كانت كينيا، حليفة واشنطن التاريخية، المحطة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي، فبالإضافة إلى العلاقات الثنائية والقلق الأمريكي حول الديمقراطية في كينيا، بحث بلينكن ملف إثيوبيا والسودان والصومال وأدَاره.
دعا بلينكن من كينيا إلى حلول إفريقية لأزمات القارة، تشمل الحرب في إثيوبيا، في الوقت الذي يقود فيه الرئيس النيجيري السابق أوباسانجو جهود الوساطة، تزامناً مع الجهود الأمريكية التي يقودها المبعوث الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان في أديس أبابا من أجل وقف إطلاق النار.
تزامنت زيارة بلينكن إلى كينيا، مع وجود مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية مولي فيي في الخرطوم، والتي كانت تعمل على تقريب وجهات النظر بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك والتوصل لصيغة تكفل الاستمرار في الانتقال الديمقراطي في البلاد.
ورغم التستر بإبراز الحرص الأمريكي على السلام وتعزيز الديمقراطية في القارة، تأتي الزيارة في إطار العودة لإفريقيا، والعمل على إثبات الوجود الأمريكي، واحتواء النفوذ الصيني والروسي المتنامي في القارة خلال السنوات الماضية. كما روّج وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أولويات الرئيس جو بايدن المتمثلة، بالإضافة للديمقراطية، في مكافحة التغيّر المناخي ووباء كوفيد-19.
الحرب في إثيوبيا والديمقراطية في السودان على طاولة بلينكن
إثيوبيا التي تُشاطر كينيا الجوار، كانت حاضرة في اهتمامات بايدن في العاصمة نيروبي، فبعد عام من دخول إثيوبيا حرب أهلية قُتل فيها الآلاف، ويواجه الملايين المجاعة، وتهدد بزعزعة استقرار منطقة شرق إفريقيا أكملها، تحدّث أنتوني بلينكن عن الأزمة في إثيوبيا خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الكينية نيروبي قائلاً: "نحن قلقون جداً حول العنف المتزايد وتوسع القتال في البلاد وما نراه من مخاطر على وحدة وسلامة الدولة".
كما شجبت الولايات المتحدة أكثر من مرة الجرائم التي ارتكبتها قوات الحكومة وحلفاؤها، وكذا الحصار اللا إنساني على منطقة تيغراي، حيث تقاتل ميليشيا مسلحة تهدف إلى الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وباتت الحرب مدفوعة بالخلافات الإثنية، إذ تشترك أكثر من جماعة مسلحة بشكل غير رسمي في القتال. في وقت فرضت فيه الحكومة حالة الطوارئ اعتُقل بموجبها أبناء عرقية التيغراي.
وقُبيل وصول بلينكن إلى نيروبي زار الرئيس الكيني أوهورو كينياتا أديس أبابا والتقى فيها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. ولا تزال الدبلوماسية الأمريكية تعمل على الملف الأمريكي بعد مغادرة بلينكن القارة، فالمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان ينفّذ رحلاته المكّوكية إلى أديس أبابا في وقت تستعِرُّ فيه الحرب، بلا استجابة للجهود الدبلوماسية على أرض الواقع.
ويمثّل الانفراج المحدود في إثيوبيا، إعلان الأمم المتحدة إطلاق سراح ستة من موظفيها المعتقلين في إثيوبيا، بينما أوضح دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة أنه "لا يزال خمسة موظفين محتجزين ورهن الاعتقال". كما أُفرج أيضاً عن سبعين سائقاً للشاحنات كانوا متعاقدين مع الأمم المتحدة لتقديم المساعدات عبر إثيوبيا وأُسروا في وقت سابق. وسمحت الحكومة في أديس أبابا لقوافل العمل الإنساني بالتحرك لإيصال الغذاء إلى المناطق المتأثرة بالحرب في تيغراي حيث بات أكثر من خمسة ملايين في حاجة ماسة إلى الغذاء منهم مليون تهددهم المجاعة.
