تابعنا
تقلّصت شرعية موقف إسرائيل نتيجة جرائمها السادية والهمجية غير المسبوقة، مما سيؤثر على الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من بعض الدول مستقبلاً، مع زيادة عزلة إسرائيل إقليمياً وعالمياً.

حصلت عمليّة الجيش الإسرائيلي "السيوف الحديدية"على تعاطف وموافقة ودعم العديد من الدول الغربية، نتيجة مفاجَأة ومباغَتة عملية "طوفان الأقصى" والخسائر التي مُني بها الجانب الإسرائيلي، لكنها اليوم تقف أمام تحديات عدّة تقلق قادتها.

شرعيّة مهزوزة وأسرى

رغم دعم إسرائيل في بداية حربها على غزة، إلّا أن الرأي العام العالمي والدعم الدبلوماسي بدأ يتراجع ويتآكل تدريجياً، نتيجة مبالغة إسرائيل ووحشيّة عدوانها على غزة وجرائم آلة القتل التابعة لها، وأضحى يحْملها على الأقل على القبول بهدنة إنسانية لإيقاف القتال.

وتقلّصت شرعية موقف إسرائيل في الرد على هجوم حماس نتيجة جرائمها السادية والهمجية غير المسبوقة، مما سيؤثر على الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من بعض الدول مستقبلاً، مع زيادة عزلة إسرائيل إقليمياً وعالمياً.

وإن شكّلت معاداة السامية عاملاً مؤثراً في قدرة إسرائيل على اكتساب احترام وثقة المجتمعات الغربية، فإن قصف المدنيّين وقنص المصابين والجرحى ومهاجمة وتدمير المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ومساكن المدنيين والبنية التحتية ودور العبادة بشكل غير مبرر، سلوك يفضح أفعال جيش مهزوم، ويُفقده هذه الثقة.

وقد شكّل ملف الأسرى تحدياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يسعى إلى تحييد ورقة المباحثات وحرمان قيادة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية من استثمارها، ويسعى إلى المماطلة في تنفيذ مقترحات الصفقة، التي هي مطلب للإسرائيليين وعائلاتهم.

ويتهم هؤلاء نتنياهو وحكومته بالمقامرة بحياة المحتجزين من أبنائهم، علماً بأن القيادة الإسرائيلية تفضل قتل الأسير على استمراره بالأسر لدى حماس.

وقد يلجأ نتنياهو وحكومته إلى الموافقة على صفقة تبادل حتى مع استمرار الصراع، خصوصاً أن أكثر من 60 سجيناً في عداد المفقودين بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة.

ضعف عسكري

يُعتبر النقص في مخزون الجيش الإسرائيلي من القنابل الموجهة والصواريخ وقذائف المدفعية شديدة الانفجار من نقاط ضعفه المؤثرة على قدراته وكفاءته القتالية واستعداده لتنفيذ العمليّات الدفاعية والهجومية.

وتحتاج القوات الإسرائيلية إلى مستوى عالٍ من التدريب الاحترافي للقتال في حرب المدن لكنها لا تملكه، وهو ما يفسر الخسائر التي تلحق بوحدات الجيش الإسرائيلي الآلية والمدرعة ويضعها أمام تحديات كبيرة من المتوقع أن تعمّق خسائره، مع استمرار توغل قواته الغازية إلى الأحياء السكنية.

وسوف يؤدي استمرار القتال لفترة طويلة إلى إنهاك القدرات القتالية العسكرية الإسرائيلية، وإسرائيل غير قادرة على تحمل حرب استنزاف طويلة، خصوصاً أنها استدعت ثلاثة أرباع قوات الاحتياط لديها حتى الآن، مع رفع درجة الاستعداد القتالي للدرجة القصوى لقواتها النظامية.

وقد شكل التزايد في أعداد القتلى والمصابين من أفراد الجيش الإسرائيلي في عملية التوغل البري والتدمير في وحداته المدرعة من الدبابات والآليات، ضغطاً مؤثراً على القدرات الهجومية القتالية للجيش الإسرائيلي.

