تابعنا
استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره التركي، الذي جاء لمصر في زيارة رسمية، في مطار القاهرة الدولي، ثم التقاه لاحقاً وسط مراسم استقبال رسمية في قصر الاتحادية، وأعرب الرئيس أردوغان عن سعادته البالغة بوجوده في القاهرة مرة أخرى بعد 12 عاماً.

في الأسبوع الماضي، ذهب الرئيس أردوغان إلى دولة الإمارات ضيف شرف للقمة العالمية للحكومات في دبي، ثم إلى مصر في أول زيارة له منذ 12 عاماً.

وفي خطابه أمام القمة العالمية للحكومات، أكد الرئيس أردوغان أهمية إرساء سلام دائم في المنطقة، وأن البشرية اليوم والأجيال القادمة بحاجة إلى عالم عادل، وذلك أمر ممكن، مشدداً على أن "العالم أكبر من خمس".

وفي إطار القمة، التقى الرئيس أردوغان أيضاً عدداً من زعماء المنطقة؛ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ورئيس جمهورية رواندا بول كاغامي، كما استقبل رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة ورئيس وزراء إقليم شمال العراق مسرور بارزاني.

ومن الناحية الاقتصادية، شهدت القمة أهمية كبيرة، إذ حضرها ممثلون عن الصناديق الدولية، كما التقى الرئيس أردوغان بممثلي شركات الاستثمار العالمية والشركات المملوكة لعائلات إماراتية.

الطريق إلى السلام يبدأ بإقامة دولة فلسطينية مستقلة

وعلى صعيد آخر كان قطاع غزة حاضراً في كلمة الرئيس التركي، إذ أكد أن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية رغم قرارات الأمم المتحدة هو مصدر الأزمة في المنطقة، مشيراً إلى أن القضايا العالقة من دون حل تتعمق مع مرور الوقت.

وقال إنه إذا كانت إسرائيل تريد السلام الدائم في المنطقة، فعليها أن تتوقف عن تحقيق أحلامها التوسعية، وقبول وجود دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 1967.

وذكر أنه ما لم تُنشأ دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة متكاملة ضمن حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، فإن كل خطوة تُتخذ ناقصة، ولن تُحلّ الأزمة.

كما أكد الرئيس التركي أن المأساة الإنسانية في غزة تحمل خطر التوسع التدريجي في المنطقة، لافتاً إلى أن الطريق إلى السلام والتنمية الاقتصادية يبدأ من خلال إقامة دولة فلسطينية.

وفي هذا الإطار شدّد الرئيس أردوغان على أن تركيا، بالتعاون مع الدول الأخرى في المنطقة، مستعدة لتحمل مسؤولية وضمانة إرساء السلام.

إلى مصر.. بعد 12 عاماً

من ناحية أخرى، وبعد انقطاع يصل إلى 12 عاماً مع مصر، نشهد تطورات سريعة في عديد من المجالات بين البلدين، ففي زيارة تاريخية التقى الرئيس أردوغان والرئيس السيسي، للمرة الأولى في القاهرة، بعد لقاءات في مناسبات مختلفة بدول أخرى.

واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره التركي، الذي جاء لمصر في زيارة رسمية، في مطار القاهرة الدولي، ثم التقاه لاحقاً وسط مراسم استقبال رسمية في قصر الاتحادية بالقاهرة، وأعرب الرئيس أردوغان عن سعادته البالغة بوجوده في القاهرة مرة أخرى بعد 12 عاماً، شاكراً جميع المصريين، وخاصة الرئيس السيسي، على الاستقبال الذي حظي به والوفد المرافق له.

بدوره أعلن الرئيس السيسي على الفور أنه سيزور تركيا في أبريل/نيسان القادم، وفي الواقع إن إعلان السيسي عن زيارته من الآن، أمر مهم يظهر سرعة عملية تطور العلاقات بين البلدين.

إن إشارة الرئيس أردوغان إلى الثقافة المتشابكة والتاريخ المشترك بين مصر وتركيا الذي يعود إلى أكثر من ألف عام، ووجود هذه الإرادة القوية من الطرفين لتحسين العلاقات، تُنبئ أن حقبة جديدة بين البلدين قد بدأت.

تأثير الزيارة في السياسات الإقليمية

تعد تركيا ومصر، أهم عضوين في منظمتي التعاون الإسلامي (OIC) والتعاون الاقتصادي (D-8)، كما أن ثقل البلدين في العالم الإسلامي حقيقة لا يمكن إنكارها، ولذلك فإن توحيد جهود البلدين سيسهم في حلّ عديد من القضايا في العالم الإسلامي وفي المنطقة.

وفي هذا السياق قال الرئيس أردوغان في كلمته بالمؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس المصري السيسي: "لا نريد أبداً أن نرى صراعاً أو توتراً أو أزمة في إفريقيا أو الشرق الأوسط أو أي أجزاء أخرى في قلب جغرافيتنا"، مردفاً: "لهذا، فإننا عازمون على زيادة تواصلنا مع مصر على المستويات كافة لإحلال السلام والاستقرار في منطقتنا".

كما أن إشارة الرئيس أردوغان إلى الثقافة المتشابكة والتاريخ المشترك بين مصر وتركيا الذي يعود إلى أكثر من ألف عام، ووجود هذه الإرادة القوية من الطرفين لتحسين العلاقات، تُنبئ أن حقبة جديدة بين البلدين قد بدأت.

وامتداداً لجذور هذا التراث العميق، أكد الرئيس أردوغان أن أنقرة تسعى جاهدة لرفع العلاقات التركية المصرية إلى المستوى الذي تستحقه، لافتاً إلى أنهم يرون الإرادة القوية نفسها من الجانب المصري.

إن تحسين العلاقات بين مصر وتركيا خطوة تاريخية نحو السلام والهدوء في كل من إفريقيا والشرق الأوسط، كما أن نقل مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى الموجودة بالفعل بين البلدين إلى مستوى رؤساء الجمهورية مؤشر كبير إلى وجود إرادة حقيقية للتعاون في كثير من القضايا من دون إضاعة الوقت.

على سبيل المثال، لأجل وقف الحرب الدائرة في السودان، توجد حاجة ماسة للدعم المصري، وعلى نحو مماثل تحتاج مصر أيضاً إلى دعم تركيا في حل الخلافات بشأن بناء إثيوبيا لسد النهضة على نهر النيل، كذلك يتعين على البلدين العمل معاً من خلال إقناع دول المنطقة بإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.

من ناحية أخرى، فإن تعزيز التعاون التركي المصري سينعكس بشكل جيد على العلاقات التركية الإفريقية، وكذلك سيصب تعاون البلدين بما يخص ملف شرق المتوسط في المصالح المشتركة لكل منهما.

ويمتلك البلدان أهم ممرين مائيين في المنطقة الأفرو-أوراسية، وهما مضيق إسطنبول وقناة السويس، ما يمكّنهما أن يكونا فاعلين في التجارة البحرية العالمية والسياسات الإقليمية.

وبالنظر إلى تلك الأمور، يبدو أن الأفضل للبلدين هو إنتاج سياسات مشتركة، قد لا تؤدي إلى تغييرات إقليمية فحسب، بل أيضاً إلى تغييرات في السياسات العالمية.

عملية النهضة الاقتصادية بين تركيا ومصر

عبّر الرئيس أردوغان أن التجارة والاقتصاد يشكلان دفعة قوية للتعاون بين البلدين، وهذا الاتفاق على زيادة حجم التجارة إلى 15 مليار دولار خلال فترة قصيرة مؤشر إلى بدء نشاط اقتصادي جدي للغاية، كما يُظهر أيضاً وجود مفاوضات حول علاقة تجارية طويلة الأمد.

وفي الفترة القادمة سنشهد تعاوناً جدياً، وخاصة في مجالات الصناعات الدفاعية والغاز الطبيعي المسال والطاقة النووية المتجددة، وفي الحقيقة، سوف يؤثر هذا التعاون بشكل جذري في جهود استخراج الغاز الطبيعي في شرق المتوسط.

من ناحية أخرى، يجمع البلدين عددٌ من المواقف الإقليمية المشتركة، فتركيا دعمت الموقف المصري الذي قاوم خطة ترحيل سكان غزة إلى مصر، إذ كانت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن إمكانية إلغاء ديون مصر للبنك الدولي مقابل قبول مصر للخطة، بمنزلة ابتزاز.

وختاماً، ينبغي النظر إلى زيارتي الإمارات العربية المتحدة ومصر، على أنهما استمرار لسياسة تركيا الأخيرة نحو الشرق الأوسط، فهذه العملية، التي بدأت بزيارة المملكة العربية السعودية من قبل، ستمكّن دول المنطقة من استئناف التعاون.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً