربي