أعلن الجيش الأردني في بيان أصدره يوم 27 يناير/كانون الثاني الحالي، أنه أحبط عدداً من محاولات تهريب كميات كبيرة من المواد المخدِّرة إلى الأراضي الأردنية، وأنه قتل 27 مهرباً خلال تلك العمليات، أثناء محاولة هؤلاء المهربين اختراق الحدود الأردنية من الأراضي السورية، بإسناد من مجموعات مسلحة.
أوضح بيان الجيش الأردني أن المواد المخدِّرة التي ضُبطت تتضمن "الحشيش" ومادة "الكريستال" والحبوب المخدِّرة مثل الكبتاغون، وجاليكا، وترامادول. وزارة الداخلية الأردنية أكدت في وقت سابق أن 85% من المخدرات التي تُضبط معدّة للتهريب إلى خارج الأردن.
وقد كان الجيش الأردني قد أعلن في يوم 17 يناير/كانون الثاني مقتل ضابط وإصابة ثلاثة جنود من قوات حرس الحدود الأردنية في اشتباك مع مهرّبي مخدرات على الحدود مع سوريا، وبعد أيام من ذلك الحادث توفي أحد المصابين متأثراً بجروحه.
أمام هذه التطورات الخطيرة، لا بد لنا من طرح عدة تساؤلات، لماذا تصاعدت عمليات تهريب المخدرات من خلال الحدود السورية-الأردنية في الآونة الأخيرة؟ ومن الدول التي تمثّل المحطة الأخيرة للمخدرات التي تُدخل للأردن؟ وما أوجه الربط بين عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن مع عمليات تهريبها من سوريا للعراق ومن لبنان إلى دول الخليج العربي ومن إيران للعراق؟ من الجماعات المسلحة المنخرطة بتجارة المخدرات تلك، ومن يقف وراءها من دول المنطقة؟
تداعيات تغيّر موازين القوى والسيطرة على الحدود السورية-الأردنية
يُعدّ الجنوب السوري المجاور للأردن مهد انطلاق الثورة السورية، منذ أن خرج أهالي مدينة درعا باحتجاجات سلمية واسعة في مارس/آذار 2011 ضد نظام بشار الاستبدادي، للمطالبة بالحرية والعدالة. جابه النظام تلك الاحتجاجات بالقمع والبطش، ما دفع الأحداث نحو عسكرة الثورة، وتحوّلها إلى صراع مسلح.
طوال الأعوام التي كانت فيه كفة السيطرة على مناطق الجنوب السوري المجاورة للأردن لصالح فصائل الثورة السورية، لم يشهد الأردن ظاهرة تصاعد عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية إلى أراضيه مثل الوقت الحالي.
تحوَّلت السيطرة على محافظة درعا في الجنوب السوري إلى صالح النظام وشركائه من الميليشيات المدعومة من إيران، بعد عملية تصعيد عسكري وحصار خانق بدأه النظام على درعا في يوليو/تموز 2021، وانتهت باتفاق السيطرة الشاملة للنظام على المحافظة في 1 سبتمبر/أيلول 2021 برعاية روسية.
عزز ذلك الوجود الإيراني في المناطق السورية المجاورة للأردن من عدة اتجاهات، منها تغلغل ونفوذ مستشارين عسكريين إيرانيين في وحدات جيش النظام المنتشرة في الجنوب السوري، مثل المستشارين الإيرانيين الموجودين في الفرقة المدرعة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام، وكذلك توسع انتشار حزب الله اللبناني المرتبط بإيران في الجنوب السوري، فضلاً عن انتشار الميليشيات العراقية المدعومة من إيران في المنطقة ذاتها.
في السنوات الأخيرة واجهت إيران صعوبات في مواصلة تمويل نشاطاتها وميليشياتها المنتشرة في المنطقة، بسبب العقوبات الأمريكية والدولية التي أضعفت مواردها المالية، فأوعزت إيران إلى ميليشياتها للبحث عن مصادر تمويل بديلة، استغلت تلك الميليشيات نفوذها وقوة سلاحها للانخراط في النشاط الاقتصادي الحكومي لبلدانها، كما يجري حالياً في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ثم تجاوز الأمر الاقتصادات الحكومية، إلى ممارسة تلك الميليشيات كل أنواع التجارة غير المشروعة، من تهريب النفط والسلاح والبشر، وصولاً إلى تجارة وتهريب المخدرات، مستغلة الفوضى الأمنية في المناطق التي تعمل فيها.
لا تواجه الميليشيات صعوبة كبيرة في ممارسة تجارة وتهريب المخدرات، بخاصة أن مصادر ومسارات هذه التجارة في المنطقة أصبحت جميعها تحت سيطرة إيران وميليشياتها، فهي تتنوع بين الحشيش الذي يُزرع في أفغانستان ويُهرّب إلى إيران ومن ثم للعراق، ومن العراق يُهرّب إلى كافة دول الجوار. أو المخدِّر "الكريستال ميث" الذي أصبح يُصنع في إيران بصورة رئيسة ويُهرّب للعراق ومنه لباقي دول المنطقة. أو الحبوب المخدرة الكبتاغون ومثيلاتها التي أصبحت تُصنع بصورة رئيسة في سوريا ومن ثم تُهرّب لدول المنطقة، أو الحشيش الذي يُزرع في سهل البقاع اللبناني الواقع تحت سيطرة حزب الله اللبناني والذي يُهرّب لباقي المنطقة.