هذا الوضع من شأنه الضغط على حكومة اليمين المتطرف، بخاصّة أن عدم الاستقرار النفسي والاضطراب في المجتمع الإسرائيلي، وكذلك تدنّي الروح المعنوية لأفراد الجيش الإسرائيلي، بسبب تزايد خسائره وعدم تحقيق أهدافه من العملية، سيؤثر على زيادة أعداد المهاجرين خارج إسرائيل من الإسرائيليين، وسيجعل من الصعوبة إقناع الإسرائيليين بالقدوم إلى "أرض الميعاد"، حسب ادعائهم.

شرعية المقاومة وجرائم الاحتلال

إن التنامي في شرعية حماس بحضورها بين جماهير الأمة العربية والإسلامية وعالمياً مع احتمال أن تكون أقوى سياسياً، أدى إلى تعاظم فكر أيديولوجية حماس في المجتمعات العربية ولدى المسلمين في العالم، وهذا بدوره يشكل هاجساً لدى الإسرائيليين لن يتمكنوا من إضعافه.

ويحتمل اتساع نطاق الحرب نتيجة التصعيد المتباين بين حزب الله وإسرائيل، علماً بأنه من الواضح أنّ الطرفين لا يرغبان في الصدام حالياً، إذ شكلت الضغوط الأمريكية والتهديد بردع أي طرف آخر يحاول أن يدخل في الحرب مانعاً لتجنب حدوث صراع إقليمي يمتد إلى دول الخليج.

وأي سيناريو شبيه، من شأنه التأثير سلباً على الاستقرار في المنطقة وعلى إسرائيل والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

في المقابل، تواجه إسرائيل صعوبات كبيرة في مخطط الإبادة الجماعية والتهجير القسري لمواطني القطاع، بسبب إصرار المواطنين الفلسطينيين وتشبثهم بأرضهم في مناطق القطاع المحتلة.

وتواجه إسرائيل مشكلة التفكير في الجهة التي ستنقل إليها حكم غزة ما بعد حماس إنْ نجحت في تحقيق أهدافها، مع قناعتها بأن الحرب مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين لا نهاية لها.

إن تزايد معاداة الشعوب العربية لأنظمتها الحاكمة التي تربطها علاقات بالكيان الإسرائيلي، ونصرتها لقضية المقاومة سيؤثر على إمكانية التوسع في العلاقات مع إسرائيل واندماجها في المنطقة.

اقتصاد متراجع

يتكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبيرة جداً نتيجة التوغل العسكري في غزة واحتدام القتال وحرب الاستنزاف التي قد تطول، وتشير التقديرات الأولية إلى أنها ستتجاوز 51 مليار دولار.

ومن الواضح أنّ الاقتصاد الإسرائيلي خسر جميع المكتسبات التي حصل عليها منذ بدء هذا العام إلى حين السابع من أكتوبر/تشرين الأول بفعل الحرب على غزة.

وأضاف الركود الاقتصادي منذ بدء الحرب، فضلاً عن العبء المالي الإضافي الناتج عن تعبئة أفراد جنود الاحتياط نحو 250 مليون دولار يومياً، عاملاً إضافياً مؤرقاً وتحدياً للاقتصاد الإسرائيلي، مع وجود احتمالية لانكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي.

وهناك دلائل قوية على أزمة اقتصادية مؤثرة على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريراً يقول إن الحكومة الإسرائيلية اقترضت 6 مليارات دولار في الأيام الماضية، للإنفاق على عملية توغلها العدواني على غزة.

وأصبح مستقبل الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسي أكثر هشاشة نتيجة تراجع الدعم وزيادة الغضب الشعبي تجاهه، بخاصة مع طول مدة التوغل العسكري وعدم قدرة إسرائيل على حسم الموقف على الصعيد العسكري، والخسائر غير المسبوقة في وحدات الجيش الإسرائيلي، وكذلك الأضرار التي لحقت بالمستوطنات والمدن الإسرائيلية بسبب الرشقات الصاروخية التي تطلقها حماس وفصائلها المسلحة يومياً تقريباً.

كل هذه التحديات سابقة الذكر، تمثل وضعاً صعباً أمام إسرائيل، تضاف إليها الأوضاع الأمنية المتردية في الضفة الغربية المحتلة التي تشكل تحدياً وبُعداً أمنياً ضاغطاً على الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية ودوائرها الأمنية، ومن شأن الوضع التأثير على اتفاقيات السلام مع دول الجوار.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي
الأكثر تداولاً