شنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة فجر يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أكبر هجوم بري وبحري وجوي وتسلل لمجموعات من فصائلها المسلحة على مستوطنات عدّة في غلاف غزة، وأطلقت وحدات المقاومة أكثر من 5000 صاروخ وقذيفة في أول 20 دقيقة من العملية.
وأسفرت العملية التي أطلقت عليها المقاومة "طوفان الأقصى" خلال ساعاتها الأولى، عن مقتل أكثر من 1400 شخص، منهم 308 عسكريين، وإصابة ما يزيد على 5 آلاف آخرين، كما أدت إلى إغلاق المطارات المحلية وسط إسرائيل وجنوبها أمام الاستخدام التجاري، وأُلغيت عشرات الرحلات الجوية في مطار بن غوريون في تل أبيب.
سياسة الأرض المحروقة
في المقابل، نفذت إسرائيل عملية أطلقت عليها اسم "السيوف الحديدية"، متمثلة بغارات جوية متواصلة رداً على عملية "طوفان الأقصى"، وتستخدم إسرائيل سياسة الأرض المحروقة بالقصف الجوي الكثيف والقصف المدفعي والبحري وإسقاط عدد كبير من القنابل في منطقة واحدة (الأحزمة النارية).
وتستهدف إسرائيل من ذلك إلحاق دمار شامل في المنطقة المستهدفة، وقتل أكبر عدد ممكن من السكان وإجبارهم على إخلاء مساكنهم والتوجه جنوباً تمهيداً لإقامة منطقة عازلة، وألحقت الغارات الإسرائيلية المتواصلة دماراً هائلاً في المباني والأبراج السكنية والمرافق الحيوية وسيارات الإسعاف وأوقعت آلاف الشهداء والجرحى.
بدأت إسرائيل، مساء يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عملية برية محدودة داخل قطاع غزة، وسط تحذير الولايات المتحدة من توغل بري شامل دون تحديد الأهداف داخل القطاع.
وتهدف العملية البرية إلى "تفكيك" البنية التحتية لحماس وتدميرها بالكامل، إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، أن الحرب ستكون "طويلة وصعبة".
كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، إنّه لا يمكن القضاء على حماس بشكل كامل، فهي حركة "آيديولوجية، وهي في أحلام الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم"، مضيفاً بأنّ الخطوة العملية التي ينبغي أن تحققها الحرب هي "القضاء على جميع القدرات العملياتية لحماس والمقاومة في قطاع غزة".
تتقدم إسرائيل معتمدة مبدأ الكر والفر، أو التقدم قليلاً ثم الانسحاب، ساعية لإنهاك المقاومة وتدمير قدراتها العملياتية واستنزافها في حرب طويلة، ولتجنب الخسائر البشرية في صفوفها أو تقليصها.
مصاعب وتحديات
تعرضت القوات الإسرائيلية لخسائر كبيرة ومؤلمة في الأفراد والمعدات، أجبرتها على تبني الاجتياح التدريجي وهي التي اعتادت استراتيجية الحرب الخاطفة لتحقيق أهدافها.
وتواجه القوات الإسرائيلية تحدياً كبيراً في الحرب على غزة، إذ إنّ معارك المدن والقتال في المناطق المبنية تختلف عن المعارك العادية، لأنّ طبيعة الأرض والمباني تعطي أفضلية للمدافع على المهاجم.
تواجه الآليات المدرعة الإسرائيلية صعوبة الحركة داخل المناطق المدمرة، بسبب الكميات الكبيرة من الركام والممرات الضيقة التي أصبحت تشكل مانعاً للحركة، كما تحتاج الوحدات المدرعة إلى ميادين رمي لأسلحتها وهذا يتحدد في مناطق العمليات في غزة، بالإضافة إلى تحدي الكثافة السكانية العالية للمدنيين في مدن ومخيمات قطاع غزة.
تتعرض القوات الإسرائيلية في عملية التوغل البرية للمفاجأة في مصادر التهديد وعديد من الصعوبات، منها أسلحة مقاومة الدروع والعبوات الناسفة والألغام والقنابل غير المنفجرة والكمائن، فضلاً عن الأنفاق والخنادق الدفاعية، والقناصة والطائرات المسيّرة الانتحارية.
ومن التحديات أيضاً، صعوبة تزويد القوات بالذخيرة، وصعوبة إخلاء الإصابات، ومحدودية الحصول على الإسناد الجوي القريب من سلاح الجو حال الاشتباك في القتال المتلاحم.
لذا تعاني الآن القوات الإسرائيلية من التوتر والإجهاد العصبي وتدني الروح المعنوية خلال عملياتها، وذلك قد يؤثر سلباً في الكفاءة العملياتية للإسرائيليين في مواجهة مقاتلي المقاومة في المناطق المبنية وداخل المدن.
اتساع الرفض العالمي للحرب
تؤثر المتغيرات الإستراتيجية في البيئة الدولية والإقليمية على سير العملية العسكرية بارتفاع الأصوات المؤيدة لإيقاف العدوان الهمجي، فإنّ تحرك البُعد الإنساني من خلال المظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء العالم من شأنه الضغط على إسرائيل وقيادات الدول الداعمة لها لمحاولة التأثير لإيقاف العدوان.
ويشكل تحرك الرأي العام الداخلي الإسرائيلي ضغوطاً على حكومة نتنياهو، في ظل ازدياد أعداد القتلى والمصابين العسكريين الإسرائيليين غير المسبوقة في عملية التوغل، وكذلك الإصابات بين المدنيين الناتجة عن الاشتباكات وقصف المقاومة بالصواريخ للمستوطنات.
أسباب أخرى
ورغم تغيّر العقيدة القتالية الإسرائيلية بإعلان إسرائيل عدم حرصها على حياة الأسرى بقدر حرصها على مواصلة القتال، فإن ملف أسر جنود الاحتلال الإسرائيلي يؤثر بشكل كبير في الرأي العام الداخلي.
يشكل ملف الأسرى الإسرائيليين والمتزايدة أعدادهم لدى فصائل المقاومة، ورقة ضغط مؤثرة بيد حماس في المفاوضة بين الطرفين واحتمالية عقد اتفاق مستقبلاً، والذين من بينهم ضباط من قيادة المنطقة الجنوبية في إسرائيل وقائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى أعداد من المدنيين.
وعلى الجانب الاقتصادي، فحسب تصريح وزارة المالية الإسرائيلية، فإنّ تكلفة الحرب على غزة بلغت حتى يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري نحو 30 مليار شيكل (7.5 مليارات دولار)، أي نحو 10 مليارات شيكل أسبوعياً (2.5 مليار دولار).
وستصل نسبة العجز في موازنة هذا العام إلى 4%، أي أربعة أضعاف ما كان مخططاً له عند الموافقة على ميزانية إسرائيل قبل خمسة أشهر، وحال استمرار العمليات العسكرية فإن وزارة المالية متخوفة جداً من تخفيض وشيك للتصنيف الائتماني لإسرائيل، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي الناجم عن الحرب على غزة.
كما أنّ الصمود الأسطوري للمقاتل الفلسطيني المدافع عن أرضه وعرضه وماله ووطنه بعقيدة راسخة وإيمان كبير وقوة واستبسال لنيل الشهادة، مقابل الجندي الإسرائيلي المعتدي المهزوم من الداخل والحريص على حياته، من شأنه التأثير على قدرة إسرائيل للاستمرار بالقتال.
إن الصعوبات التي تواجه الإسرائيليين للتقدم في العملية البرية في غزة كبيرة، وما حققته المقاومة في غزة يعتبر نجاحاً رغم القتل والتدمير والإبادة التي تنتهجها قوات الاحتلال في عملياتها، وإن جرى القضاء على حماس، فإنّ فكر فصائل المقاومة الجهادي سيبقى، بسبب ما زرعته إسرائيل من بذور الحقد والغضب والكراهية في المنطقة، ولن تنعم إسرائيل بالسلام أبداً.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.