شهدت جلسة البرلمان الفرنسي "حالة من الاضطراب" بعد تعليق برلماني من اليمين المتطرف بعيداً عن الميكروفون موجهًا كلامه على ما يبدو إلى زميل أسود: "عد إلى إفريقيا". خلال مناقشة حول الهجرة. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان النائب قد تحدث بشكل واضح عن زميله الأسود أم أنه كان في فورة أوسع تستهدف جميع الأفارقة.
لكن الواضح أن فرنسا والفرنسيين أصبحا أمة إشكاليةٍ للغاية، محاصرة بانعدام الأمن ونقاط الضعف في الهوية والتي غالباً ما تظهر في الانتفاضات العنصرية.
تخيل كيف شعر عضو البرلمان كارلوس مارتنز بيلونجو من حزب France Unbowed اليساري جراء هذا الافتراء. نشأ والداه في إفريقيا ويتطلعان إلى الفرنسيين كعرق خارق من نوع ما، قوي ومؤثر ويستحق التبجيل الكبير في القارة. بل ربما أيضاً ديمقراطية أوروبية حديثة وعظيمة والتي، بالنسبة إلى العديد من الأفارقة الفرانكفونيين مثل بيلونجو وجيله، بدت كأنها حلم.
لكن يجب أن تكون أحلام بيلونجو قد انتهت في هذا اليوم عندما رأى الجمهورية على حقيقتها: عنصرية بطبيعتها على جميع المستويات، والتي على الرغم من التظاهر، لا يمكنها إخفاء كرهها للأفارقة.
حتى إن المجموعة الفرنسية SOS Racisme وصفتها بأنها "الوجه الحقيقي لليمين المتطرف: وجه العنصرية". قال رئيس المجموعة، دومينيك سوبو، بغض النظر عن ما قاله غريغوار دي فورناس بالضبط، "من الواضح أنها تعليقات عنيفة للغاية".
تلقى بيلونجو قدراً كبيراً من الدعم من الناس الذين يشعرون بالحرج من الاعتداء العنصري.
قال بيلونجو: "أنا مشتت بين الفرح والحزن". "لأنني تلقيت العديد من رسائل الدعم بين عشية وضحاها لأنني أرى كل هذه الوجوه هنا تظهر تضامناً معي".
لكن يبقى السؤال: كم عدد تلك الرسائل التي تمثل البلد بأجمعه؟
على المرء فقط أن ينظر إلى الموضوع الذي أثار الغضب في المقام الأول، ليرى ما إذا كان التعليق الذي تلقاه النائب والكلمات اللطيفة التي قُدمت إلى بيلونجو قد نجحت بالفعل.
كان النائب من أصول إفريقية، المولود في فرنسا، يستجوب الحكومة بشأن قارب إنقاذ يحمل مئات الركاب الذين تقطعت بهم السبل في البحر الأبيض المتوسط، حيث لم يُسمح له بالرسو. وقد ناشدت جمعيات خيرية الحكومة لاستقبالهم أو المساعدة في إيجاد حل، وفقاً للتقارير.
ولكن هل كانت كل الضجة ضد التعليق العنصري حقيقية، أم أن الافتراء حقاً يعد جزءاً من اتجاه من السكان الفرنسيين الأصليين الذين يكافحون من أجل التصالح مع فرنسا، التي لم تعد قوة استعمارية وتواجه حالياً اضطرابات اجتماعية واقتصادية؟ يبدو أن الكليشيهات حول كون العنصرية الفرنسية شائعة في إفريقيا والقارة، وفي الواقع ضد الذكور الأفارقة في فرنسا نفسها أيضاً. لا توجد بالفعل عنصرية مثل العنصرية الفرنسية.
نظرة خاطفة على الإحصائيات في فرنسا نفسها تدعم هذا الأمر. وجدت دراسة أجريت العام الماضي أن ما يقرب من 12500 جريمة عنصرية جرى تسجيلها من قبل الشرطة والدرك. ومن بين هذه الجرائم، جرى العثور على 6300 جريمة في فئة الجريمة ذات المستوى العالي أو المتوسط. قفز العدد الإجمالي للحوادث بنسبة 16 في المئة مقارنة بعام 2020. يبدو أن فرنسا لديها مشكلة كبيرة في هويتها ومكانتها في العالم.
وهذه العنصرية آخذة في الازدياد، تغذيها أعداد متزايدة من الفرنسيين الذين فقدوا الثقة في النظام السياسي وتحولوا إلى حزب مارين لوبان اليميني المتطرف والمناهض للهجرة من أجل "جعل فرنسا عظيمة مرة أخرى".
وشعر ماكرون بنبض الجماهير وتحول نفسه نحو أقصى اليمين لإرضاء الناخبين، الأمر الذي لم يتجلَّ فقط في منع جميع المغاربة من دخول الجمهورية، ولكن أيضاً في تجريد المهاجرين من إنسانيتهم القابعين في غابة كاليه حيث جاؤوا إلى القارة من أجل تحقيق أهدافهم، المتمثلة في التوجه إلى المملكة المتحدة.
من المعروف أن الفرنسيين يكتنزون عقدة النقص الفادحة التي يسيء الكثيرون تفسيرها على أنها أعلى منهم. يتضح هذا في كيفية تجريد البلاد من إنسانية العرق الإفريقي، هذا فضلاً عن تمتعها بسمعة تقشعر لها الأبدان بسبب "البربرية" في القارة.
في حين أن البلجيكيين يمكن أن يلوموا أنفسهم حد تقطيع أيديهم باعتباره عمل ليوبولد الثاني المختل في الكونغو، فإن الفرنسيين ليس لديهم أي أعذار لما ارتكبوه في الجزائر، حيث جرى قطع رؤوس مقاتلين من أجل الحرية وأرسلت جماجمهم إلى فرنسا على شكل كؤوس.
في الآونة الأخيرة، أعيدت بعض هذه الجماجم إلى الجزائر من متحف، لكنها تحكي الكثير عن النخبة الفرنسية لدرجة أنه لم يصدر أي اعتذار عن هذه اللفتة.
علق جيمس زغبي من المعهد العربي الأمريكي، "في النهاية، أثارت القصة أسئلة أكثر مما أجابت، وكشفت عن الماضي الاستعماري، كما أشار أحد المؤرخين الجزائريين." تحدثت هذه القصة بشكل كبير عن الهمجية الاستعمارية حيث الاستمرار في استعراض أنفسهم باعتبارهم حاملي الحضارة والثقافة والقيم في العالم، بينما يصورون شعوب الشرق أو الجنوب على أنهم أدنى الأنواع".
ومع ذلك، فإن هذا الواقع، حتى إن كان صحيحاً في يوم من الأيام، نادراً ما يكون هو الحال هذه الأيام حيث تنفصل المستعمرات السابقة في إفريقيا عن براثن الإليزيه. الحلم الذي قد يكون لدى بيلونجا، أو بالتأكيد والديه اللذين أتيا إلى فرنسا بأمل كبير في العيش في باريس، جرى استبداله بأمة محرومة أخلاقياً، تُظهر العين الحمراء لأولئك الذي يذكرونها بقوتها السابقة.
في الواقع، كان مارك توين هو الذي كتب ذات مرة عن الجمهورية: "فرنسا ليس لديها صيف ولا شتاء ولا أخلاق. بصرف النظر عن هذه العوائق، فهي دولة جيدة".
جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.