هناك تورط لرجال أعمال مقرّبين من نظام بشار في عملية تصنيع الحبوب المخدرة بالتعاون مع أجهزة النظام الأمنية، قال رئيس جهاز مكافحة المخدرات الأردني اللواء حسن القضاة "إن نقاط التفتيش ومقار الفرقة الرابعة في جنوب سوريا قرب الحدود الأردنية أصبحت نقاط انطلاق لعمليات تهريب المخدرات إلى الأردن".
أكد مركز التحليلات العملياتية والأبحاث (COAR) أن الحبوب المخدرة القادمة من سوريا، التي ضُبطت في دول المنطقة ودول أوروبية أخرى، بلغت قيمتها نحو 3.4 مليار دولار في سنة 2020 فقط، في الوقت الذي لم تتجاوز صادرات سوريا لكلّ دول العالم في تلك السنة من البضائع الاعتيادية 700 مليون دولار. هذه الأرقام تُظهر بوضوح أن تجارة المخدرات في سوريا هي الآن نشاط اقتصادي موازي، تفوق عوائده النشاط الاقتصادي التقليدي.
بحساب أن معظم هذه الحبوب المخدرة تُصنع في مناطق سيطرة النظام في سوريا، ونظراً لطبيعة النظام الأمنية الصارمة، فإن حجم تجارة وتهريب المخدرات في سوريا، يسند فرضية تورط النظام في هذه القضية، وأن هناك أرباحاً مهولة تذهب لمسؤولي النظام المتواطئين مع تجار المخدرات، وقادة الميليشيات المنخرطين في هذه التجارة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2021 صوّت الكونغرس الأمريكي على تعديل يتطلّب استراتيجية مشتركة بين الوكالات الأمريكية، لتعطيل شبكات المخدرات التي يُعتقد أنها تعمل في ظلّ النظام السوري.
مما سبق نستنتج بأن استعادة نظام بشار وحلفائه السيطرة على الجنوب السوري في 1 سبتمبر/أيلول 2021 خلق ظروفاً ملائمة لتصعيد عمليات تهريب المخدرات باتجاه الأردن.
المخططات السياسية والأمنية لعمليات تهريب المخدرات في المنطقة
لا تقتصر أهداف عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن على الربح المالي غير المشروع وتمويل الميليشيات المرتبطة بإيران فقط، بل هي تشمل أهدافاً سياسية وأمنية كذلك. حيث إن تصريح وزارة الداخلية الأردنية بأن 85% من المخدرات التي تُضبط هي مُعدّة للتهريب إلى خارج الأردن، يوضح بشكل جليّ أن المحطة النهائية لتلك المخدرات المهرّبة هي المملكة العربية السعودية التي ترتبط بحدود برية واسعة مع الأردن، ومنها لباقي دول الخليج العربي.
إذا ما ربطنا هذا المُعطى مع الشكاوى الرسمية التي تزايدت مؤخراً من السعودية ودول الخليج، بسبب تكرار ضبط مواد مخدرة مخبأة في السلع والبضائع التي تُصدّر من سوريا ولبنان إلى دول الخليج، نجد أن هناك حملة استهداف منّظمة من حلفاء إيران في المنطقة لإغراق مجتمعات تلك الدول بالمخدرات وشرورها. وكأن إيران وحلفاءها يريدون إضافة تهريب المخدرات إلى أدوات الضغط والترهيب الأخرى التي يستخدمونها ضد خصومهم في المنطقة، مثل الصواريخ والطائرات المُسيّرة وتأجيج الاضطرابات.
إن الأضرار المجتمعية الناتجة عن تزايد تهريب المخدرات بدأت تدق ناقوس الخطر على المنطقة برمتها، على سبيل المثال قبل 2003 لم يكن المجتمع العراقي يعاني انتشار المخدرات بوصفه مشكلة كبيرة أو خطيرة، وإنما كانت تُسجّل كحالات فردية محدودة جداً. الآن 50% من الشباب العراقي أصبح متورطاً بالمخدرات، سواء متعاطٍ أو متاجر بهذه السموم. علماً بأن إيران هي المصدر الرئيس للحشيش والكريستال الذي يدخل للعراق، وسوريا هي المصدر الرئيس لحبوب الكبتاغون ومثيلاته المهربة للعراق.
استطاعت الميليشيات المدعومة من إيران من خلال تجارة المخدرات أن تكسب ولاء أعداد كبيرة من شباب المجتمعات التي تنشط فيها، حيث إن أرباح هذه التجارة مغرية وسهلة المنال، بخاصة مع انتشار البطالة في تلك المجتمعات. مما يجعل من مكافحتها أمراً بالغ الصعوبة ويمثّل تحدياً حقيقياً.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.