الولايات المتحدة تسهم في حل أزمة السودان
صادفت زيارة بلينكن المؤجَّلة لإفريقيا، والتي كان مُعداً لها أن تُجرى في أغسطس/آب 2021، الإجراءات التي أعلنها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول، إذ حذّر بلينكن من نيروبي مما وصفه (قمع الديمقراطية) الذي يعيشه العالم اليوم. داعياً إلى ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي في السودان، وعودة حكومة مدنية، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة تعمل على إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه.
في وقت علّقت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي المساعدات المباشرة والمساعدة في الديْن للسودان. وتزامنت المجهودات الدبلوماسية للمبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، وزيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية مولي فيي إلى الخرطوم، ما أسفر عن توقيع اتفاق أعاد رئيس الوزراء د. حمدوك إلى منصبه. وحريٌ بالقول إن "محاولة روسيا إنشاء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر قبالة السواحل السودانية من الموضوعات التي تحظى ببالغ اهتمام الولايات المتحدة".
نلاحظ تسارع ردود الفعل الإفريقية الداعمة لخطوات الخرطوم وأديس أبابا، إذ دعت الكونغو إلى عقد جلسة لمجلس الأمن والسلم الإفريقي للنظر في وضعية السودان بعد عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى موقعه.
ويعود الرئيس الكيني أيوهور كنياتا إلى أديس أبابا ربما حاملاً بعض الرؤى والأفكار الأمريكية حول إنهاء الصراع، بعدما بات مقاتلو تيغراي على بُعد أقلّ من 200 ميل من العاصمة الإثيوبية، وفي وقت أعلن فيه رئيس الوزراء آبي أحمد نزوله إلى الميدان وقيادة المعارك بنفسه.
أمريكا تواجه الصين وروسيا في غرب إفريقيا
لكن اهتمامات قائد الدبلوماسية الأمريكية في شرق القارة لم تكن بذات التحديات في غرب القارة، حيث تواجه الولايات المتحدة بوضوح خطر تمدد الاقتصاد الصيني في المناطق التي كانت تمثل نفوذاً أمريكياً خالصاً، وبخاصة في نيجيريا ثاني أكبر مُصدِّرٍ للنفط في إفريقيا.
وقال بلينكن في خطاب من العاصمة النيجيرية أبوجا "كمؤشر على التزامنا شراكاتنا عبر القارة، ينوي الرئيس بايدن استضافة قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا للدفع قُدماً بنوع من الدبلوماسية عالية المستوى والانخراط القادريْن على إحداث تحوّل في العلاقات وجعل التعاون الفعّال ممكناً".
قال وزير الخارجية الأمريكي إنّ "بلاده تستثمر في إفريقيا بلا فرض مستويات لا يمكن تحملها من الديون، نحن لا نريد أن نحدّ من شراكاتكم مع الدول الأخرى، بل نريد أن تعززوا شراكاتكم معنا"، جاء هذا عند التوقيع على عقود تزيد قيمتها على مليار دولار في العاصمة السنغالية داكار، والتي كانت المحطة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي. ووصف هذه الصفقات بين أربع شركات أمريكية والسنغال بأنها "جزء من جهود بلاده لمساعدة إفريقيا في البنية التحتية" من خلال صفقات شفافة ومستدامة. ولكنها محاولة متسترة لمنافسة الاستثمارات الصينية في المنطقة وقطع الطريق أمام اجتماع داكار المرتقب بين الصين وشركائها في المنطقة.
ختاماً، يمكن القول إنّ "الزيارة كشفت بوضوح عن قلق واهتمامات الدبلوماسية الأمريكية في القارة الإفريقية، ومحاولة العودة بقوة والتأثير على مجريات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية مع تزايد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة". وقد يكون غرب إفريقيا محطة الصراع الروسي الصيني الأمريكي وبخاصة بعد تراجع الدور الفرنسي وضعف تأثيره على دول الساحل التي بدأت النزعة التحررية والخروج من عباءة باريس.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.